الثورة السورية .. ردًا على سؤال لماذا الآن؟!

ردًا على مقال “تساؤلات مخيفة عن معركة الشام”

الاحتفال بسقوط النظام السوري في مدينة حمص (الأناضول)

هذا المقال ردًا على مقال للروائي سيد أمين المنشورة بتاريخ 6 / 12 / 2024..

من البدهي كي تكون روائيًا أن تكون عارفًا بدقائق الأمور وصاحب عقل يستقرئ ويستنتج، وهذا يعني أن تكون باحثًا موضوعيًا كي تحافظ على الأمانة العلمية والأخلاقية، أما غير ذلك فأنت مجرد صوت مستعار ينقصه الكثير ليدرك ذاته. ومن هذا المنطلق ولأنك صاحب ثلاث روايات وتكتب في السياسة فقد ارتأيت الرد على ما جاء في مقالتك المنشورة في موقع الجزيرة مباشر والمعنونة باسم (تساؤلات مخيفة عن معركة الشام)..

جميل أن تفرح بما يحدث في سوريا بوصفه (نهاية لوجع طال ملايين السوريين) لكن لم تسأل نفسك من الذي صنع هذا الوجع وكيف حدث؟ بل انتقلت مباشرة إلى يقينك بأن عملية ردع العدوان دمرت (أعظم إنجازات طوفان الأقصى)، وأعظم إنجازات طوفان الأقصى حسب رأيك هي (وحدة ساحات المقاومة)، فهل تستطيع أن تعدد لي هذه الساحات أيها الروائي الأمين؟ وهل بشار الأسد واحدة من هذه الساحات؟ لو أنك أتعبت نفسك قليلاً في البحث لرأيت كيف دمّر بشار الأسد قبل سنوات قليلة جداً “مخيم اليرموك” في دمشق الذي يُعد من أضخم المخيمات الفلسطينية في العالم، ولربما صادفك في البحث كيف دمّر أبوه “حافظ” تل الزعتر في لبنان الذي كان شوكة في حلق إسرائيل بداية ثمانينات القرن المنصرم، وأظنك لم تعاصر تل الزعتر لحداثة سنك حينها. من طرف آخر هل الفصائل الفلسطينية (غير حماس) من وحدة الساحات أيضاً؟ في سوريا سبعة فصائل فلسطينية ليست معنية بفلسطين، ما تزال تذبح السوريين مع بشار الأسد. في الضفة الغربية أكثر من أحد عشر فصيلاً لم يتدخل. في الأردن الأبواب مغلقة، وفي الجولان الأبواب مغلقة، وفي سيناء الأبواب مغلقة، وحزب الله في لبنان بقي شهورًا طويلاً يتصارع مع عمود إرسال في الجليل، فعن أي وحدة ساحات تتحدث؟

مفاسد العملية

وفيما يخص ما جاء تحت عنوان ” مفاسد العملية”، دعني أذكرك بما أجهد السوريين من كثرة تكراره وشرحه لمن في آذانهم صمم، دعني أذكر البدايات الأولى بإيجاز شديد.

عندما اشتعلت الثورة السورية في 2011 بقيت شهورا في حالتها السلمية ثم انتقلت إلى العسكرة، ولن أتحدث في ملابسات هذه النقلة، ولكن في كيفية التصدي لهذه الثورة التي تعامل معها بشار منذ اللحظة الأولى كما تعرف بالحل العسكري. عندما بدأت الانشقاقات في الجيش السوري بدأ النظام بالاستعانة بحزب الله أولاً وبتوجيه مباشر من قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وبعد حزب الله بدأت الميليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية بالتوافد وارتكاب المجازر الطائفية حصرًا بأهل السنّة وبدأت مرحلة من أبشع مراحل الإجرام ضد المدنيين العزل، ثم جاء الطيران الروسي الذي لولاه لكانت سوريا محررة منذ عام 2014، وما بين البراميل المتفجرة والصواريخ الأرضية والباليستية قُتل أكثر من مليون ونصف مليون مسلم يا مسلم! وتمّ تهجير أكثر من 13 مليون مسلم أيضاً. هل عرفت الآن ما هو الوجع السوري ومن صنعه؟ ألم يقل لك عقلك يومًا أن ما حدث في سوريا من قِبل إيران وروسيا أبشع -وبما لا يُقاس- مما حدث في فلسطين؟ ألم تهتز مشاعرك الدينية والوطنية لأكثر من مليون خيمة يعاني أهلها في الشمال السوري أشد المعاناة حرًا وبردًا وجوعًا؟ ناهيك عمن هم في مخيمات لبنان وتركيا والأردن.

لماذا الآن؟

نعود إلى التوقيت الذي أصبح مطية كل المحللين الاستراتيجيين وكتاب الرأي في العالم العربي (لماذا الآن؟)، فمنذ سنوات يتم التحضير لهذه المعركة: إعداد مقاتلين، وصناعة مسيرات، وتسليح، وتدريب ومن حق أي جيش في العالم أن يختار معركته في اللحظة التي يراها مناسبة، هل في هذا نكران للجميل؟ كما تقول! ثم عن أي جميل تتحدث؟ هل تعتبر ما قام به حزب الله في سوريا جميلا؟ وهل صدّقت أن يكون شخص ما جميلًا في قضية وقبيحًا في قضية أخرى مماثلة؟ لقد حاول حزب الله فيما سماه حرب الإسناد أن يغسل صورته الدموية لا أكثر، وإلا فهو لا يعنيه من قريب أو بعيد أن يحرر القدس أو أن ينصر حماس، وارجع لعشرات الفيديوهات لقادة الحرس الثوري ولسياسيين إيرانيين ولقائد الحزب الذي أعلن أكثر من مرة ولاءه الخاص لهم.

في العالم العربي لا أحد يملك قرارًا سياديًا سواء على مستوى الحكومات أو على مستوى مؤسسات، وشاءت الأقدار أن تتلاقى وتتقاطع مصالح الدول الإقليمية والعظمى وتصب هذه المرة في مصلحة السوريين المهجرين قسرًا من بيوتهم، واغتنموها فرصة عظيمة لتحرير أرضهم، هل عرفت سرّ التوقيت؟ أم أنك مثلهم تعتبر الشعب السوري صهيونيًا؟

أما عن فقه الأولويات أيها “السيد الأمين” فأريد أن أسألك سؤالًا واحدًا فقط. أين كانت أولوياتك يوم اغتُصبت المسلمات السوريات في المساجد؟ وسمع صراخهن الناس عبر مكبرات الصوت الموضوعة على المآذن. أين كانت أولوياتك وأولويات المسلمين يوم تدمرت آلاف المساجد، وحُرقت المصاحف؟ من الذي أقنعك أن دم الفلسطيني أكثر قيمة عند الله من دم السوري؟ ربما لا تعرف -وربما عرفت حديثًا- أن “عز الدين القسام” ابن سوريا، فلا تزاود على سوري في هذا المضمار تكن كمن “يبيع الماء في حارة السقايين”

أخيرًا وبما يخص ما تفضلت به حول “إصلاح النيات” فكأنك تطلب من القتيل أن يصالح القاتل ويسامحه لحظة القتل، وكأنك تطلب ممن هُدم بيته أن يسامح وهو تحت الأنقاض، أنت إذن لم تعرف السوريين .. ارجع لما قاله عنهم شكري القوتلي لعبد الناصر بعد التوقيع على الوحدة، وقبل أن يتشمم أنفك رائحة المؤامرة الكبرى في الشام.. اسمح لعقلك أن يرى المؤامرة الكبرى التي أنت فيها من حيث تدري أو لا تدري.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان