سقوط الدولة.. بين سوريا وكوريا
الدهشة والانزعاج، كانا العامل المشترك في أنحاء العالم، بمجرد إعلان الرئيس الكوري الجنوبي، يون سوك يول، إعلان الأحكام العرفية، بعد الإعلان عن إغلاق البرلمان، من خلال قوات الشرطة، وظهور قوات عسكرية مدججة بالدبابات في الشوارع، وطائرات هليكوبتر بالسماء وفوق مقر البرلمان، إلى غير ذلك من مظاهر، من الطبيعي رؤيتها في دول العالم الثالث، بين آن وآخر، إلا أنه ليس طبيعيًّا أبدًا رؤيتها في ديمقراطيات ليبرالية هادئة سياسيًّا، ومتفوقة اقتصاديًّا، ومتقدمة تكنولوجيًّا، كتلك التي شاهدها العالم على الهواء من العاصمة سول، في مشهد لن يمحى من الذاكرة، له ما بعده بالتأكيد، من تداعيات داخلية على المدى القريب.
ولكن كان من الطبيعي، ألا نندهش من ردّ الرئيس الكوري، على تطورات الأحداث، وذلك بالتراجع عن قراراته، أمام التصويت البرلماني، الذي رفض بإجماع 190 عضوًا الذين استطاعوا دخول البرلمان، قرارات الرئيس بالانقلاب على الدستور، كما رفضها الشعب الكوري، الذي تجمع بأعداد كبيرة أمام البرلمان، مرددين شعارات الرفض، مع الوضع في الاعتبار أن رئيس الحزب الحاكم (حزب سلطة الشعب) الذي ينتمي إليه رئيس الجمهورية، هو الذي قاد عملية الاعتراض على هذه القرارات، التي رفضها أيضا بالطبع، حزب المعارضة (الحزب الديمقراطي)، في الوقت الذي دعا فيه اتحاد نقابات العمال إلى الإضراب العام، لحين استقالة الرئيس، وهو ما طالبت به أحزاب المعارضة، ليصبح الرئيس مهددًا بالمحاكمة، بتهمة خيانة الدستور والشعب.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالكتيبة الإعلامية في غزة.. وطوفان الوعي
“جنين غراد”.. والفلسطيني المُستباح!
ورقة إعادة الإعمار.. سوريا وإيجاد الأرضية المشتركة
جاءت الأزمة الكورية الجنوبية، متزامنة مع الأحداث التي تشهدها الأراضي السورية في هذه الآونة، بعد أن اجتاحت قوى المعارضة أو المقاومة هناك، مساحات واسعة من الجغرافيا السورية، دون مقاومة رسمية، لأسباب متشابكة، وذلك في أعقاب فترة طويلة من الهدوء وتراجع المواجهات، خصوصًا منذ بدء عملية طوفان الأقصى، التي شنتها المقاومة الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، وكان لها ما لها من تداعيات حرب الإبادة على قطاع غزة، والقصف الوحشي على الأراضي اللبنانية، الذي أسفر في 27 من الشهر الماضي، عن اتفاقية هشة لوقف القتال.
الموقف السوري لم يتغير
على عكس الرئيس الكوري، كان ردّ الرئيس السوري بشار الأسد، رفع حالة الاستعداد لمواجهة من أسماهم الإرهابيين، مستعينًا بالقوات الروسية، التي قامت على الفور بقصف مواقع المقاومة، في إشارة إلى استمرار الموقف الرسمي كما هو عليه، من رفض أي حوار سياسي، لإصلاح ذات البين، أو المواءمة السياسية، على الرغم من التطورات الكبيرة التي شهدتها وتشهدها المنطقة، والتي تشير إلى أن المستقبل يحمل الكثير من التطورات السلبية، وعدم الاستقرار، خصوصًا مع استمرار حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة في إسرائيل، ووصول دونالد ترامب، الداعم للتطرف الإسرائيلي، إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، في 20 من الشهر المقبل.
في الحالة الكورية، نتحدث عن مجرد صدامات شعبية مع الشرطة، على أبواب البرلمان، وسجالات برلمانية مع الرئيس، على خلفية اتهامات لزوجته بالفساد، ورفض البرلمان إقرار الميزانية السنوية، أما في الحالة السورية، فنحن نتحدث عما يزيد على 600 ألف قتيل، في الحرب الأهلية الدائرة منذ عام 2011 حتى الآن، ونحو تسعة ملايين لاجئ في دول الجوار وغيرها، يمثلون ما يقرب من نصف الشعب السوري، فضلا عن المهجرين بالداخل، من مناطق القتال، إلى مناطق آمنة أو شبه آمنة، إلا أن كل ذلك لم يردع النظام الرسمي، للجنوح نحو السلام، أو حتى الزهد في كرسي الحكم، وكأنها حالة عربية بامتياز.
ربما يؤكد ذلك، موقف الدول العربية التي أعلنت، الواحدة تلو الأخرى، دعمها القوي للنظام الرسمي في دمشق، والتي من المنتظر أن تعقد، بعد غد الأحد، اجتماعا على مستوى وزراء الخارجية، بمقر جامعة الدول العربية، بطلب من سوريا، ولكن ليس منتظرًا أن يدعو الاجتماع نظام دمشق إلى الحوار مع المعارضة، أو طرح مبادرة توافقية لإحلال السلام، أو أي شيء من هذا القبيل، في ضوء وجود أطراف مؤثرة، غير عربية، على خط الأزمة، تتصدرها قوتان عالميتان هما الولايات المتحدة وروسيا، وقوتان إقليميتان هما تركيا وإيران، فضلا عن المستفيد الأول مما يجري وهو الكيان الصهيوني، الذي استباح الأراضي السورية، طوال سنوات الحرب الداخلية والانقسام.
الحالة متجذرة بالمنطقة
الدكتاتورية الكورية لم تدم طويلًا، بل لم تستغرق أكثر من 6 ساعات، عادت بعدها إلى طريق الرشد والعقل، والدستور والقانون، تفاديًا للسقوط، الذي كاد يلوح في الأفق، وخروجًا من دائرة الدهشة التي سادت العالم، حيث انسحب الجيش فورًا من الشوارع بمجرد تصويت البرلمان، أما دكتاتورية دول العالم الثالث، مثل الحالة السورية، فهي متجذرة في المنطقة، حتى لو أصبح السقوط حتميًّا، وحتى لو اضطرت إلى الاستعانة بصديق أو أصدقاء، للقيام بأعمال القتل بالوكالة، وهو أمر لم يعد مخزيًا أو معيبًا، كما كان في السابق، بل أصبح اعتياديًّا، تفخر به الأنظمة، وتنفق في سبيل ذلك الكثير من مقدرات الشعوب، التي لا تكاد تقضي يومها من سوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية، وتدني الرواتب، وسوء المرافق، إلى غير ذلك من أزمات.
على الجانب الآخر، لا أرى أبدًا مبررًا، لحمل السلاح في مواجهة السلطة، أيًّا كان حجم مساوئها، وهو ما لم نره في الأزمة الكورية العابرة، ولم نكن لنراه هناك لو امتدت الأزمة أيامًا وشهورًا أو حتى سنوات، على الرغم من نزول قوات الشرطة والجيش إلى الشوارع، في ظل قيادات عسكرية، لا يمكنها الخروج عن الشرعية، باستخدام القوة ضد أفراد الشعب، وبالتالي في ظل شعوب متحضرة لا يمكنها حمل السلاح في مواجهة جيوش بلادها، وهي مواثيق طبيعية حضارية، لا تحتاج إلى تدوين أو تذكير، وقد يكون نزول هذه القوات إلى الشوارع في حد ذاته، مثار مساءلة مستقبلًا، على الرغم من أنها امتثلت لأوامر رئيس الدولة، الذي استخدم فزاعة الخوف من الشمال، أو كوريا الشمالية، في إدارة الأحداث، على غرار فزاعة أهل الشر، في دول العالم الثالث.
على أية حال، أعتقد أنه قد آن الأوان لخروج المنطقة العربية من هذه الدائرة المظلمة، المتعلقة بالتشبث بكرسي الحكم، حتى لو كان ذلك على أجساد وأرواح ودماء الشعوب، والاستعانة بقوات احتلال من هنا وهناك، واستنزاف موارد الأوطان، ببيع أصولها والتفريط في مقدراتها، فضلا عن تقسيمها وتفتيتها؛ ذلك أن أخطر ما تتعرض له بلدان العالم الثالث، هو ذلك الاعتقاد الذي يرى الحاكم من خلاله، أنه لا يتوافر بين جموع الشعب من يصلح لإدارة البلاد سواه، وأنه مرسل من عند الله، على الرغم من أنه قد يكون الأسوأ والأرذل، من بين فئات الشعب المختلفة، وهي إشكالية كانت في حد ذاتها كفيلة بكل هذا التخلف والتمزق، على الرغم من وضوح الرؤية، على سبيل المثال، في الفارق بين سوريا وكوريا، على كل المستويات، خصوصًا في عملية تفادي السقوط، أعني سقوط الدولة.