الأونروا رمز للمؤامرة في حق فلسطين وشعبها!

ستظل “الأونروا” رمزا لمؤامرة العصر والجريمة الدولية في حق فلسطين وشعبها، واعترافا من المجتمع الدولي بمسؤوليته عن جريمة احتلال فلسطين، وما ترتب عليها من ارتكاب أبشع جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري في حق الفلسطينيين.
ليست جديدة ولا مستغربة تلك الحملة الأمريكية الغربية على “الأونروا” اتساقا مع الرغبات والأجندة الإسرائيلية، التي تسعى منذ عقود لتصفيتها.
وبحسب ما أعلنته الأمم المتحدة، فإن 16 دولة مانحة أعلنت تعليق تمويلها لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)؛ وذلك عقب مزاعم إسرائيلية بضلوع 12 موظفا بالوكالة في عملية طوفان الأقصى، وقد كان على رأس هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية، وتبعتها كندا، وأستراليا، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وهولندا، وسويسرا، واليابان، ودول أوربية أخرى. وقد أعلنت النرويج وإسبانيا وأيرلندا استمرار المساعدات، ولكنها على جانب آخر أبدت استعدادها لدعم تحقيق في مزاعم إسرائيل.
كان لافتا أن إعلان الولايات المتحدة والدول التي تدور في فلكها تعليق تمويلها للأونروا جاء بعد ساعات من قرار محكمة العدل الدولية، التي أشارت فيه إلى احتمال ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في غزة، كما ألزمت إسرائيل مؤقتا باتخاذ تدابير لوقف الإبادة وإدخال المساعدات الإنسانية خلال شهر.
بدا واضحا أن إعلان أمريكا ومن تبعها تعليق تمويلهم للأونروا كان مبيتا بهدف سحب الاهتمام العالمي والإعلامي بعيدا عن اتهام إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في حق الفلسطينيين.
وعلى جانب آخر، يأتي التضييق على الأونروا بتعليق التمويل تماهيا من جانب الدول المعلنة مع الهدف الاستراتيجي الإسرائيلي المتمثل في التخلص من عودة اللاجئين، وتفكيك قضية اللاجئين بشكل نهائي.
علاقة اللاجئين الفلسطينيين بالأونروا
منذ تأسيس وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وفقا للقرار الدولي رقم 302 “الدورة الرابعة” الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 8 ديسمبر/كانون الأول 1949 حامت شكوك كثيرة حول غاية الأمم المتحدة من إنشاء تلك المنظمة والسعي من خلالها لتنفيذ مشاريع يُراد منها توطين اللاجئين في المجتمعات التي يقيمون فيها أو إبعادهم عن فلسطين، وقد فشلت تلك المشاريع نتيجة وعي اللاجئين ومقاومتهم لبرامجها في الخمسينيات، ومن المفارقات أنه بعد اتفاق أوسلو عادت تلك المشاريع بصورة جديدة مراهنين على نجاحها في التسعينيات.
ورغم الدور الكبير والمهم الذي تقوم به الأونروا بالنسبة للفلسطينيين، فإن علاقة اللاجئين الفلسطينيين بالأونروا بحسب بعض الباحثين شهدت تعقيدات كثيرة، فهم يكرهونها بشكل لا شعوري وفي الوقت نفسه يتمسكون بها؛ فالأونروا تُعد من جهة رمزا للجريمة الدولية التي سلبت أرضهم وقسمتها، وأدت إلى معاناتهم وتشريدهم، وما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي من جرائم في حقهم، ولكنها من جهة أخرى تمثل رمزا لاعتراف المجتمع الدولي بمسؤوليته اتجاه الفلسطينيين وما يتعرضون له حتى تجد قضيتهم حلا عادلا ويعودوا إلى ديارهم، ومن هنا يرفض الفلسطينيون التخلي عن الأونروا ويواجهون أي محاولة للمساس بها؛ لأنها توفر لهم السبيل الوحيد للعيش والخدمات بأنواعها المختلفة، ويعتبرون تقليص خدماتها وسيلة لجعلهم أسرى لعيش منخفض المستوى دون المستويات العادية لسائر البشر.
من ناحية أخرى، نشأت عن العلاقة بين وكالة الأونروا واللاجئين مفاهيم وقيم سياسية جعلت اللاجئين الفلسطينيين في حالة ترقب دائم لمؤامرة دولية، تمثل الأونروا أداة مموهة لها بحسب البعض، باعتبار أن سياسات الأونروا ترمز إلى سياسات الدول المهيمنة في الأمم المتحدة اتجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين، وتمثل انعكاسا لموازين القوى في العلاقات الدولية، وقد عمق تلك النظرة بقاء القضية الفلسطينية دون حل عادل لها، كما ساعدت المواقف الأمريكية والغربية والإسرائيلية على تعميق يقين الفلسطينيين بأن قضيتهم تتعرض للخطر، وأن وكالة الأونروا أداة في مؤامرة دولية لإنهاء قضيتهم، ولكنها أداة يستحيل على الفلسطينيين التخلي عنها!
الاحتلال الإسرائيلي ومحاولات إنهاء وجود الأونروا
منذ إنشائها ساهمت وكالة الأونروا في الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، وأوجدت نماذج مصغرة للمجتمع الفلسطيني داخل المخيمات، وشكلت مرجعية فلسطينية لقضية اللاجئين، واستمرت الأونروا ما يقارب من 75 عاما في تقديم الخدمات المتنوعة إغاثيا وتعليميا وصحيا، إضافة إلى برامج أخرى عديدة، كما شكلت غطاء دوليا لقضية اللاجئين يتضمن التزام المجتمع الدولي ومسؤوليته عن حماية اللاجئين الفلسطينيين حتى يتم الحل العادل لقضيتهم وعودتهم إلى ديارهم، ولذلك لم تتوقف محاولات الاحتلال الإسرائيلي على مدار عقود لتصفية الأونروا والعمل على استبدالها.
في بيان صادر عن مكتب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي في 31 يناير/كانون الثاني، قال نتنياهو أمام وفد من الأمم المتحدة: إنه قد حان الوقت ليدرك المجتمع الدولي والأمم المتحدة أنه لا بد من إنهاء مهمة الأونروا، حيث تسعى إلى الإبقاء على قضية اللاجئين الفلسطينيين. ولابد من أن نستبدل وكالات أممية، ووكالات إغاثة أخرى بـالأونروا، إذا أردنا حل مشكلة غزة وفقا لما نخطط له.
ختاما
منذ نشأتها مثلت الأونروا رمزا متجددا لمؤامرة كبرى في حق فلسطين وشعبها. واليوم مع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية وخمس عشرة دولة أخرى تدور في فلكها تعليق تمويلها للأونروا، الذي يمثل نحو 60 في المئة من تمويل الوكالة، فإن هذه الدول تُعد بذلك شريكا في تصفية قضية اللاجئين، بما ينسجم انسجاما كاملا مع خطة الرئيس الأمريكي السابق ترامب التي أعلنها فيما سُمي بصفقة القرن، وإلغاء حق العود لسبعة ملايين فلسطيني، والإجهاز على القضية الفلسطينية، وتمكين الاحتلال الإسرائيلي من مواصلة التطهير العرقي ضد الفلسطينيين.
إن الدول التي علقت تمويلها للأونروا تمارس بذلك عقوبات جماعية ضد الشعب الفلسطيني، وتشارك في استكمال حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وهنا يبقى سؤال، وهو: هل يقف العرب والمسلمون وبقية العالم موقف المتفرج أمام تلك المهزلة بقيادة أمريكية؟