أين الله مما يحدث لسوريا؟ وجاء الجواب!!
مشهد سقوط نظام الأسد، بعد سنوات طويلة من البطش بالشعب السوري، والعدوان عليه بكل ما أوتي من جبروت، وبشتى ألوان القتل والتشريد، كانت الناس كلما رأت المشاهد، وبخاصة مشاهد الأطفال، الطفل الذي غرق على أحد شواطئ أوروبا، والطفل الذي قال قبل وفاته: سأخبر الله بكل ما فعلوه، ومشاهد كثيرة كانت تثير في الناس سؤالًا يتردد لفترة قصيرة: أين الله مما يحدث لسوريا؟!
بل إن بعض الشباب اتخذ ما يجري من مظالم، واستفحال أمر الظالمين، تكأة ليبرر جنوحه للفكر الإلحادي، وكان السؤال موضع فتنة، وكثيرًا ما واجهني مظلومون بالسؤال، بل من أهل التحدث للناس من بعض الإعلاميين، ولا زلت أذكر مكالمة بعد منتصف الليل كلمني شخصية مشهورة، يبكي بحرقة، مما يحدث لأهل سوريا، ويريد جوابًا يشفي صدره، ويعطيه أملًا في المستقبل، ويفسر له ما يجري في الحاضر، من باب الدين.
سؤال يُطرح مع كل محنة:
تلك كانت حالة، لا أظن أحدًا ينساها، أو غابت عن الأذهان، وأظن أن السؤال نفسه كان يتردد في نفس كل مسجون في ظلمات اعتقال نظام بشار، من ظل قابعًا في السجن أربعين سنة، أو عشر سنوات، تزيد أو تقصر، لا بد أنه سأل هذا السؤال، وأن الجواب كان يتردد في نفسه: أن فرج الله قريب، وأن رحمة الله قريب من المحسنين.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsرسالة لصديق بغزة انقطعت أخباره
الأمان المفقود في إسرائيل!
ماذا ينتظر غزة بعد وقف إطلاق النار؟
وكنا نجيب على السائلين: بأن الله عز وجل وضع في كونه أسبابًا وأقدارًا، يسير كونه وفقها، لا تحابي أحدًا هذه السنن، فهي تعمل مع المسلم والكافر، فالظالم لا بد من نهايته، لكنها تكون بيد المظلوم، الذي يبحث عن وسيلة لنصرته، لا المظلوم المستكين المستسلم، وحين يعمل وفق هذه السنن، ولو كانت طاقته محدودة، يأتيه عون الله تعالى، لكن لا بد أولًا من البدء بنفسك، قال تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡ) الرعد: 11، وقال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ) محمد: 7، فلا بد من بداية تحرك وتخطيط ووسائل يأخذ بها أصحاب الحق.
إجابة السؤال الذي ظل أكثر من عشر سنوات يُطرح، جاءت إجابته في أقل من ساعة، بسقوط هذا النظام الذي ما توقع أحد سقوطه، وهكذا أحداث التاريخ الثقال والكبيرة، يعيشها أصحابها في سنوات حالكة، ويظل السؤال يتردد في أذهانهم طوال هذه السنوات، وتأتي الإجابة فجأة، بغتة، حين يشعر الظالم أنه قد دانت له الدنيا، وخضع له الجميع، وصار مُمكّنًا لا يملك أحد نزعه.
لحظة تضخم الظالم هي نهايته:
اللحظة التي ظن فيها النظام أنه في أقوى حالاته، وفي شدة عنفوانه، كانت لحظات النهاية، فمن يدرك ذلك؟ لقد خطب وده كل من عاداه، وظل يتعامل بدلال غريب، وعنجهية شديدة، وكل من ذهب لطلب إعادة العلاقة معه، تعامل معه بأسلوب مهين، ولم يكن يدري أحد ولا النظام نفسه أنها سكرات الموت لهذا النظام.
وهو مشهد يذكرنا بمشهد قرآني عظيم، إنه مشهد هلاك فرعون، لو أننا تخيلنا اللحظة التي كان فرعون يطارد موسى عليه السلام وأتباعه في البحر، لقد ضرب موسى البحر بعصاه، وفُتح له طريق في معجزة لم تتكرر، ومضى موسى في الطريق الممنوح له، ومعه قومه، ومع ذلك أصر فرعون على إكمال المعركة خلفهم، ولو كانت لديه ذرة من ذكاء لاكتفى بهروبهم، ووصمهم بالفرار الخائفين، وعاد يحتفل بالنصر.
لكنه أكمل، ونزل، ولنشعر بالموقف في هذه الدقيقة الزمنية، بكل ما تعنيه الدقيقة من معنى زمني، بين فرعون وموسى وقومه مسافة مترات قليلة، وهو يمتطي عجلته الحربية، ما هي إلا ثوان معدودة، ويمسك بهم وينكل حسب تصوره، وأصحاب موسى يفكرون بنفس التفكير، ما هي إلا نفس الثواني وسيسقطون في يده، تكون هذه اللحظة لحظة النشوة الكاذبة، هي لحظة غرق فرعون، ولحظة اليأس واقترب الأجل، هي لحظة النصر لموسى وقومه، في مشهد نفسي رهيب، يصوره القرآن بقوله تعالى: (وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ) البقرة: 50.
دروس التاريخ تعلمنا الجواب:
سيكتب التاريخ أحداث سوريا، كما كتب أحداثًا أخرى مماثلة، عاشها الناس في محنة كبيرة لسنوات، ثم أعقبتها منحة من الله لهم بحريتهم، تكتب في فقرة صغيرة في كتاب التاريخ، لكنها استغرقت سنوات طوال، وهو ما يذكرنا بمشهد سقوط بغداد على يد التتار، وقد اجتاحوا جل بلاد المسلمين، وقد كتب كاتب أمريكي من أصل عربي وهو فيليب حِتِّي، وقد وضع سؤالًا عبر عن المرحلة التي عرضها، فقال: (هل سيقوم لدين محمد قائمة؟)، ولم يجب عن السؤال، وترك أحداث التاريخ تجيب، ثم بعد عامين عاد المسلمون لرشدهم، وحرروا ما استعمره أعداؤهم، وأصبحوا قوة مهابة، فوضع الكاتب سؤالًا جديدًا، كانت صيغته: (هل سيقف أمام دين محمد أحد؟!).
هكذا أحداث التاريخ في المفاصل التاريخية الصعبة والمزلزلة، وربما تعيش الأمة أو هذه الأجيال محنة أخرى، لا نتمناها، سواء كبرت أم صغرت، ويظل السؤال المتردد في المحن: أين الله مما يجري؟ والجواب حاضر، ويأتي، لمن يعمل على إنهاء محنته، ولا يركن ولا يتواكل، بل يعد ويعمل، ويتوكل على الله وهو حسبه.