هل يضحي نتنياهو بطائفة “الحريديم” ويلحقها بالتجنيد؟

فردان من طائفة الحريديم يحضران درسًا في اللغة الإنجليزية (رويترز)

يبدو أن الصفعات التي يواجهها نتنياهو وحزبه المتطرف لا تنتهي، بل على العكس بدأت تتزايد بشكل أكثر سخونة، فإلى جانب توسع الحرب مع جبهة الشمال، وفي البحر الأحمر وعدم تحقيق أي تقدم في ملف الأسرى في غزة مع مخاوف وهواجس من تصاعد هجمات المقاومة في الضفة الغربية والقدس خلال شهر رمضان المبارك، بدأت تطفو على السطح أزمة قديمة متجددة تتمثل في ارتفاع الأصوات المطالبة بضرورة إلحاق الحريديم اليهود بالخدمة العسكرية أسوة بغيرهم.

وبالرغم من أن هذه الفئة من المجتمع اليهودي المنعزلة والمتفرغة للعبادة والتي ترفض الانخراط في الجيش، تشكل ما نسبته 13% من المجتمع اليهودي، فإن موضوع إلحاقها بالخدمة العسكرية وفق قانون التجنيد، كان وما زال مشكلة مستعصية وغير قابلة للحل، سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إلى تأجيل البتّ فيها لأسباب سياسية بحتة، أهمها النفوذ الكبير الذي تمثله هذه الطائفة في الحكومات الإسرائيلية، وبشكل خاص اليمينية منها، ودور هذه الطائفة وغيرها من الأحزاب الدينية في حجب الثقة أو منحها للساسة الإسرائيليين.

انقسامات غير مسبوقة

ما نراه اليوم في المجتمع الإسرائيلي من انقسام ربما لم نشهده من قبل، خاصة مع المظاهرات المتعددة المطالب التي تطوف شوارع تل أبيب والقدس، منها ما يدعو نتنياهو للاستقالة وإجراء انتخابات مبكرة، وأخرى تطالبه بالمسارعة بعقد صفقة لتحرير الأسرى لدى حماس، فيما تنضم طائفة الحريديم إلى الشارع لرفض التجنيد صارخة: ” نموت ولا نلتحق بالجيش”.

وفي محاولة لمواجهة الضغوط السياسية التي تهدد مستقبل ائتلافه الحاكم، لا سيما مع تهديد الحريديم بإسقاط حكومته، ظهر نتنياهو، في مؤتمر صحفي مؤخرًا، ليطمئن الأصوات التي باتت تعلو وتنادي بتجنيد الحريديم بأن حكومته ستجد سبيلًا إلى إنهاء إعفاء اليهود الحريديم من أداء الخدمة العسكرية، في خطوة قد تؤدي إلى التضحية بالحريديم والزج بهم في الحرب.

وأمام فشل الكنيست في حل المشكلة، ينتهي في نهاية مارس/آذار الجاري، سريانُ أمر أصدرته الحكومة بتعليق التجنيد الإلزامي للمتشدّدين الحريديم، إذ سبق أن أبطلت المحكمة العليا في 2018 قانونًا لإعفاء الحريديم من التجنيد، ليجد الكيان نفسه أمام أزمة لا بدّ من حسمها، وسط استمرار المناوشات بين المعسكرين: العلماني والمتشدّد، تلك المناوشات التي تصاعدت مؤخرًا لتشمل استخدام الأسلحة وحرق الممتلكات العامة وأعمال الشغب.

وفي ظل وصف نتنياهو وحكومته المتطرفة بشكل متكرر التيارات الإسلامية في العالم العربي بالإرهابية، والتأكيد على خطورتها، نجد أن مجتمع الحريديم في دولة الكيان يمثل منتهى التطرف والغرابة، فهذه الطائفة تحرّم الهاتف والتلفاز والصحف، ومعظم الذكور يبقون في المدارس الدينية حتى عمر 40 عامًا، ولا يشاركون في القوى العاملة، ويعتمدون في معيشتهم على دعم الدولة، ويرفضون الاختلاط بالنساء الأجنبيات، ويكفّرون كل من هو خارج ملتهم،  كما أن الحكومة وقراراتها لا تمثل لهؤلاء أي اعتبار، بل إنهم يتبعون مرجعهم الديني فقط، فهم يتناسلون بكثرة ويتعبدون ولا يعملون، وهم منعزلون تمامًا عن المجتمع.

ضعف الخبرة العسكرية

وفي خضم أشرس وأطول معركة تخوضها دولة الكيان منذ احتلالها فلسطين عام 1948، ومع ارتفاع حالات العصيان من قبل الجنود في الجيش والخسائر الكبيرة في صفوف الجنود على يد المقاومة في غزة، وبقاء جبهة الشمال مشتعلة، والقلق من فتح جبهات جديدة في الضفة الغربية والقدس وداخل الخط الأخضر، تظهر الحاجة الآن أمام الكيان الصهيوني أكثر من أي وقت مضى إلى الحاق الحريديم بالجيش، بالرغم من أن  هذه الفئة لم تتلق أي تدريب عسكري، ولم تشارك في أي قتال، لكنّ المنادين بضرورة إدخال هذه الطائفة إلى الجيش يعولون على الحاجة الماسّة إلى أي عنصر إسرائيلي يدعم الجيش في الجبهات المختلفة.

ولعل حركة “من أجل جودة الحكم في إسرائيل”، تعتبر الأكثر تشددًا في دعوتها لتجنيد الحريديم، إذ أكدت على الحاجة الماسة لتوسيع نطاق التجنيد ليشمل جميع أطياف المجتمع، معتبرة أن المساواة الحقيقية في التجنيد يجب أن يتقاسمها الجميع، وتوجهت إلى المحكمة العليا بهدف إلزام الحريديم بالتجنيد، فيما دعم وزير الدفاع يوآف غالانت، والوزيران بيني غانتس، وغادي آيزكوت هذه المطالب بما يمثل تهديدًا سياسيًا لنتنياهو.

الطريق إلى الهاوية

يمكن القول؛ إن غزة فتحت أبواب الجحيم على دولة الاحتلال، إذ ظل موضوع تجنيد الحريديم خطًا أحمرَ يصعب تجاوزه للحكومات الإسرائيلية لما تمثله هذه الطائفة من نفوذ كبير في الدولة، فالصفعات المدوية تتلاحق بوجه تنتياهو، ليجد نفسه في كل يوم أمام مأزق جديد، وكان آخرها استدعاء أمريكا بيني غانتس وزير حكومة الحرب من وراء ظهره، تلك الحركة الكيدية التي ربما تؤكد قرب انتهاء صلاحية نتنياهو لدى الولايات المتحدة والبحث عن بديل جاهز لتحقيق شروط بايدن في محاولة للضغط عليه بالمسارعة في إنهاء الحرب، تلك التي  لم تحقق أي نتائج سياسية أو عسكرية تذكر، سوى قتل الأبرياء، وتأليب الرأي العالمي ضد إسرائيل وأمريكا.

والحقيقة الماثلة أمام الجميع أنّ أمريكا التي دعمت إسرائيل في حربها على غزّة بكل ما تملك، بدأت تفقد صبرها رويدًا رويدًا، لشعورها بالخيبة لعدم تحقيق أية نتائج، خاصة مع تزايد الضغط الشعبي في الولايات المتحدة لإنهاء الحرب ووقف المجازر. فالكل يريد إنهاء الحرب باستثناء نتنياهو الذي يصرّ على أن يقود إسرائيل إلى الهاوية، ولسان حاله يقول: “لا وجود لإسرائيل بدوني، فأنا الدولة والدولة أنا”.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان