سوريا إلى أين؟

مقاتلون من المعارضة المسلحة في مدينة حماة (الفرنسية)

مع تفجُّر الأحداث في المنطقة التي تعاني حالة من الفوضى، يجد المراقب للمشهد واقعًا يموج بتحولات “دراماتيكية” سريعة التلاحق، بدرجة غير مسبوقة على الساحة السورية، ولا يمكن فك الارتباط بينها وبين مشهد كلي تعيشه المنطقة والعالم، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة المستمر منذ أكثر من عام.

ومع تطور الأحداث والتغيرات المتسارعة في الواقع الميداني لصالح قوات المعارضة السورية، منذ بدء عملية “ردع العدوان” حتى اللحظة، يتردد من جديد السؤال الذي طُرح مرارًا وتكرارًا منذ أكثر من عقد، وهو: سوريا إلى أين؟

تزامن الهجوم الواسع الذي شنته هيئة تحرير الشام، ضد قوات النظام السوري في 27 من نوفمبر/تشرين الثاني 2024، مع تطورات على الساحة الإقليمية، أبرزها اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله.

الهجوم على حلب لم يكن مفاجئًا

لم يكن الهجوم الذي شنته هيئة تحرير الشام على حلب تحت مسمى “ردع العدوان” مفاجئًا للمراقب السياسي، ووفقًا لمقاييس الرصد السياسي لتطور التفاعلات في المناطق الخاضعة للهيئة، مع ربطها بالمشهد الإقليمي والحرب الإسرائيلية على غزة، فقد كان هذا التحرك الهجومي متوقعًا، لكن ما مثّل مفاجأة هو هذا الانهيار السريع لقوات النظام السوري، الذي لم يكن متصوَّرًا أن يكون على هذه الوتيرة.

لقد كشف الهجوم الكاسح لفصائل المعارضة السورية على حلب حالة العجز الكامل للنظام السوري في جميع القطاعات، بما فيها الجيش. يضاف إلى ذلك القصف الإسرائيلي الذي شمل مواقع للقوات الموالية لإيران في كل من لبنان وسوريا اضطرها إلى إعادة الانتشار؛ مما جعلها عاجزة عن القتال.

بالنظر في وضع النظام السوري، فقد تحوَّل إلى نظام يعتمد كليًّا في بقائه على الخارج، فهو نظام قائم على عكازين؛ أحدهما إيراني والآخر روسي، وغيابهما يعني سقوطه كليًّا.

وقد انتهج النظام السوري استراتيجية بقاء تقوم على الاستفادة من الدعم الروسي والإيراني لتحقيق سيطرته، وفي الوقت ذاته اعتمد مسار تحسين علاقاته العربية، الذي عكسته في الفترة الأخيرة محاولات إعادة الدمج عربيًّا، التي واجهت مشكلات معقدة، على رأسها العقوبات الغربية، وفشل النظام في إحداث أي إصلاحات سياسية أو اقتصادية، إضافة إلى استمرار النزاعات على الأرض.

ويمكن القول إن النظام السوري يجني تبعات حساباته الأمنية والعسكرية الخاطئة التي ظل يدور في فلكها، إضافة إلى إعطاء ظهره للتقارب مع تركيا.

سوريا وصراعات النفوذ والمصالح

ورغم الأسباب التي أعلنتها فصائل المعارضة السورية تبريرًا لهذا الهجوم الكبير على حلب، فإنه لا يمكن فك الارتباط بين هذا الهجوم والمتغيّرات الجيوسياسية دوليًّا وإقليميًّا، المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية من ناحية، والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان من ناحية أخرى.

في سوريا تتجسد على أرض الواقع صورة صراعات النفوذ والمصالح بين القوى الإقليمية والدولية، فالجبهة السورية ميدان للصراعات بالوكالة، حيث يتعدد الفاعلون، وتتناحر الإرادات استباقًا للتحولات المرتقبة، والمستجدات العالمية، وأهمها فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية.

ما بين تقويض نفوذ إيران وتغيير خياراتها الاستراتيجية

ما يحدث الآن في سوريا هو محصلة توافق إقليمي دولي، ما زالت حدوده مجهولة حتى اللحظة، وغير واضح ما هي نيات الفاعلين وخططهم لتوظيف الأحداث والاستفادة من تطوراتها.

لقد وفر هذا التوافق الدولي والإقليمي توقيتًا سياسيًّا ملائمًا لتفعيل هذا الهجوم الكبير لفصائل المعارضة السورية على حلب، إذ وفر غطاءً سياسيًّا وعسكريًّا لتحقيق هذا الاكتساح الميداني حتى اللحظة.

وما بين تقويض نفوذ إيران في سوريا وتغيير خياراتها الاستراتيجية يدور العنوان الأبرز لجوهر المعركة الدائرة الآن في سوريا، وما يعني الشعب السوري من ذلك هو ما يحقق مصالحه.

ولكن في ظل المشهد السوري المركَّب والمعقد، الذي تتداخل فيه قوى دولية وإقليمية وقوى سورية من أطياف المعارضة المختلفة، لا يمكن للمعارضة أن تعمل بمعزل عن الفاعلين الدوليين والإقليميين الذين يتقاسمون النفوذ في سوريا.

بين مطرقة الصراع السياسي وسندان الصراع الاستراتيجي

يخشى كثيرون أن تؤدي الأحداث إلى إخضاع سوريا لسيناريو تقسيم، لطالما اتهمت روسيا الولايات المتحدة بأنها تريد تحقيقه في سوريا، ويتولد عنه دولة كردية، وهو ذلك السيناريو الذي ترفضه روسيا ودول أخرى، وخصوصًا تركيا، لما يمثله ذلك من تهديد مباشر للدولة التركية.

بين مطرقة الصراع السياسي حول نظام الحكم وسندان الصراع الاستراتيجي المتعلق بالصراعات الدولية والإقليمية في المنطقة، تترنح سوريا اليوم.

هناك عقبتان كؤودان، لا بد من تجاوزهما لتحقيق الاستقرار المنشود في سوريا؛ الأولى تتمثل في النظام السياسي، الذي يحتاج إلى التغيير ليكون معبّرًا عن الشعب السوري ومصالحه، والثانية تتمثل في كون سوريا مسرحًا لصراعات النفوذ، إذ لا بد من انتشال سوريا من أتون النزاعات الإقليمية والدولية، واستعادة سيادتها وحقها في تقرير المصير، وألا تكون مسرحًا لصراعات القوى الإقليمية والدولية.

هناك من يرى أن تحقيق التهدئة والاستقرار النسبي في سوريا اليوم محكوم بخيارات ثلاثة مغلقة، هي: تنازل الأسد عن الحكم، أو انقلاب داخل النظام، أو استمرار للحرب حتى سقوط بشار الأسد.

خاتمة

ما زال المشهد في سوريا مفتوحًا على كثير من الفرضيات، التي يبدو أنها محكومة بتقييم المستجدات على الأرض، لتظل الإجابة عن سؤال “سوريا إلى أين؟” معلَّقة إلى حين.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان