تطويع الأزهر.. الهدف الإسرائيلي المستحيل!

ليس مستغربا أن يتعرض الأزهر الشريف وشيخه لهجوم إسرائيلي كالذي شنته القناة الـ12 العبرية، التي زعمت أن المناهج التعليمية في الأزهر الشريف تحضّ على الكراهية.
وليس بجديد أو مفاجئ أن تتحلل تقارير ودراسات إسرائيلية وغربية من أدنى درجات الموضوعية عندما تتعرض للأزهر الشريف أو ما يخصّ العالم الإسلامي؛ فهذا طابع الاحتلال الإسرائيلي ومنتسبيه، وديدن داعميه الصهاينة على الدوام، الذين أوجعهم جميعا موقف الأزهر المناهض للاحتلال الإسرائيلي وممارساته العنصرية، وحرب الإبادة التي يشنّها على الفلسطينيين في غزة.
لن يضر الأزهرَ زعمُهم
ما ضر الأزهر ولن يضره نبح أولئك أو هؤلاء، وحملاتهم الإعلامية المسعورة وتقاريرهم المكذوبة المسمومة، التي تزعم أن الأزهر عزز الخطاب المعادي للسامية، ويشجع الكراهية والأنشطة الإرهابية. ولعل أبلغ ما ينطبق على تلك الحملة على الأزهر الشريف والأمام الأكبر، الشيخ أحمد الطيب، هو تلك الحكمة التي تُنسب للإمام الشافعي، رحمه الله، والتي تقول: دع الكلاب تنبح والقافلة تسير، وهي حكمة لها أمثلة كثيرة، منها قولهم: لا يضر السحاب نبح الكلاب، ويقال عندما يهجو وضيع رفيعا، ولمن ينال من إنسان بما لا يَضُره.
يقول الجاحظ في كتابه “الحيوان”، إن “الكلب إذا ألحَّت عليه السحائب بالأمطار في أيام الشتاء لقي جنه، أي أصابه جنون، فمتى أبصر غيما نَبَحَه؛ لأنه قد عرف ما يلقى من مثله”.
والحقيقة هي أن الاحتلال الصهيوني جُنّ جنونه من الموقف الراسخ للأزهر الشريف وشيخه من القضية الفلسطينية، المنتصر للحق وقضايا الأمة، والواقف دائما على مدار تاريخية الممتد أكثر من ألف عام إلى جانب الضعفاء والمظلومين.
الأزهر عصيّ على التطويع والتطبيع
منذ أن زرع الاستعمار الغربي إسرائيل في المنطقة كان الأزهر الشريف شوكة في ظهر دولة الاحتلال الإسرائيلي، وواصل الأزهر -جامعا وجامعة وشيخا- دوره التاريخي في مجابهة الصهيونية العالمية والمساعي الاستعمارية لإنشاء دولة إسرائيل، عبر الوقوف داعمًا للحق الفلسطيني والتأكيد على مكانة الأقصى وفلسطين في قلوب المسلمين جميعا.
على مدار العقود الماضية، كان الأزهر عصيًّا على محاولات التطويع والتطبيع؛ لذلك لم تتوقف المحاولات للقضاء على دوره، أو على الأقل تطويعه بما يناسب الأهداف الإسرائيلية الصهيونية، التي تريد تعديل وتنظيم المنطقة وفقًا للإرادة الإسرائيلية، التي تعبر في حقيقتها عن الأهداف الغربية الاستعمارية التي تريد المنطقة خاضعة على الدوام للهيمنة الغربية.
يمثل الأزهر وشيوخه أزمة حقيقية للاحتلال الإسرائيلي؛ ذلك لأنه مؤسسة عصية على الترويض والضغط على قياداتها.
مكانة الأزهر تقض مضاجع الاحتلال الإسرائيلي
ومما يقض مضاجع الاحتلال الإسرائيلي وداعميه تلك المكانة الرفيعة التي يحتلها الأزهر وشيوخه في نفوس المسلمين وفي سائر الدول الإسلامية، والتي تصل إلى درجة من القداسة، خاصة في آسيا وإفريقيا.
ونظرا لتلك المكانة التي يتمتع بها، فقد أطاح موقف الأزهر وشيخه من القضية الفلسطينية والحرب الأخيرة على غزة بالرواية والسردية الصهيونية التي يُراد ترويجها.
لقد سدت مواقف الأزهر الشريف ثغرة في جدار الأمة، وعوضت فجوة ضخمة على المستوى المصري والعربي والإسلامي، في ظل خفوت المواقف والردود الرسمية اتجاه الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، وتواري أي دور ملموس وفاعل للمجتمع المدني.
على جانب آخر، فإن أيدي الاحتلال الإسرائيلي والصهيونية العالمية مغلولة في الطعن في الأزهر وشيخه، وترويج اتهاماتهم المعلبة بالتشدد والتطرف وتشجيع الكراهية والإرهاب، التي يشهرونها دوما في وجه من يخالفهم ويقف أمام أهدافهم غير المشروعة؛ إذ تتهافت أي اتهامات أمام الخطاب الحضاري للمؤسسة وشيخها، الذي جعلها تحظى باحترام عالمي، بما في ذلك الدوائر الغربية.
دعوة صهيونية لكبح جماح الأزهر!
في الوقت الذي كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل حرب الإبادة ضد الفلسطينيين في غزة، وترتكب مجازر غير مسبوقة، وتنتهك كافة الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية والإنسانية، انطلاقا من عقيدة توراتية فاسدة، وشحن عنصري، نشر موقع معهد دراسات وأبحاث الأمن القومي الإسرائيلي “INSS” ذو المرجعية الاستخبارية مقالا بتاريخ الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني، بعنوان: من الإسلام المعتدل إلى الإسلام الراديكالي؟ الأزهر إلى جانب حماس.. كيف تحولت “منارة الاعتدال الديني” إلى داعمة للإرهاب؟ هاجم فيه كاتب المقال مؤسسة الأزهر والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، متهما الأزهر بدعم حماس ضد إسرائيل، مستندا في هجومه على بيان مشيخة الأزهر بعد عملية طوفان الأقصى، الذي لم يتطرق لذكر حماس، ولكن تضامن فيه الأزهر مع الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الاحتلال الإسرائيلي، ودعا الفلسطينيين إلى الاستشهاد على أرضهم.
وفي هذا المقال أشار الباحث “أوفير وينتر” إلى ضرورة دعوة النظام المصري إلى كبح جماح الأزهر، مضيفا: أنه يجب على إسرائيل والولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة، مثل السعودية والإمارات، أن تطالب الحكومة المصرية -التي تعد المصدر الرئيسي للنفوذ والتمويل وبالنسبة للأزهر- بالضغط على الأزهر، ووقف تشجيع نظريات المؤامرة ضد إسرائيل، كما دعا السلطات المصرية إلى فحص شامل لسياساتها اتجاه الأزهر، مضيفا أن الأمر قد يتطلب تغييرات تشريعية لتمكين استبدال شيخ الأزهر، كما طالب بوجوب قيام إسرائيل والمنظمات اليهودية وشركائهم في العالم بتقويض السمعة العالمية للأزهر!
جدير بالذكر، أن كاتب المقال المشار إليه شارك مع باحث آخر في دراسة حول التعليم في الأزهر لصالح المعهد الدولي للأبحاث والسياسات “impact- se”، الذي يبحث ويحلل الكتب المدرسية في العالم، وهي الدراسة التي استندت إليها القناة 12 العبرية لشن هجوم على الأزهر الشريف وشيخه، وزعمت أن مناهج التعليم الأزهرية تحض على الكراهية، حيث طالبت الدراسة بتعديل المناهج الأزهرية، الداعمة للانتفاضة الفلسطينية ضد سياسات إسرائيل في كل ما يتعلق بالفلسطينيين والقدس، وجعلها تساهم في تطبيع العلاقات مع إسرائيل!
خاتمة
في الوقت الذي يهاجم فيه الاحتلال الإسرائيلي الأزهر وشيخه بدعاوى زائفة، مثل: تشجيع المناهج الأزهرية على الإرهاب والحض على الكراهية، في محاولة لصرف نظر العالم عن الجرائم الإسرائيلية التي تحض عليها فتاوى حاخامات إسرائيل، فإن العالم مدعو إلى النظر في مناهج وكتب التعليم في إسرائيل، التي ينطبق عليها تماما سائر ما تتهم به الآخر؛ حيث تهدف تلك المناهج إلى تعبئة المستوطنين في اتجاه الحرب وتكريس العنصرية ضد العرب، وتزرع بذور الخوف من الآخرين والكراهية في العقول.
الهجوم على الأزهر وشيخه ليس إلا محاولة مستحيلة لتطويع المؤسسة الأزهرية وقيادتها، التي تستعصي على التطويع والتطبيع انطلاقا من ثوابت الأمة التي تحملها على عاتقها على مدار قرون.