هل تتبدل تحالفات الإسلاميين الأتراك في الانتخابات البلدية؟
مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية في تركيا (31 مارس/آذار 2024) ترتفع درجة الحرارة السياسية، ويدب النشاط في الأحزاب لتحديد مرشحيها لتلك الانتخابات، وترتيب تحالفاتها للفوز بما يمكن من بلديات صغيرة أو كبيرة. يتسع الطيف الحزبي التركي لكل الاتجاهات العلمانية بألوانها اليسارية واليمينية المختلفة وكذا الاتجاهات الإسلامية والمحافظة، وهذه الأخيرة (بخلاف حزب العدالة والتنمية الحاكم) كانت نجم الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في مايو/أيار من العام المنقضي.
لا أقصد بالنجومية هنا حصولها على حصة كبيرة من المقاعد البرلمانية، بل في قدرتها على فرض حضورها ضمن التحالفين المتنافسين الكبيرين، وهما تحالف الجمهور للحزب الحاكم ومعه حزب الحركة القومية، الذي ضم حزبين إسلاميين صغيرين، هما حزب الرفاه الجديد وحزب الهدى الكردي، وتحالف الشعب المعارض الذي ضم بشكل أساسي حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد القومي، ومعهما 3 أحزاب ذات مرجعية إسلامية هي حزبا السعادة والمستقبل وحزب الديمقراطية والتقدم، وبينما حصل حزب العدالة والتنمية الحاكم على 268 مقعدا (من جملة 600 مقعد) حصلت الأحزاب الإسلامية الصغيرة سواء ضمن التحالف الحاكم أو المعارض على 43 مقعدا (10 للسعادة ومثلها للمستقبل و14 للديمقراطية والتقدم و5 للرفاه الجديد و4 للهدى)، وما كان لهذه الأحزاب أن تتخطى العتبة الانتخابية وتفوز بأي مقعد حال ترشحها بعيدا عن هذين التحالفين.
تحالفات غريبة
بدت تحالفات الإسلاميين الأتراك غريبة، حتى على الإسلاميين العرب الذين يقيمون في تركيا في ذلك الوقت، فأكثر الأحزاب تمسكا بالمرجعية الإسلامية وهو حزب السعادة كان في تحالف مع حزب الشعب العلماني الذي قاد الحرب على المظاهر الإسلامية كالحجاب في تركيا عبر تاريخ طويل، وكان معه أيضا في هذا التحالف حزبان آخران ذوا خلفية إسلامية هما حزب المستقبل ورئيسه أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء السابق، وحزب الديمقراطية والتقدم ورئيسه علي باباجان وزير الاقتصاد الأسبق، وكلاهما رفيقا درب أردوغان، وكانا قياديين في حزب العدالة والتنمية الحاكم لكنهما انفصلا عن الحزب بسبب خلافاتهما مع أردوغان، وشكلا حزبيهما، وإن لم يظهر خلاف أيديولوجي بين حزبيهما وحزب العدالة والتنمية، وفي الوقت نفسه انضم إلى تحالف الجمهور الحاكم حزبان إسلاميان هما الرفاه الجديد ورئيسه فاتح أربكان نجل الأب الروحي للحركة الإسلامية التركية نجم الدين أربكان، وحزب الهدى الكردي.
بدا الإسلام السياسي في تركيا بعد عقود من إعلان الجمهورية العلمانية الكمالية، وتحديدا في عام 1969 حين ترشح المهندس نجم الدين أربكان للانتخابات النيابية مستقلا بعد أن انفصل عن حزب العدالة الذي كان يرأسه الرئيس التركي الأسبق سليمان ديمريل، وفي العام نفسه أسس حركة مللي غوروش (الرؤية الوطنية) وهي الجماعة الأم للتيار الإسلامي التركي وتشبه جماعة الإخوان في مصر، ولها فروع أيضا في أوروبا وأمريكا وأستراليا وآسيا حاليا، وكل الأحزاب الإسلامية الحالية هي من أبناء تلك الحركة.
وفي عام 1970 أسس أربكان حزب النظام الوطني، الذي تم حله بعد عامين عقب انقلاب عسكري، فأسس حزب السلامة الوطنية، ومن خلاله فاز في الانتخابات النيابية بأربعين مقعدا مكنته من الدخول في تحالف مع حزب الشعب برئاسة بولنت أجاويد، وأصبح أربكان نائبا لرئيس الوزراء، وكان هو صاحب قرار دخول القوات التركية إلى قبرص الشمالية، الذي لا يزال قائما حتى اليوم.
وكان هذا أول تحالف إسلامي علماني في تركيا، وعقب حل حزب السلامة أسس أربكان وتلاميذه عام 1983 حزب الرفاه، وهو الأكثر شهرة قبل حزب العدالة والتنمية الحالي.
وقد فاز الحزب ببلديتي أنقرة وإسطنبول عام 1994، كما شارك في تحالف حكومي مع حزب الطريق القويم برئاسة تانسو تشيلر عام 1996، وتولى أربكان رئاسة الحكومة لمدة عام واحد 1997 قبل أن يحدث الانقلاب الأبيض ضده، ويسقطه من الحكم، وفي عام 2000 عاد ليؤسس حزب الفضيلة الذي لم يستمر سوى عام واحد، وانشق إلى حزبين عام 2001 هما “السعادة” و”العدالة والتنمية”، وهذا الأخير ضم أشهر تلاميذ أربكان السياسيين وعلى رأسهم أردوغان وعبد الله غول، وأحمد داود أوغلو، وعلى باباجان (قبل أن يخرج منه غول وأوغلو وباباجان).
تبدل المواقف
قبل أسابيع قليلة من الانتخابات البلدية، اضطربت خارطة التحالفات الانتخابية، فقد أعلن فاتح أردوغان رئيس حزب الرفاه الجديد خروجه من تحالف الجمهور الحاكم لعدم قبول حزب العدالة والتنمية التنازل له عن بلديتين رمزيتين هما قونية التي كان والده نائبا عنها (مرقد الإمام جلال الدين الرومي) والفاتح ذات الدلالة الإسلامية الواضحة، كما خفف حزب الهدى الكردي من مستوى تحالفه مع العدالة والتنمية ليبقيه فقط في البلديات الكبرى التي ترشح لها فقط مرشحون من العدالة والتنمية، لكن الهدى لديه مرشحون في البلديات الأخرى، ورغم أنه يدرك ضعف فرصه في الفوز بها فإنه حريص على استثمار الانتخابات لطرح نفسه أمام جمهور الناخبين بشكل مستقل.
وفي المقابل، فإن تحالف الشعب الذي ضم في ثناياه الأحزاب الإسلامية الثلاثة الأخرى (السعادة والمستقبل والتقدم) تفكك في هذه الانتخابات، وقرر كل حزب خوضها مستقلا، ولكن يبقى التغير واردا حتى موعد الانتخابات، إذ لم تحدث قطيعة سياسية بين هذه الأحزاب مع حزب الشعب الذي يقود المعارضة، والذي وافق في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي على انضمام نائب منه مؤقتا إلى حزب السعادة ليحافظ على كتلته البرلمانية بعد وفاة نائب السعادة حسن بيتمز (تضم الكتلة عشرين نائبا بالتعاون مع حزب المستقبل)، وقد ترشح السعادة في 60 بلدية ويتحالف مع حزب المستقبل برئاسة داود أوغلو في بعض البلديات الأخرى.
يراهن حزب العدالة والتنمية الحاكم بل يقاتل من أجل الفوز بالبلديات الكبرى وخاصة أنقرة وإسطنبول ليتوج أردوغان نهاية حكمه بهذا الانتصار، ولأن الهزيمة في هذه المحليات قد تدفع المعارضة إلى الدعوة لانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، في حين تراهن الأحزاب الإسلامية الصغرى على تغير مزاج الناخب التركي لصالحها، وحصد أصوات المحافظين الغاضبين من حزب العدالة والتنمية بسبب الأزمة الاقتصادية، والارتفاع الكبير في الأسعار، وفي كل الأحوال تبقى المفاجآت قائمة في التحالفات الانتخابية التركية حتى قبل يوم واحد من إجراء الانتخابات، وهذا شأن الديمقراطيات عموما.