الاستعمار لم يرحل من المنطقة!!

أطفال غزة يعيشون أوضاعا غير إنسانية منذ بداية العدوان الإسرائيلي
أطفال غزة يعيشون أوضاعا غير إنسانية منذ بداية العدوان الإسرائيلي (رويترز)

كل ممارسات الغرب اتجاه العرب، تؤكد أن الاستعمار لم يرحل من المنطقة، الاستعمار تجذر أكثر مما كان عليه حين كانت قواته موجودة في الشوارع والأزقة، وقتها كان يصدر الأوامر من خلال المندوب السامي الموجود داخل هذا البلد أو ذاك، الآن يصدر الأوامر هاتفيًّا، وربما نرى الآن من يقوم بتنفيذ سياسات الاستعمار دون صدور أوامر أو تعليمات، أصبحنا نعي ما يريد الاستعمار وما لا يريد بحكم الخبرة ومتابعة تطورات الأوضاع على الساحة، أصبحنا نسير في ركب مواقفهم السياسية حتى وإن جاهرنا بغير ذلك، الأحداث على الأرض هي التي تنطق بالحقيقة.

الآن، لا تتورع الدول الكبرى عن إملاءات على دول العالم الثالث على الهواء مباشرةً، تدخلات في شؤون الدول والشعوب على الملأ، تهديدات وتلويح بالعقوبات دون خجل، على اعتبار أنهم أصحاب الوصاية على العالم، ذرائعهم في ذلك واضحة، نحن الذين نقود دفة الحياة، نحن الذين نأتي بهذا الحاكم المطيع ونزيح ذلك المتمرد، نحن الذين ننهض باقتصاد هذا البلد، وندمر الآخر، ولِمَ لا؟ نحن الذين أعدمنا صدام حسين، نحن الذين قتلنا معمر القذافي، نحن الذين أطحنا بالرؤساء زين العابدين، وحسني مبارك، وعلى عبد الله صالح، نحن الذين سممنا ياسر عرفات.

تتواتر في أذهاننا هذه الإجابات كلما سمعنا وشاهدنا إملاءات الولايات المتحدة والغرب بشكل يومي على الشعب الفلسطيني، وضع غزة فيما بعد الحرب، ضرورة رحيل قادة حماس، نزع سلاح المقاومة الفلسطينية، تحديد كمية الغذاء والدواء لمواطني غزة، تحديد حجم الأموال لمواطني الضفة الغربية، الحديث طوال الوقت عن 130 أسيرا إسرائيليا دون أي إشارة إلى نحو 14 ألف أسير فلسطيني، التطبيع العربي مع إسرائيل ضمن أي تسوية مجحفة مع الفلسطينيين، إلى غير ذلك من شروط وإملاءات تؤكد أن الاستعمار يحكم من بعيد، أو حتى من قريب، من خلال قواعده العسكرية بالمنطقة.

الانبطاح المخزي

قد يكون الواقع الداخلي المزري لكل دولة عربية على حدة هو السبب في هذا الانبطاح المخزي، واقع الدكتاتورية وحكم الفرد، إلا أنها في النهاية الحقيقة المؤلمة، الاستعمار يعيش بيننا، يفرض نفسه على حياتنا، نراه في السياسة، نعيشه في الاقتصاد، يعبث حتى في شؤننا الاجتماعية والدينية، جميعها أوضاع لم تكن تستسيغها عقول الصبا، لم تكن تصدقها عقول الشباب، هي الصدمة التي تكتشفها الأجيال الأكثر خبرة جيلًا بعد جيل، تكشف عنها مذكرات السابقين وحكايات اللاحقين، تفضحها الوثائق المسربة بين الحين والآخر.

لكن الغريب في الأمر، هو ذلك الإصرار العربي على الاستمرار تحت سلطة الاستعمار، أمامنا نموذج جنوب إفريقيا، آخر الدول المحررة، مع ذلك انتفضت وقادت العالم الحر خلفها إلى محكمة العدل الدولية انتصارًا لقضية الشعب الفلسطيني، أمامنا العديد من دول أمريكا اللاتينية، في مقدمتها المكسيك وشيلي والبرازيل، تنتصر في المحافل الدولية للقضايا العادلة في مواجهة دول الاستعمار والاستكبار، أمامنا العديد من زعماء العالم لا يأبهون لتهديدات هؤلاء وأولئك، فلماذا استسلم العرب لهذا الذل وذاك الهوان؟

المؤكد أن الأمر يتعلق بالأوضاع الداخلية بالدرجة الأولى، بما يؤكد أن التغيير يجب أن يبدأ من الداخل، نحن أمام القضية العربية الأكثر إلحاحًا، قضية إرادة الشعوب التي لا تتلاقى أبدًا مع مصالح الحكام، قضية الهوة الواسعة بين رغبات الشعوب وهوى الحكام، النموذج الصارخ بدا واضحًا في ذلك الانتقاد الحاد من أحد وزراء الخارجية للمقاومة الفلسطينية والافتئات على حقوقها ومكانتها الحقيقية، في الوقت الذي تسود فيه حالة من الغليان الشعبي لما يجري على الأرض، لذا كان الغضب على الوزير شديدًا، لكن دون جدوى، لم يصدر قرار رسمي بإقالته أو حتى لم يبادر بالاعتذار، ذلك هو الأمر الطبيعي في عالمنا العربي، دعهم يقولون ما يقولون ونحن سوف نفعل ما نفعل، هكذا لسان حال الأنظمة المتردية عمومًا!!

الوصاية

السؤال: هل المنطقة العربية، لم تبلغ سنّ الرشد حتى تحتاج إلى وصاية؟

بالبحث في إجابة السؤال سوف نكتشف أننا أمام حقائق مذهلة، ذلك أن هناك من الشعوب، والنخب السياسية بشكل خاص، من يعوِّل على التدخل الأجنبي كسبيل وحيد لإجبار الأنظمة على القيام بإصلاحات سياسية في الداخل، في مقدمتها الإفراج عن السجناء السياسيين على سبيل المثال، سوف نكتشف أن الشعوب قد ضجت من المواجهة مع السلطة، فأصبحت تستدعي قوى أجنبية لمساعدتها على تحقيق أهدافها.

ليس أدل على ذلك من ترحيب الشعب العراقي في معظمه بالغزو الأمريكي لبلادهم عام 2003، برعاية عربية واضحة، وترحيب قطاع عريض من الشعب الليبي بتدخل قوات أجنبية في وطنهم عام 2011، وهو الإجراء الذي رعته ودعت إليه جامعة الدول العربية رسميًّا، كما تستعين بعض الأنظمة بقوات أجنبية لحمايتها من أطماع دول الجوار أحيانًا، ومن “تمرد” شعبي يلوح في الأفق في أحيان أخرى، وربما كانت الحالة السورية نموذجًا صارخًا يجمع بين الاستدعاء الرسمي والشعبي، في سابقة فريدة من نوعها.

نحن إذن أمام ترحيب عربي فريد بالاستعمار، من الشعوب والحكومات في آن واحد، النتيجة الطبيعية هي ما نحن فيه الآن، إملاءات بالصمت، وأوامر بغض البصر، وتعليمات بالرضوخ، حتى تنفيذ المخطط، أي مخطط، لنستيقظ على مزيد من الفواجع، وضياع الأوطان، وما الطعن في حركات التحرر الوطني الشريفة والمقاومة الباسلة، إلا حلقة من حلقات العار والشنار، لا تسقط بالتقادم، ولا يمحوها الزمن، وفي نهاية الأمر سوف يسقط الاستعمار والاحتلال وأعوانهم في آن واحد، والسوابق في ذلك كثيرة، والشواهد أكثر.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان