سوريا وسقوط الأسد.. ملاحظات أولية
لعلنا نبدأ حيث انتهى المشهد، وظهرت الرسالة التي حملها السقوط والهروب واضحة في فكرة الخوف، هذا الخوف الذي قال عنه نجيب سرور إنه “قواد فحاذر أن تخاف”.
في الخلفية السؤال: كيف حكم هذا النظام كل تلك السنوات؟ وهل ظل في الحكم بصورة “الطغيان” التي رُسمت عبر عقود، والتي تحولت إلى شبح ظهر حجمه واضحا في سرعة السقوط وسهولته؟ كيف تآكل النظام وظل محافظا على الصورة الخارجية للقوة والسلطان؟ وكأنه تحوَّل إلى “صورة دوريان جراي” حيث حافظ أمام الخارج على صورة القوة في حين كان يتهاوى داخليا باستمرار ويتآكل ويتقزم، وعندما بدأ الحراك ضده بدأ تأثير سحر الصورة بالاختفاء، والقبح بالظهور، وأسهم التآكل في السقوط السريع وغير المتوقع حتى لدى معظم المتابعين والأطراف المعنية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالكتيبة الإعلامية في غزة.. وطوفان الوعي
“جنين غراد”.. والفلسطيني المُستباح!
ورقة إعادة الإعمار.. سوريا وإيجاد الأرضية المشتركة
لعل البعد الثاني المهم في السقوط تَمثّل في الكراهية التي عبَّرت عنها كل صور الفرحة من التراجع والسقوط المتدرج والسريع خلال أيام في الشوارع والسجون وحتى في القصور الفارغة من سطوتها، وهي الفرحة التي عكست واقع الظلم والكراهية.
أوضاع عبَّرت عن نفسها مع تصور وجود “قبضة” قوية للحكم من شأنها أن تعبّر عن نفسها بقتال شديد ودفاع مستميت إن لم يكن عن الدولة فعن النظام، وإن لم يكن في كامل نطاق سيطرة النظام فعلى الأقل في العاصمة دمشق. ولكن، مثل أشياء أخرى، ظهر واضحا أن تلك الصور المفترضة هشة وغير حقيقية وخاصة في مواجهة تسليم الجنود وفرارهم داخل سوريا وخارج حدودها. هذا التفكك بدوره ساعد في تفرُّق الحلفاء، باعتبار أن نظاما لا يجد من يدافع عنه في الداخل، حتى من قواته المسلحة، لا يملك أبجديات البقاء وأسباب الصراع الخارجي من أجله.
تسريبات أخيرة
ينقلنا ما سبق إلى البعد الثالث، حيث تفرّق الحلفاء كما تفرّق الجند، وفر الرئيس وأسرته.
تسريبات أخيرة قبل السقوط أشارت إلى محاولة الأسد الوصول إلى لحظة مفاوضات ودستور جديد، أو على الأقل خروج آمن. لا يبدو أن الردود كانت في صالح الأسد والنظام، خاصة أنها تحركات جاءت على طريقة القليل جدا والمتأخر جدا، بالنظر إلى ما كان يحدث على الأرض من انسحاب الجنود وتقدُّم قوات المعارضة المسلحة. ومع الحديث عن رفض بعض الدول تقديم الدعم العسكري، وغياب الدعم القادر على إيقاف التقدم أو عكس مسار الأحداث من إيران وروسيا، بدا واضحا مع غياب الأسد عن المشهد وحديث سفر العائلة إلى روسيا أنه انتصر لخيار الخلاص الفردي والخروج الآمن له دون حسابات تخص الدولة أو من أحاط به من أفراد وقوات. دروس أخرى تظهر في صورة عتاب غير مباشر في تصريحات أفراد بالحكومة عن معرفة خبر سقوط النظام أو فرار الأسد من الأخبار، وكيف تم تجهيل القوى المحيطة من أجل الأمن الشخصي والعائلي.
وعلى هامش تلك الأبعاد الأولى، ينقلنا المشهد إلى صور متفرقة من لحظات سقوط، وتحرُّر سجناء ولقاء بعد عقود. وفي وسط كل ما يحدث، ومع تكرار مشاهد إسقاط تماثيل الأسد الأب، يصبح السؤال المنطقي: هل كان يتم إقامة كل هذه التماثيل لإسقاطها، ووضع كل تلك الصور لإحراقها، وبناء كل تلك السجون لتجسيد الظلم وفتحها في لحظة السقوط والفرار؟
يحملنا ما سبق من حديث الظلم والكراهية، وفرح إسقاط التماثيل وإعلان سقوط النظام، إلى النظر بعمق فيما تحمله المشاهد من قصص المظالم والأدعية التي تُرفع إلى الله على طريقة الطفل السوري الشهير الذي قال منذ سنوات إنه سيخبر الله بكل شيء.
يُبرز المشهد حجم الضحايا وامتداد الوجود من السجون إلى خارجها، ومن داخل الوطن إلى خارجه. كما يُبرز كيف وقف النظام لسنوات بوصفه جدارا صلبا، وظهر في لحظات السقوط بوصفه بيتا من ورق لم يصمد إلى الأبد كما تصور الأسد، لكنه سقط إلى الأبد ماديا ومعنويا كما يشير العديد من السوريين في تعليقاتهم.
في نهاية تلك المشاهدات الأولية، يمكن القول إن مشهد السقوط يوجب الاحتفال، كما يوجب ما بعده القلق.