هل يدفع قرار تقييد دخول الفلسطينيين الأقصى إلى انتفاضة جديدة؟

لعل أبرز أهداف حركة حماس لتنفيذ عملية (طوفان الأقصى) كان دفاعا عن المسجد الأقصى المبارك وردا على الانتهاكات المتكررة التي نفذتها حكومة الاحتلال بحق المصليين من خلال التضييق عليهم والتنكيل بهم، لا سيما المرابطات اللواتي تم سحلهن وضربهن واعتقالهن، ورافق ذلك اقتحامات متكررة لجماعات يمينية يهودية متطرفة يرأسها بن غفير على مرأى من العالم الإسلامي الذي اكتفى بالتنديد أحيانا والشجب أحيانا أخرى.
حالة الاحتقان هذه بين أطياف المجتمع الفلسطيني سواء داخل الخط الأخضر أو الضفة الغربية والقدس، زادت احتقانا وغليانا مع بدء الحرب على غزة، فالمجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال فطرت القلوب ورفعت من وتيرة الغضب الشعبي مع إطالة زمن العدوان.
بن غفير يدفع باتجاه حرب دينية في رمضان
ومع هذه الحالة المتأججة أصلا، لم يكتف بن غفير ومَن معه مِن اليمين المتطرف بما حل بغزة ولم يشبع من سفك الدماء، وها هو يواصل استفزازه للفلسطينيين من خلال شن حرب دينية يشعلها بتقييد دخول فلسطينيي الداخل والضفة الغربية والقدس إلى المسجد الأقصى خلال شهر رمضان ليسارع نتنياهو بالموافقة على المقترح، ذلك الذي بلا شك سيعمل على تأجيج الوضع في الضفة الغربية والقدس ولدى فلسطينيي الداخل في شهر يُعَد من أقدس الشهور لدى المسلمين.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsقرار تسوية أراضي الضفة.. إذن رسمي للاستيلاء
هل تتراجع الفرنسية في المغرب؟
هل يفعلها أردوغان ويقرر الإفراج عن عبد الله أوجلان؟!
هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تقييد دخول الفلسطينيين الى المسجد الأقصى وتحديدا في شهر رمضان ولكن حساسية الموقف حاليا تختلف عما كان عليه في السابق، فحالة الاحتقان والغضب لدى الفلسطينيين الآن تبلغ ذروتها، تلك الحالة التي تأججت مع المجازر في غزة والاقتحامات المتكررة للمستوطنين وجيش الاحتلال لمدن وقرى الضفة الغربية وما رافقها من تدمير للبنية التحتية وتفجير للمنازل والقتل بدم بارد واعتقال لآلاف الفلسطينيين دون وجه حق.
كل تلك المعطيات مع التلويح باقتحام رفح تنذر بتفجر الأوضاع في الضفة الغربية والقدس، وبين فلسطينيي الداخل، فكل المؤشرات تدل على أن انتفاضة قادمة ستطوف جميع مناطق فلسطين، انتفاضة لا رجعة فيها، وبركان ثائر سينفث غضبه على نتنياهو وحكومته وجيشه ومستوطنيه.
ولطالما استخدمت قوات الاحتلال ورقة القدس والمسجد الأقصى تهديدا واستفزازا لمشاعر المسلمين، من خلال محاولة فرض سيطرتها وتقييد حركة دخول المصلين، هذه الوتيرة ارتفعت مؤخرا بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لنرى باحات المسجد فارغة تماما إلا من بعض المصليين، إذ وضع الاحتلال العراقيل أمام الفلسطينيين للوصول إلى المسجد مع زيادة نقاط التفتيش وعدم السماح لمن هم دون 75 عاما من دخوله.
جبهة جديدة ستُفتح على إسرائيل في الضفة والقدس
صحيح أن قرار منع وتقييد دخول الفلسطينيين إلى الأقصى خلال رمضان ما زال يواجه خلافا في حكومة نتنياهو مع تحذير الجيش والشاباك من مخاطر تفجر الأوضاع في مناطق الضفة والقدس والداخل الفلسطيني، إلا أن نتنياهو الذي يشبه الدمية بيد بن غفير لا يملك إلا أن يطأطئ رأسه بالموافقة، رغم أن من يعارضون القرار يتخوفون من اضطرار إسرائيل إلى فتح جبهة جديدة في حال تفجر الأوضاع ونقل عدد من فرق الجيش من غزة واستدعاء من تم تسريحهم من الاحتياط لمواجهة انتفاضة قد تحدث.
لا يدرك نتنياهو واليمين المتطرف أن هذا القرار في حال الموافقة عليه قد يقلب الطاولة عليه بشكل كامل، لأن هذا الأمر سيعمل على مزيد من توحيد المسلمين حول المسجد الأقصى وزيادة الكراهية لليهود ومعاداتهم في العالم.
هذه التحذيرات عبّرت عنها لجنة المتابعة في الداخل الفلسطيني، إذ أكدت أن مطالب بن غفير التي قبلها نتنياهو هي إعلان حرب شاملة وتمهيد لتفريغ الحرم المقدسي، في حين دعت حركة حماس جماهير الشعب الفلسطيني إلى التحرك ورفض هذا القرار الإجرامي ومقاومة صلف الاحتلال وعنجهيته، والنفير وشد الرحال والرباط في المسجد الأقصى المبارك.
نعود ونُذكر بأن سبب الشرارة الأولى للانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، جاءت عقب اقتحام زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك أرييل شارون باحات المسجد الأقصى، تحت حماية الجنود والقوات الخاصة، فوقعت مواجهات بين المصلين وقوات الاحتلال، ولاحقا شهدت مدينة القدس مواجهات عنيفة أسفرت عن إصابة العشرات، وسرعان ما امتدت إلى جميع المدن في الضفة الغربية وقطاع غزة، وسُميت “انتفاضة الأقصى”.
وتميزت الانتفاضة الثانية، مقارنة بالأولى (انتفاضة الحجارة) التي اندلعت عام 1987، بتنفيذ فصائل المقاومة الفلسطينية عمليات أكثر تصاعدا ضد الجيش الاسرائيلي وتنفيذ هجمات داخل المدن الإسرائيلية.
صحيح أن الانتفاضتين الأولى والثانية كبدتا جيش الاحتلال خسائر فادحة ولكن الانتفاضة المقبلة لن تكون كسابقاتها، لأنها ستشهد تطورا في العدة والأسلحة التي تستخدمها المقاومة والتي ستنفذ عمليات نوعية تحرق الأخضر واليابس للكيان المحتل.
يكفي أن نقول إن أول صاروخ فلسطيني الصنع تم إطلاقه على مستوطنة “سديروت”، أطلقته كتائب القسام، بعد عام من انطلاق انتفاضة الأقصى 2001، لتطور الكتائب بعد ذلك وعلى نحو متسارع من قدراتها في تصنيع الصواريخ.
لا شك أن كل ما يفعله الاحتلال في غزة وفي المناطق الفلسطينية المحتلة هو محاولة لكسر إرادة الفلسطينيين، ولا شك أن قرارات نتنياهو وحكومته المتطرفة وغير المدروسة ستضع نهاية إسرائيل على المحك، فإذا أجيز قرار منع المصلين من دخول المسجد الأقصى في رمضان فإن العاقبة ستكون وخيمة، وسيكتب التاريخ أن طوفان الأقصى ابتلع كل من مر في طريقه.