هل بدأ سقوط الطغاة وانتصار إرادة الشعوب من دمشق!

علم المعارضة السورية يرفرف على السفارة السورية في موسكو (الفرنسية)

هناك أحداث تشكل بداية لمراحل جديدة من التاريخ، ويحتاج اكتشاف دلالاتها إلى بصيرة العلماء، وخيال السياسيين، وشجاعة الإعلاميين، والشعوب تحتاج إلى رؤية مستقبلها لتنطلق، وتفرض إرادتها.

وكان طوفان الأقصى بداية تغيير عالمي، حيث برهنت حماس على أن الشعوب تستطيع أن تفرض إرادتها، وتنتزع حريتها، وتنتصر على القوة الغاشمة.

أما انتصار الثورة السورية فإنه يفتح أمام الشعوب المقهورة المظلومة آفاقا جديدة؛ من أهمها أن الأحرار يمكن أن يقودوا ثورة عقول، وأنهم يمكن أن يبدعوا ويبتكروا وسائل جديدة لا يتوقعها المستبدون الذين حجب الغرور عن أعينهم رؤية الحقائق، فاحتقروا شعوبهم، بينما كان الشباب يخططون طوال سنوات طويلة لإسقاط نظمهم الفاسدة.

نتيجة تفكير استراتيجي

استخدم بشار الأسد كل قوته الغاشمة منذ عام 2011، واستعان بقوة روسيا وإيران لإخماد ثورة الشعب السوري، فأحرق المدن والقرى بالبراميل المتفجرة، لإثارة رعب الناس وخوفهم.

كان يريد أن يشعر الناس بالهزيمة، والاكتئاب واليأس والقنوط، وكان الشعب السوري يواجه المذابح بهتاف يمكن أن يلهم الأحرار بعد أن رأوا بأعينهم نتيجته: “ليس لنا إلا الله”، وكانت التكبيرات من مآذن مساجد سوريا توضح أن قوة الإيمان لا يمكن قياسها بالأساليب العلمية المادية التي تكبل عقول الباحثين والمحللين السياسيين الغربيين.

ولقد تعودت طوال حياتي على استخدام تلك الأساليب العلمية، وقمت بتدريسها في الجامعات، لكن الثورة السورية توضح أنه لا يمكن الاقتصار على تلك الأساليب، فهناك حاجة إلى الحكمة والبصيرة والخيال السياسي والاجتماعي واستيعاب دروس التاريخ.

لم يسقط فجأة!

يتعجب العالم من السقوط السريع لنظام بشار الأسد وانهيار جيشه أمام الثوار الأحرار، لكن دراسة تاريخ الثورة السورية منذ 2011 توضح أن آلاف الشباب كانوا يفكرون ويخططون بشكل استراتيجي لتحقيق الانتصار، وأنهم كانوا يبتكرون أفكارا جديدة لمواجهة القوة الغاشمة.

لم يقتصر ذلك التفكير على إنتاج الأسلحة، لكنهم تمكنوا من تطوير مصادر القوة، فأدركوا بعد دراسة الواقع، والتجارب الثورية أن توحيد صفوفهم يشكل أساسا لبناء المستقبل، والوحدة لا تعني الاندماج والتخلي عن الاتجاهات السياسية والفكرية، ولكنها تعني التنسيق والتعاون والمشاركة، وإدارة الاختلافات، واستثمارها للتوصل إلى حلول جديدة للمشكلات، وبناء علاقات مع الشعب في الداخل وتوعيته.

هذا يفسر استقبال الشعب لحركة التحرر الوطني السورية التي تضم داخلها كل الفصائل، وأن الشعب كان ينتظر الثوار، ويقوم بالهجوم على جيش بشار حتى قبل أن يصل الثوار، وربما تكون تلك هي المفاجأة التي لم يتوقعها جيش بشار، وأدت إلى انهياره.. لقد كانت ثورة الشعب السوري كله، الذي كان ينتظر شبابه وقادته الحقيقيين الذين يعبرون عن حلمه في الحرية والكرامة.. لقد اندفع الثوار في القرى والمدن ليجدوا الشعب يستقبلهم بكل حب وشوق، ولم يستطع جيش بشار أن يصمد أمام ثوار يحتضنهم شعبهم، ويفتح أمامهم الطرق، ويفرح بوصولهم.

ثوار يمتلكون خيالا

يمكن أن نلاحظ بوضوح أن حركة الثوار كانت نتيجة لخيال جغرافي، فقد تمكنوا من خداع جيش بشار عندما صوروا له أنهم يتجهون إلى حمص، بينما تمكنوا من استخدام طرق بديلة للوصول إلى دمشق، وهذا يعني أن الأرض تقاتل مع أصحابها، وتكشف لهم أسرارها، ومن يعرف تلك الأسرار يمتلك قوة لا يتخيلها العدو.

وعندما عرف الشعب أن الثوار يقتربون من دمشق انتفض وانطلق يستقبل الثوار، وأدرك جيش بشار أن الحل الوحيد أمامه هو الهرب، ونزع ملابسه العسكرية، فلم يكن الجندي مستعدا للموت من أجل بشار، بينما كان الثوار على استعداد للموت شهادة في سبيل الله، ولانتزاع حرية وطنهم وتحريره من الاستبداد.

درس لكل الأحرار

قدم ثوار سوريا درسا لكل الأحرار هو أن الشعوب تنتظرهم، وأنها سوف تستقبلهم بكل الحب، فهي تعشق الحرية مثلهم، لكنها تخاف من التعبير عن أشواقها للتغير، فالمستبد لا يرحم أحدا مهما كان اتجاهه السياسي والفكري، والطغاة لا يريدون أحدا يفهم السياسة، ولو كان ينتمي للنظام، والشعوب تدرك أن الاستبداد هو سبب الدمار والخراب والفقر والديون.

أما الدرس الثاني فهو أن جنود الطاغية لا يمكن أن يضحوا بحياتهم من أجله، مهما كانت المكاسب التي يحصلون عليها، ويمكن أن يفروا عند مواجهة خطر حقيقي، وأجهزة الأمن التي تصور للطغاة أنها تحمي عروشهم هي أول من ينهار، فضباط تلك الأجهزة يلقون بزيهم في أقرب سلة مهملات، والمشهد في دمشق يؤكد ذلك.

سقوط الباستيل!

يفخر شعب فرنسا بمشهد سقوط سجن الباستيل الرهيب، وتحرير السجناء خلال الثورة الفرنسية، ومن حقه أن يفخر بهذا المشهد ويتخذه عيدا قوميا.

لكن مشهد ثوار سوريا وهم يفتحون سجون الأسد، ويخرجون السجناء يمكن أن يلهم الشعوب، فهو إنجاز حضاري إنساني لا يقل أهمية عن إسقاط الفرنسيين للباستيل.. وحتى الآن أوضحت مشاهد السجناء الخارجين من باستيل نظام الأسد أن الثورة السورية تعيد الأمل للأحرار، فقد عاد هؤلاء السجناء للحياة، وكل منهم يحمل قصة إنسانية لا تقل إثارة عن قصة تشارلز ديكنز ” قصة مدينتين”.

وكل حر يجب أن يشعر بالامتنان لثوار سوريا الذين أطلقوا سراح الأحرار والحرائر، فسجن الأبرياء الذين يعبرون عن آرائهم جريمة ضد الإنسانية.. ويجب أن يكون يوم خروج المعتقلين عيدا للحرية، وهو بداية لبناء سوريا الحرة المستقلة الديمقراطية المتقدمة.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان