مقاومة المقاومة.. كفاح الهاربين يوم الزحف

كلمة أبو عبيدة
أبو عبيدة (الجزيرة)

أصبحنا في زمن لا يسلك فيه الفارّون يوم الزحف مهجور الطرق، بل لا يخجل بعضهم أثناء العودة المخزية من السير في مواكب تضارع مواكب النصر، فيحملون الرايات، ويسردون بفخر حلو الذكريات، ويطرحون بثقة النصائح والعظات.

وربما كان هؤلاء أفضل حالًا من فريق آخر لا يفر من المعارك متآمرًا، حتى يقيم غير بعيد منها مُنشِئًا منابر التثبيط والسفسطة والأراجيف؛ بغية أن تسمع بها أجيال العرب، فلا يزالون يهابون أركان المجتمع الدولي ويرضخون لشريعته، ويقدمون فروض الولاء لضباعه قبل ذئابه.

“بل الحرب والمكيدة”

تجري الأيام وتهرول الأسابيع وتتثاقل الشهور والمقاومة في غزة صامدة ثابتة كالجبال.

لذا بذل العدو كافة جهوده لتعبئة الحرب والمكيدة، وتوسعت تكتيكات عملية تطويق المقاومة ومحاولة تدميرها، ولم تعد تقتصر على الحرب العسكرية وقتل المدنيين والأبرياء وتدمير البنى التحتية فقط.

فبمجرد استشعار الجانب الإسرائيلي الخطر الداهم مع بدء عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي بدأ تدريجيًا عقب استعادة توازنه استخدام كافة أوراق الحرب، مع طلب الدعم عسكريًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا واستخباريًّا من الحلفاء والداعمين دوليًّا وإقليميًّا.

ورقة الطابور الخامس

ومع الإخفاق العسكري على الأرض عمد الجانب الإسرائيلي إلى استخدام أسلحة عديدة وتكتيكات مختلفة وحيل متنوعة، حاول بها ترميم فشله، وتنظيف سمعته التي بناها بالاعتداء والإيهام والخداع عبر سنوات، وشملت تلك الأسلحة الحصار والتجويع والتهجير والخداع السياسي والحرب الإعلامية.

ومع موجة الهجمات المرتدة ألقى العدو بورقة الطابور الخامس لمقاومة المقاومة من داخل المجتمع العربي نفسه، وكشف الصهاينة العرب عن وجوههم وكثفوا نشاطهم إلى أبعد الحدود، وعبر كل النوافذ والدروب.

والصهاينة العرب هم من عرفهم الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري قبل ربع قرن بأنهم: “المسلمون الذين يلعبون دور الصهاينة ويمثلونهم خير تمثيل”.

وهؤلاء يواصلون الآن بهمة تدليس الحقائق وترويج الأكاذيب، حتى وصل الحال بإعلامي موالٍ للحكومة ولجهات أخرى بالظهور يوميًّا لاتهام المقاومة بالانحطاط وترخيص موت شعبها الفلسطيني، وخيانة وتصفية القضية الفلسطينية وغير ذلك من الاتهامات.

الغريب أن هذا الإعلامي سبق اتهامه من زميل له بتقاضي أموال طائلة مثبتة كتمويل من جهات أمريكية لصنع برامج تهاجم النص الإسلامي.

ورغم التربص بالمقاومة وانتقادها يوميًّا، يغض صهاينة العرب وجوههم عن أي إنجاز للمقاومة ولو من باب محاولة التحلي بالإنصاف، فينكرون أن المقاومة قد ألحقت بالعدو هزيمة عسكرية محققة تتمثل في مئات القتلى وآلاف الجرحى وتلال متفحمة من الآليات المدمرة.

كما يتعامون عن المنظر المهترئ للعدو الإسرائيلي بشروخه السياسية والاجتماعية العميقة، ومعاناته من نزيف اقتصادي مؤثر، وهزيمة نفسية يصعب ترميمها عبر عقود.

ولا يعترفون حتى بالصورة الذهنية الحقيقية الجديدة للكيان الصهيوني، التي ترسخت مؤخرًا في أذهان العالم الحر عن كيان محتل تتشكل ملامحه بالعنصرية والدماء، وقتل النساء والأطفال، فالعالم لا يرى أي مبرر أو علاقة أو رابط بين المواجهات العسكرية والإصرار على قصف المستشفيات ومدراس الإيواء والمخابز والمساجد والكنائس والمنازل وسيارات الإسعاف والمخيمات وقتل الصحفيين، والتدمير الشامل للعمران والبشر الأبرياء وخاصة النساء والأطفال.

وسائل التواطؤ الاجتماعي

ويمكن تشخيص المرحلة التي يمر بها الصهاينة العرب الآن في نشاطهم وظهورهم بأنها مرحلة ما بعد التطبيع والمطبعين، فما عاد هؤلاء يستترون خلف شعارات السلام والتعايش والمصالح المشتركة، وما عادوا يخجلون من دعم إسرائيل ومهاجمة كل أشكال المقاومة بشكل مباشر.

ويستخدم الصهاينة العرب كل الوسائل الممكنة سواء السياسية عبر الساسة والمنظمات أو الإعلامية عبر الإعلاميين والكتاب وما يعرف بالمؤثرين.

والمدهش أن موجات مقاومة المقاومة عبر الصهاينة العرب أصبحت أكبر وأكثر انتشارًا على مستوى الخطاب السياسي والبيانات الرسمية العربية، وعلى مستوى الخطاب الإعلامي الرسمي الموالي للأنظمة.

وعلى مستوى الذباب الإلكتروني التابع للعديد من الدول بل والجهات الطائفية الذي تكتظ به مواقع التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي دفع العرب المهتمين بالقضية الفلسطينية والداعمين للمقامة إلى فضح و”تجريس” هؤلاء بنشر ما يسمى بقوائم الصهاينة العرب أو قوائم العار وهي قوائم تدعو إلى مقاطعة كتاب وناشطين بأعينهم مع ذكر أسمائهم وصفحاتهم أو منصاتهم أو برامجهم وأعداد متابعيهم، مع نشر نماذج من أقوالهم أحيانًا وتدويناتهم وتصريحاتهم التي تهاجم المقامة لصالح الكيان الإسرائيلي.

وفيما يلي نص لبعض الاتهامات التي يذكرها هؤلاء وهم يتباكون على حجم الدمار وأعداد الضحايا في معرض التسويق لفكرة أن المقاومة كانت سببًا في ضياع شعبها الفلسطيني.

فهم يتساءلون: ما فائدة ما حدث يوم 7 أكتوبر؟! وهل تظن حماس أن ألعابها النارية ستقاوم أسلحة أمريكا وإسرائيل؟!

ويدعون: أن حماس تنسحب من المفاوضات لأنها لا تجد مشكلة في أن تقتل إسرائيل كل المدنيين في غزة، ويرددون: ثروة حماس في بنوك العالم 80 مليون دولار.

بل وصل الحال إلى اتهام المقاومة بسرقة المساعدات وإعادة بيعها للنازحين، واتهام

شرطة حماس بقتل الأطفال الذين حاولوا الحصول على المساعدات بسبب الجوع.

وتستمر الأكاذيب: فقبائل رفح قررت قتال المقاومة، وكثير من الصفحات الفلسطينية خرجت تطالب المقاومة بالرحيل، وغير ذلك من مئات الأكاذيب، وآلاف المعالجات المغلوطة للأخبار والتقارير.

ومع مكر الليل والنهار وطوفان المكائد والأكاذيب يظل الأمر الإيجابي الأبرز هو بقاء الرأي العام العربي متمترسًا خلف قيمه وتعاليم دينه، ونقاء فطرته، ودقة بوصلته، ودعمه للمقاومة وتأييده الكامل لها حتى وإن عجز عن مد يد العون جراء القمع وظروفه السياسية والاقتصادية الضاغطة.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان