غابت الحركة الطلابية في يوم الطالب المصري

ميدان التحرير عقب تنحي مبارك (رويترز)

منذ بدايات القرن العشرين كانت الحركة الطلابية نشطة في المجال العام، لم تغب حركة الطلاب المصريين عن الأحداث السياسية والعامة في مصر منذ مطلع ذلك القرن، ولعل الذاكرة المصرية تستدعي في أحيان متعددة مظاهرات طلاب الأزهر في أحداث ثورة 1919، فكانت شعلة الثورة عند طلاب الأزهر والحركات العمالية المصرية، وانضم إليهم طلاب المدارس الثانوية والعمال، لتشتعل أول ثورة شعبية في تاريخ الحركة السياسية المصرية الحديثة.

استمرت الحركة الطلابية حتى وصلنا إلى أحداث كوبري عباس الشهيرة التي حدثت في 9 فبراير/شباط 1946، وكان فتح الكوبري على المتظاهرين، وسقط العديد من الطلاب شهداء تحت الكوبري الشهير على نيل القاهرة.

دعت الحركة الطلابية إلى إضراب عام في كل الجامعات والمدارس المصرية في 21 من فبراير ذاته، خرجت المظاهرات في ذلك اليوم من كل المدارس والجامعات، ليشهد استشهاد 9 طلاب، ويصبح اليوم احتفاء سنويا بنضال الطالب المصري.

كان ذلك اليوم مشهودا على مدار سنوات القرن العشرين وحتى العقد الأول من القرن التالي، الآن غابت الحركة الطلابية عن الحركة العامة المصرية والعربية، وبعد أن كانت جامعات مصر ومدارسها تشهد تلاحما طلابيا مع كل الأحداث، ها هي الجامعات والمدارس المصرية تدخل في سبات طويل منذ آخر مظاهرة شهدتها مصر لهم في عام 2017 حينما اعترض طلاب المدراس الثانوية على النظام التعليمي لهم.

لعل الجميع يتذكر الصورة الشهيرة لأحد طلبة المدراس الثانوية وهو يجري وخلفه الكثير من رجال الأمن المصري، وفي ذلك اليوم تعرّض الكثير من الطلبة والطالبات لانتهاكات أمنية كثيرة، ومنذ ذلك اليوم اختفت الحركة الطلابية المصرية.

السبعينيات أكثر الفترات نشاطا

كانت سبعينيات القرن العشرين هي الأكثر نشاطا في تاريخ الحركة الطلابية المصرية، وقد رصدها الباحث المصري الشهير أحمد عبد الله رزة ضمن تاريخ السبعينيات وما قبلها في الستينيات خاصة مظاهرات الطلبة عقب صدور الأحكام في قضية ضرب الطيران المصري على الأرض في يونيو/حزيران 1967 بفعل طيران الكيان الصهيوني، فشهد فبراير عام 1968 مظاهرات ضخمة اقتحم خلالها الطلاب في جامعة القاهرة المبنى الرئيسي للجامعة، وكان لقاء جمال عبد الناصر بالطلبة في القاعة الكبرى للجامعة بعد تلك المظاهرات، ولأحمد عبد الله رزة كتاب شهير في تاريخ الحركة الطلابية.

توالت المظاهرات الطلابية في مصر بعد رحيل جمال عبد الناصر وتولي الرئيس أنور السادات الحكم، للمطالبة بالحرب واستعادة الأرض التي احتلها الكيان الصهيوني في سيناء وغزة، وماطل أنور السادات لمدة ثلاث سنوات بعد وفاة ناصر.

كان عام 1972 الأكثر تظاهرا حينما أعلن أنور السادات تأجيل الحرب، وقال إنه عام الضباب بعد أن أعلن من قبل أن عام 1971 هو عام الحسم، خرجت المظاهرات من الجامعات المصرية خاصة القاهرة وعين شمس، واحتل الطلاب والمتظاهرون ميدان التحرير، وقد رصد الأديب المصري بهاء طاهر تلك الأحداث في روايته الشهيرة (شرق النخيل) وكانت قصيدة (الكعكة الحجرية) أيضا للشاعر أمل دنقل.

توالت الأحداث بعد نصر 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، وكانت معركة الطلاب المصريين مع إدارة الجامعات المصرية حول اللائحة الطلابية، وأنتجت المعركة لائحة 1976 التي سمحت للطلاب بممارسة السياسة داخل الجامعة، وتكوين الأسر والحركات السياسية.

في عام 1977، كانت الحركة السياسية المصرية على موعد مع أحداث 18 و19 يناير/كانون الثاني، التي شاركت فيها الحركة الطلابية بكثافة شديدة بعد أن امتدت المظاهرات إلى كل أنحاء مصر، واعتُقل الكثير من قادة الحركة الطلابية المصرية في سجن القلعة، ودخلت مصر بعدها في مرحلة الاعتراف بالكيان الصهيوني، واتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية.

كانت الحركة الطلابية مشتعلة خلال تلك السنوات، ولعل الجميع يتذكر لقاء الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والسياسي حمدين صباحي مع رئيس الجمهورية ممثلين لاتحاد الطلبة في المناقشة الشهيرة حول سياسات النظام المصري بعد إعلان التوجه إلى النظام الرأسمالي بقرارات 15 مايو/أيار 1974، ثم كان إلغاء لائحة 1976، ووضع لائحة 1979 التي منعت الممارسة السياسية للطلاب في الجامعة.

التظاهر ضد الصلح مع الكيان الصهيوني

توالت الأحداث السياسية المصرية والعربية طوال فترة الثمانينيات من القرن الماضي، ولم تغب الحركة الطلابية عن تلك الأحداث، وشهدت صعودا للتيار الإسلامي في مواجهة اليسار المصري، وكانت الجامعات بها العديد من الكيانات السياسية الممثلة للتيارات المختلفة، فكانت هناك الجماعة الإسلامية وطلاب الإخوان المسلمين، وكانت هناك الأسر الوفدية خاصة بعد عودة الأحزاب في عام 1976، وكان هناك نادي الفكر الناصري وجمعية الدراسات العربية ممثلين للتيار الناصري، وكذلك الأسر الشيوعية.

شهدت جامعات القاهرة وعين شمس والإسكندرية مظاهرات طوال تلك الفترة، وخاصة في أكتوبر ونوفمبر 1986، في حادثة المجند المصري سليمان خاطر الذي أطلق النار على مجموعة من الصهاينة الذين استفزوه ودخلوا الحدود المصرية، ثم حادث ضرب مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس، وبعده كان حادث الطائرة المصرية.

لم تهدأ الحركة الطلابية في مقاومة أي خطوات للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وأحداث المجازر الصهيونية في صبرا وشاتيلا، واجتياح لبنان، الكثير من الأحداث التي لم تغب فيها الحركة الطلابية عن أحداث الأمة العربية ومصر، وكانت حرب الخليج الأولى بعد اجتياح الجيش العراقي الكويت.

لم تهدأ الجامعات المصرية اعتراضا على السياسة المصرية أثناء الأزمة، وما أعقب ذلك من قيام التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة بالاستعداد لضرب العراق، وهو ما حدث في فجر 17 يناير 1991، واشتعلت الجامعات المصرية اعتراضا على العدوان الأمريكي والتواطؤ العربي على تدمير العراق وخاصة القيادة المصرية، وكانت حرب الخليج الثانية واحتلال العراق وسقوط بغداد في 21 مارس/آذار 2003 فترات اشتعال للمظاهرات في مصر والجامعات المصرية.

بدأت مرحلة جديدة في مصر منذ ظهور حركة كفاية عام 2004 التي نددت باستمرار مبارك في الحكم، وظهور كل الحركة المعارضة لتوريث الحكم بعدها، والحركات السياسية الشابة مثل 6 إبريل التي تشكلت غالبيتها من الشباب وطلاب الجامعات والمدراس الثانوية.

استمرت مشاركة الحركة الطلابية في تموجات الحركة السياسية المصرية والعربية حتى ثورة يناير 2011، ثم اندمج الطلاب في معارك يناير من تعديلات دستورية، وانتخابات برلمانية ورئاسية، ومعركة الدستور، وكانت معركة تيران وصنافير والتعديلات الدستورية في 2019 آخر مظاهر للحضور الطلابي في الحياة السياسية المصرية.

الآن لا نشعر بأي تحرك طلابي في مصر حتى على مستوى الأزمات الاقتصادية، غابت الأسر الحزبية والسياسية عن الجامعات، اختفى الطلاب المنتمون إلى التيارات السياسية، لم نعد نسمع عن احتجاج طلابي في أي حدث سياسي.

الآن الكيان الصهيوني يقتحم غزة، يقتل كل أهل فلسطين، الأطفال يتضورون جوعا وعطشا، المصابون لا يجدون علاجا، غزة تباد، رفح تحترق، التدمير في كل مكان، أطفال يصرخون: أين النخوة العربية والإسلامية؟ ورغم أن طلبة الجامعات كانوا طليعة الحركة السياسية طوال التاريخ الحديث في مصر، فإن الحركة الطلابية المصرية غائبة حتى الآن عن أكبر وأضخم حدث عربي إسلامي تجري أحداثه على أرض فلسطين، فمن قتل الحركة الطلابية وغيّبها عن أمتها؟

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان