شقق الإسكان الاجتماعي حلال أم حرام؟
في ظل الغلاء الشديد في مصر والعالم بوجه عام، تطرح الدول على مواطنيها شققا للسكن بسعر يتناسب مع حال متوسطي الدخل، أو محدودي الدخل، تدعم الدولة هذه الشقق، وتختلف مسمياتها من زمن لآخر، سواء تحت مسمى الإسكان الشعبي، أو الحكومي، أو الاجتماعي، وهو ما بدأ طرحه منذ فترة في مصر، وبحكم تعامل الدول مع البنوك، ومعظمها بنوك تتعامل بالفائدة التي يحرمها معظم المجامع الفقهية، فبدأ الناس يتساءلون عن الحصول على شقق من الدولة، بخاصة أن ضمن الشروط الشرط التالي: يتم التعاقد بنظام التمويل العقاري بفائدة 8% سنويًا لمحدودي الدخل و12% لمتوسطي الدخل. ويبدأ مقدم الحجز من 20% لمدة تصل إلى 20 عامًا.
رأيان في المعاملة:
ورغم حاجة الناس لهذه الشقق، إلا أن السؤال عن حل أو حرمة هذه المعاملات، يظل السؤال الذي لا ينقطع، مما يدل على أن هناك أزمة لا تزال بين الشعوب والدول فيما يتعلق بالتعامل المالي شرعا، وبالتالي تنسحب الأزمة على المؤسسات الدينية التي تمثل هذه الأنظمة، ورغم فتاوى الجهات الرسمية، لا يزال الناس يلجأون للفتوى لدى الجهات الشعبية أكثر، مخافة الوقوع في محظور شرعي.
والفتاوى التي تصدر في هذه المعاملة تحديدا، تتجه اتجاهين: اتجاه رسمي يمثله المؤسسات الإفتائية الرسمية، فقد بات رأيها معروفا، بل مفروضا رسميا منذ تولي الشيخ طنطاوي الدار، وإصداره فتواه بحل فوائد البنوك، والتعاملات البنكية بوجه عام، وقد بات رأي الشيخ طنطاوي الذي خالف به الجميع وقتها، رأيا رسميا للدار، يصعب على من تولى بعده أن يخالفه، في ظل ما يشبه توافقا في الاختيار، يكون للمشيخة دور فيه، وبالتالي أصبح جل المعاملين في الإفتاء الرسمي – سواء دار الإفتاء أو غيره – سائرين على الرأي المبيح لتعاملات البنوك.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالكتيبة الإعلامية في غزة.. وطوفان الوعي
“جنين غراد”.. والفلسطيني المُستباح!
ورقة إعادة الإعمار.. سوريا وإيجاد الأرضية المشتركة
ولكن الدار فيما بعد، حاولت أن تتجنب أو تتحايل على ما يثيره المخالفون لها بالتحريم، فطلبت من البنوك تغيير الصيغة، من قروض، إلى استثمار، حيث إنها تعلم أن عقد القرض أو الوديعة، إذا احتوى على فائدة أو زيادة، يحرم، فلا توجد صيغة شرعية تجيزه، لكن صيغة الاستثمار تجعل للبنك مخرجا بالنقاش حول الحل والحرمة. فرأي دار الإفتاء يفتي بجواز المعاملة، لأسباب أخرى لا تخلو من نقاش فقهي وعلمي يجعله رأيا لا يسلم من النقد.
أما الرأي الآخر، والذي تمثله الوجهات الفقهية التي لا تقول بما تقول به دار الإفتاء، فهو رأي يرى الحرمة، لما يشتمل عليه العقد من نص واضح بالفائدة، وكذلك ما يوضع في بنوده من غرامات تأخير، وربما فوائد مركبة كذلك، ولذا فهو يفتي بحرمة شراء هذه المساكن، مهما قلت فائدتها أو كثرت، ولو صارت واحدا بالمائة، فمجرد ذكر كلمة (فائدة) تجعله يحرم بغض النظر عن نسبتها، أو بقية صيغة العقد وما يشتمل عليه.
رأي يجيز هذه المعاملة تحديدا:
هذان رأيان، يشتهران بين الناس، لكن رأيا ثالثا أراه غير منظور إليه، وهو الرأي الذي نميل إليه في مثل هذه المسائل، بهذا التكييف الفقهي، فالمتأمل لعقد شقق الإسكان الاجتماعي في مصر، سيجد أن الفائدة الموضوعة ثمانية بالمائة، وهي بلا شك أقل بكثير من التضخم الذي يحدث في مصر حاليا، ومن وضع هذا البند في العقد يعلم يقينا أن التضخم في مصر يرتفع أكثر من ذلك عشرات المرات ربما، وليس عن جهل منه، وهذا معناه أن المقصود من ذلك: أنها خدمة مقدمة من الدولة للمواطن محدود الدخل.
وهو ما تقوم به دول كثيرة، حتى وإن اختلف المواطنون أو المعارضون لسلطتها في درجة صلاحها أو فسادها، فلا تخلو سلطة من مشاريع خدمية، وهذا العقد بهذه الصيغة اشتمل على صيغتين: المعاوضة والتبرع معا، أي أن الدولة هنا باعت الشقق بأقل من سعرها، إسهاما منها في حل أزمة يعيشها الناس، وهي عقود جائزة شرعا.
وبناء على ذلك فإنه يجوز للإنسان المحتاج لهذه الشقق، بالشروط التي تشترطها الدولة أن يحوزها، بناء على هذا التكييف الفقهي، دون حرج في ذلك، فأما من كان في غنى عنها، فينصح بعدم الدخول فيها، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك”.