نتنياهو.. مزيد من الاحتلال في “اليوم التالي”!

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

لا يلقي بنيامين نتنياهو رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي قفازه بسهولة، ولا يرفع الراية البيضاء بيسر، وهو يقاتل حتى النهاية دون أن يبدو أنه يستمع إلى نصيحة أو يستجيب لطلب أو يتراجع أمام ضغط أو سيستسلم لاستطلاعات الرأي العام في الكيان الصهيوني التي تؤكد أن أيامه في الحكم معدودة، وأنه يدرك أن إيقاف عجلة الحرب معناه توقف مسيرته السياسية الممتدة التي أصبح بسببها السياسي الأكثر بقاء في منصب رئيس وزراء الدولة العبرية حيث تولى موقعه لنحو 16 عامًا متفرقة.

يتعنت نتنياهو في تصريحاته للداخل الإسرائيلي ويبدي أكبر قدر من التشدد في الرأي والتصلب في المواقف في محاولة مستميتة منه لأن تستمر الحرب حتى يشد من عضد الموقف الضعيف له ولائتلافه الحاكم أمام الرأي العام الداخلي في إسرائيل، حيث أفاد آخر استطلاع للرأي نشرته صحيفة معاريف الإسرائيلية أن حزب الليكود الحاكم الذي يتزعمه بنيامين نتنياهو سيحصل على ثمانية عشر مقعدًا فقط في الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) إذا أجريت الانتخابات الآن، وهو ما يعني تراجعًا بنسبة تبلغ 44% تقريبا، حيث إن الليكود يتمتع الآن باثنين وثلاثين مقعدًا في الكنيست.

تراجع شامل

ولم يقتصر التراجع على حزب الليكود فقط، وإنما شمل كل أحزاب الائتلاف الحاكم، حيث أفادت نتائج الاستطلاع أن أحزاب الائتلاف اليميني الحاكم ستفقد مجتمعة أغلبيتها النيابية لتحصل على أربعة وأربعين مقعدًا، متراجعة من أربعة وستين تتمتع بها حاليا وتؤمن بها أغلبية بسيطة، وهو ما يعني فقد نحو ثلث المقاعد الحالية.

وكشف الاستطلاع أن أحزاب المعارضة الحالية ستحصد واحدا وسبعين مقعدًا بدلًا من ستة وخمسين حاليًّا بارتفاع نسبته أكثر من 21% وهو ما يضمن لها أغلبية تفوق ما يتمتع به الائتلاف الحاكم حاليًّا بنحو سبعة مقاعد.

وتتزامن هذه النتائج مع تراجع كبير في الثقة بشخص نتنياهو نفسه حيث اعتبر 48% من المشاركين في الاستطلاع أن بيني غانتس عضو مجلس الحرب هو الأنسب لقيادة الحكومة الإسرائيلية، في حين يرى 32% أن رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو هو الأنسب.

فشل مزدوج

ويُحمّل الرأي العام والمراقبون في إسرائيل رئيس الوزراء مسؤولية الفشل في ملفين يتكفل كل منهما بإسقاطه مع حكومته أو بإسقاطه وحده على أقل تقدير، أحدهما سيأتي وقت المحاسبة عليه عند توقف الحرب مهما طالت أيامها، وهو عدم توقع أو منع هجوم المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على مراكز جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنات المتاخمة لقطاع غزة، في السابع من أكتوبر الماضي، فيما عرف فلسطينيًّا بعملية “طوفان الأقصى”، أما الثاني فهو تراكم النتائج السيئة لملف الحرب برمته، من الاقتصاد المتراجع بفعل الحرب واستدعاء الاحتياط إلى عدم إنجاز صفقة تبادل الأسرى مع حماس، حيث يواجه نتنياهو اتهامات بالفشل الذريع في الوصول إلى أي من الأهداف المعلنة للحرب التي تبناها مثل القضاء على حركة حماس واستعادة الأسرى المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية في غزة.

استباق للعرب

وفي سعي لإظهار أنه قائد يسيطر على الأمور ويأخذ زمام المبادرة في محاولة ربما لن تكون الأخيرة طرح بنيامين نتنياهو خطة “اليوم التالي”، وهي خطة تتضمن رؤيته لكيفية إدارة قطاع غزة بعد توقف الحرب، ويبدو أن تحذيرات أمريكية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بأن دولًا عربية تعد خططًا لإدارة غزة كانت وراء استباق نتنياهو أي إعلان عربي أو فلسطيني في هذا الشأن، ولكي تكون له الكلمة الأولى رغم أنه تجاهل الحديث حول هذا الملف منذ أشهر ليتجنب خلافات متوقعة بين أعضاء الائتلاف الحاكم الذي يدفع بعض المتطرفين فيه نحو عودة الاستيطان في قطاع غزة.

ووفق وسائل إعلام إسرائيلية فإن قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بإعلان الخطة سببه ما مررته له الإدارة الأمريكية من أن دمج حركة حماس في السلطة الفلسطينية ومشاركتها المبطنة في إدارة القطاع هو أحد النقاط التي تتضمنها رؤية عربية في هذا الشأن لتوحيد الصف بين الفصائل وإعادة السلطة الفلسطينية إلى القطاع بصورة لا تستبعد حركة حماس.

وتقضي الخطة التي قدمها نتنياهو لمجلس وزراء حكومة الحرب بأن تسيطر قوات الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل عسكريًّا (برًّا وبحرًا وجوًّا) على الضفة الغربية وقطاع غزة وأن تكون لها السيطرة كذلك على منطقة عازلة داخل حدود غزة وعلى ساحل القطاع وعلى الحدود بين مصر وغزة لمنع ما وصفته الخطة بعمليات التهريب، وتتجاهل الخطة بالطبع الاعتراضات المصرية على سيطرة إسرائيل على محور فيلادلفيا أو ممر صلاح الدين المتاخم لحدود مصر من ناحية غزة.

ولا يكترث القيادي الصهيوني بمعاناة مئات الآلاف من الفلسطينيين، إذ تتضمن خطته كذلك إغلاق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

أين المسؤولون الآخرون؟

وفي محاولة لعزل حماس عن أي دور مستقبلي في قطاع غزة اقترح زعيم حزب الليكود اليميني أن تدار الشؤون المدنية في غزة بواسطة مسؤولين محليين ذوي خبرات إدارية وليسوا على اتصال بدول أو كيانات تدعم ما يصفه بـ”الإرهاب”، ويبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نسي أو تناسى أن حركة حماس تسيطر على القطاع وتديره منذ عام 2007 وأن أي خبرات إدارية إن وجدت بعد هذا الدمار والتشريد ستكون على ارتباط ما بدرجة أو بأخرى بحركة حماس، وأن أي قوى وطنية حقيقية لن ترضى أن تكون بديلًا تفرضه دبابات الاحتلال على سكان القطاع الذي تعرض معظمه للتدمير والتخريب، ورغم ذلك فإن نتنياهو يضع شرطا تعجيزيا لبدء إعمار ما تم تخريبه، وهو نزع السلاح من يد فصائل المقاومة بشكل كامل والقضاء على التطرف عن طريق تفكيك حركتي حماس والجهاد.

واعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي في بيان صادر عن مكتبه أن خطته “تعكس إجماعًا شعبيًّا واسع النطاق بشأن أهداف الحرب وتغيير حكم حماس في غزة ببديل مدني”.

والنظرة المتأنية إلى مبادئ نتنياهو أو خطته ستجد أنها موجهة لمخاطبة الداخل الإسرائيلي، وربما للدول المؤيدة للكيان الصهيوني، لكنها تتجاهل عمدًا أي شريك فلسطيني يمكن أن يكون طرفًا في أي ترتيبات لما بعد الحرب، كما أن الرؤية المسيطرة على الخطة هي تكريس الاحتلال وتمكينه من تقرير مصير إدارة الأراضي الفلسطينية بمعزل عن إرادة سكانها في غزة أو الضفة الغربية.

ووفقًا لتحليل نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي يتحدى بخطته الضغوط الدولية والدعم المتزايد حتى بين الحلفاء لإقامة دولة فلسطينية، وهو ما يجعل من المستحيل ظهور مثل هذه الدولة إذا تم تنفيذ خطة نتنياهو.

وتتبدى مهارة نتنياهو ومكره في صياغة خطة تتوجه بالأساس إلى الداخل الإسرائيلي ولا تتصادم مباشرة مع رغبات الولايات المتحدة الأمريكية الحليف والداعم الرئيسي له، كما أنها تلبي طموحه الشخصي في الانتقام ورد صفعة السابع من أكتوبر الماضي التي وجهتها إليه المقاومة الفلسطينية والتي تسببت في زلزلة مكانه وتراجع مكانته في زعامة اليمين الإسرائيلي وفقًا لاستطلاعات الرأي.

ويدرك بنيامين نتنياهو أن وقف تورط آلة الحرب الإسرائيلية في غزة وجنوب لبنان سيعني لخصومه لحظة الحقيقة والحساب على إخفاق يوم السابع من أكتوبر، ولذلك فإن السياسي الصهيوني المتطرف لا يجد خلاصًا لمستقبله السياسي سوى مزيد من انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني عبر مزيد من الاحتلال في اليوم التالي للحرب.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان