غزة.. جحيم ترامب، أو إطلاق الأسرى.. بماذا ترُد المقاومة؟

تذكرت قصة من زمن قديم في الهند، عندما طالعت التهديدات الرعناء للرئيس الأمريكي المُنتخب دونالد ترامب، متوعدا الشرق الأوسط بالجحيم، وإنزال أشد العقاب بحركة المقاومة الإسلامية حماس، إذا لم يُطلق سراح الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، قبل 20 يناير المُقبل (يوم توليه الرئاسة). وَعِيد ترامب، جاء خلال حفل عشاء أقامه الاثنين الماضي، في مُنتجعه بولاية فلوريدا الأمريكية، لزوجة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو (سارة)، ونجلهما (يائير). تزامن مع هذا العشاء، تداول مقطع فيديو قصير، مصنوع بالذكاء الاصطناعي.. يُظهر يائير نتنياهو، أسيرا في نفق بغزة، مُناشدا أباه (نتنياهو)، التفاهم مع حماس، لتحريره. المقطع يبدو غمزا، بأن يائير لو كان بين الأسرى، لسارع نتنياهو إلى عقد الصفقة، لاستعادة ابنه.
الضابط الإنجليزي.. وصفعة الهندي الفقير
القصة التي أعنيها، عن زمن الاحتلال الإنجليزي للهند (1758- 1947م)، مفادها، أن ضابطا إنجليزيا صفع هنديا فقيرا على وجهه.. ردها الأخير، بأشد منها.. هُرع الضابط إلى قائده شاكيا، طالبا الثأر لكرامته، والإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس (بريطانيا). القائد، أعطاه مبلغا عظيما من المال، وأمره بالاعتذار للهندي، وترضيته بالمبلغ، وقد كان. الهندي، استثمر المال في التجارة، وعلا شأنه بين المحيطين به. بعد فترة أمر القائد الإنجليزي، ضابطه المصفوع، بالتربص للهندي، وصفعه وسط عدد كبير من الناس.. حاول الضابط التنصل، خشية على حياته، من الهندي الذي صار غنيا وحوله رجال.. إلا أن القائد، نهره، فنفذ الأمر. فوجئ “الضابط” بخنوع الهندي، واستسلامه دون رد. عندما عاد، فسر له قائده، ما حدث، بأن الهندي في المرة الأولى، لم يكن لديه سوى كرامته، فدافع عنها برد الصفعة.. أما عند الصفعة الثانية، فلم ينتفض، أو يثأر، دفاعا عن أمواله التي قبلها ثمنا لكرامته. ربما لهذا، ظهرت الحكمة القائلة: “لا تتحدى إنسانا ليس لديه ما يخسره”.
الفلسطيني المقاوم.. واللص الإسرائيلي الجريء
بالضبط، هذا حال المقاومة الفلسطينية بقطاع غزة، في قتالها لجيش الاحتلال، وتحديه، وإيقاع الخسائر به يوميا في جنوده، وعتاده، في ظل الحصار المُحكم المضروب عليهم، لتهجيرهم قسريا. ورغم ما يرتكبه جيش الاحتلال الموصوم من المحكمة الجنائية الدولية (في أشخاص رئيس حكومته بنيامين نتنياهو، ووزيره المُقال يوآف غالانت) بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وكذا جرائم حرب، من إبادة وتدمير للقطاع (بكل مكوناته)، وتجويع للمدنيين، وحرمانهم من كافة لوازم “الحياة”، التي استحالت، وصارت جحيما. فالفلسطيني المقاوم في هذه الحالة يناضل مُضحيًا بحياته، ساعيا للاستشهاد، دفاعا عن كرامته، وإنسانيته، وأرضه، وحقوقه المشروعة ضد احتلال غاشم، وعنصري، لا أخلاقي، وليس لديه ما يخسره، في ظل الجحيم الذي يعيشه. وهو نضال، على قاعدة، استنها المفكر الإسلامي الشيخ الغزالي (1917- 1996م) بأنه: “إذا كان صاحب البيت جبانا، واللص جريئا، فالبيت ضائع لا محالة”، فالمقاومون، أبطال، وليسوا جُبناء.. مقابل التبجح والجرأة الإسرائيلية في سرقة فلسطين، وتاريخها.
بايدن المتفوق دعما لإسرائيل.. وترامب الأكثر صراحة
لذا، فلا تخشى المقاومة في غزة، تهديدات ترامب، فهي، وإن كانت داعمة للكيان الصهيوني، ونتنياهو، فلن ينال غزة، جحيم أشد مما يكابده سكانها، ويعايشونه. ولن يخسروا جديدا، بعد سلب كل سُبل الحياة، والموت الذي يتربص بهم في كل لحظة، جوا، وبرا، وبحرا، ليل نهار. المعلوم أن بايدن، تفوق على سابقيه في دعم الكيان النازي، عسكريا، واقتصاديا، ودبلوماسيا، وبالمعلومات الاستخبارية. بخلاف الضغوط الأمريكية على محكمة العدل الدولية، ومن بعدها الجنائية الدولية، والتي يتوعدها ترامب ايضا. بايدن، لا يختلف عن ترامب، إذن في الميل للكيان الصهيوني، والانحياز الأعمى له، وكراهية العرب، والمسلمين.. سوى أن الأخير أكثر صراحة من بايدن، وإدارته، الذين يخدعون العالم بكلام معسول.. بينما أفعالهم، تتكفل بفضحهم.
المُعطل لصفقة التبادل
وعيد ترامب، يعكس اهتمامه، بإنهاء قضية الأسرى، قبل تنصيبه.. ضغطا على دول الشرق الأوسط، لتكثيف جهودها لإنجاز صفقة. ويمكن قراءة تصريحاته، بأنها تُمثل ضغطا على نتنياهو لوقف حرب غزة، مثلما، أن إبداء ترامب، لرغبته بإنهاء الحرب على لبنان، أرغمت نتنياهو، على الانخراط في اتفاق لوقف إطلاق النار، رغم محاولاته لتخريب الاتفاق. بما يعني تمسك المقاومة بشروطها، بانسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة، وتبادل الأسرى، وفتح الباب للمعونات الإغاثية. وهذا ما حدا بعضو المكتب السياسي لحركة حماس باسم نعيم، إلى التنويه، بأن المعني برسالة ترامب، هو نتنياهو، كونه المُعطل لصفقة التبادل.
الحرب الروسية- الأوكرانية.. وعراقيل أمام ترامب
اهتمام ترامب، بإنهاء ملف غزة، يرجع كذلك إلى رغبته في التفرغ للعديد من القضايا المُلحة التي يتعين عليه التعاطي معها، وإيجاد حلول لها، فأمامه ملف الحرب الروسية- الأوكرانية، التي قال عنها- أكثر من مرة-، بأنه يستطيع إنهاءها في 24 ساعة. إلا أن الإدارة المنصرفة للرئيس جو بايدن، زودت أوكرانيا بصواريخ “أتاكمز”، بعيدة المدى لتمكينها من ضرب العمق الروسي، لاستفزاز روسيا، وصب الزيت على نيران هذه الحرب، لتعقيد الملف أمام ترامب، وعرقله جهوده المُنتظرة لوقفها. ترامب، كذلك لديه، الملف السوري والصراع المُشتعل مؤخرا بين المعارضة، والنظام السوي، والأزمة السياسية المتفجرة في كوريا الجنوبية (حليفة بلاده)، وعليه إدارة الصراع مع الصين، وإيران، وغيرهما.
علينا تذكُر، أن ترامب في ولايته الأولى رئيسا لأمريكا (2016- 2020)، أشهر سيف تهديداته بوجه كوريا الشمالية، فبماذا نال منها؟.. لا شيء. وتوعد إيران، بنسفها، ولم يفعل سوى الانسحاب من الاتفاق النووي معها. وترامب ذاته، هو الذي وقع اتفاقا عام 2021 مع حركة طالبان الأفغانية، بوساطة قطرية، للنجاة من المستنقع الافغاني، وانسحاب الجيش الأمريكي، ومعه البريطاني من أفغانستان، بعد 20 عاما احتلالا. فلننتظر، ونرى ماذا سيجري، فقد يكون أكثر واقعية، بحُكم، طبيعته التجارية، وتفضيله للصفقات، فيدفع إلى عقد صفقة التبادل مع حماس.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsرسائل إلهية أم ظواهر طبيعية.. تأملات على وقع زلزال إسطنبول
نسب المشاهدة.. هل تحرم المشاهد من فاتح القدس؟
عادَ برهامي للتشويش فعُدْنا للبيان
المجد للمقاومة