الهروب من “الحشاشين” إلى دراما “أسامة أنور عكاشة”
لا أحبذ التعامل مع الأعمال الدرامية من على بوابتها، ولا يجوز الحكم على عمل درامي في حلقاته الأولى إن كان العنوان دالّا على الاختيار، اختيار الموضوع وتوجهه، وكان السؤال المُلح قبل عرض المسلسل التلفزيوني “الحشاشين” هو: لماذا اختارت الشركة المنتجة عملا عن فرقة الحشاشين التي ظهرت في القرن الحادي عشر الميلادي واشتهرت بفرق الاغتيالات السياسية وما أشيع عن شيخ الجبل حسن الصباح ومملكته التي أسس فيها لعقيدة جديدة على العالم الإسلامي خاصة في ظل صعود الدولة الإسلامية واتساعها بما يمثل كونها القوة العظمى في تلك الفترة بخلافتها العباسية وممالكها السلجوقية والفاطمية؟
لم يكن صعبا اكتشاف أن “الحشاشين” استكمال لمجموعة أعمال مسلسل “الاختيار”، بمعرفة الجهة المنتجة وهي المتحدة للإعلام، والمخرج، وإن كان اسم المؤلف عبد الرحيم كمال صادما لتقديمه أعمالا متميزة من قبل، أنت أمام عمل يحاول الإسقاط على الحاضر، وصراع لا ينتهي مع جماعة الإخوان المسلمين ومؤسسها حسن البنا ضمن فكرة هذا هو البديل.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsعام من البلطجة الإسرائيلية.. وماذا بعد؟
ما بين الاقتصاد اللبناني والإسرائيلي!
إيران تودع الصبر الاستراتيجي!
الهروب
مسلسل “الحشاشين” ما زال في بدايته، والأفضل انتهاء حلقاته لتقييمه بعيدا عن التعليقات الكثيفة والكتابات النقدية والتاريخية التي امتلأ بها فضاء الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي، وقد غلبت المقارنات التاريخية على معظمها، وما زلت أكرر أن الدراما شيء والتاريخ موضوع آخر، فكُتاب الدراما ليسوا مؤرخين.
قررت الهروب بمتابعة أعمال رمضانية قديمة لكبار كُتاب الدراما المصرية بجوار ما أتابع من الأعمال التاريخية التركية، وكان أحدثها “فاتح القدس صلاح الدين الأيوبي”، وهذا العمل يشير إلى فكرة الاختيار ويبيّن الفرق بين فكر منتج هناك وآخر هنا، وأيضا “السلطان محمد الفاتح”، وهما أحدث أعمال الشركة التابعة للتلفزيون الرسمي التركي.
بدأت بالصدفة قبل بداية شهر رمضان مشاهدة أعمال مصرية أذيعت في رمضان خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات التي شهدت صعودا كبيرا للدراما المصرية على يد كُتاب كبار أمثال أسامة أنور عكاشة، يسري الجندي، محفوظ عبد الرحمن، محمد جلال عبد القوي، وحيد حامد، ومحمد صفاء عامر، ومعهم كتيبة من المخرجين في ظل إنتاج اتحاد الإذاعة والتلفزيون بشركاته المتعددة، قطاع الإنتاج وصوت القاهرة، ولحقت بهما مدينة الإنتاج الإعلامي بنهاية القرن العشرين.
لك أن تتخيل حجم مشاهدات الأعمال التي كان الشارع العربي يتوقف وهو يتابعها مثل رأفت الهجان، ليالي الحلمية، ذئاب الجبل، المال والبنون، كان التلفزيون المصري منارة إبداعية وفكرية في تلك السنوات.
خلال الأيام الماضية شاهدت ثلاثة أعمال تلفزيونية، عملان منهما لأسامة أنور عكاشة هما “الشهد والدموع” الذي أُنتج في جزأين، الأول عام 1983 في 13 حلقة مدة كل منها 45 دقيقة، وفي تلك الفترة لم يكن العمل التلفزيوني يزيد على 15 حلقة، أما الجزء الثاني منه فقد أُنتج 1985 في 20 حلقة.
أهم ما يميز تلك السنوات أن غول الإعلانات التلفزيونية لم يكن يستأثر بالشاشات العربية، وكانت الإعلانات التجارية قبل العرض وبعده فقط، ولم تزاحم المادة الدرامية خلال عرضها، ومن المواقف التي تُذكر لأسامة أنور عكاشة وغيره من المؤلفين أنهم رفضوا عرض أي إعلان داخل مادتهم الدرامية، ويُذكر لاتحاد الإذاعة والتلفزيون احترامه لرغبات هؤلاء الكُتاب.
“الشهد والدموع” مسلسل تبدأ أحداثه في منتصف الأربعينيات من القرن العشرين، وهو دراما اجتماعية تحكي قصة أسرة مصرية، كبيرها رضوان صانع حلوى شرقية في محال لأحد الأجانب الذين عاشوا في مصر منذ بداية القرن العشرين، ويستغل أزمة خروج صاحب المحال مع بداية الحرب العالمية الثانية للاستيلاء عليها.
أصبح الرجل صاحب أكبر محل حلوى في القاهرة، له ولدان وبنت، أحدهم وهو الأصغر يهوى الفن والغناء، والكبير يرث مهنة أبيه، ويطمع في نصيب إخوته، ويستخدم كل الطرق للحصول على ثرواتهم، حتى أنه يسرق مال أبيه بعد وفاته، وتبدأ لعنة المال في رحلة حافظ رضوان، الذي تسبب في موت شقيقه الأصغر بتواطئه مع أحد أصدقائه في سرقة نصيبه.
تبدأ زوجة أخيه ابنه أحد العمال بمحاله في الكفاح من أجل الحصول على حق زوجها، دراما اجتماعية تتناول كلا الأسرتين، إحداهما تتولاها الزوجة التي فقدت زوجها، وتكافح من أجل تعليم أولادها الأربعة في ظل ظروف اجتماعية وسياسية تبدأ من بداية الخمسينيات وتستمر حتى 1975.
الأسرة الثانية للشقيق الأكبر تبدأ رحلتها من ثروة صغيرة سرق نصفها حتى تصل إلى ثروة ضخمة جدا، تتهرب من التأميم بمساعدة ضابط فاسد من الضباط الأحرار، وألاعيب تاجر اعتاد السرقة، وامرأة تعود أصولها إلى إحدى أسر محمد علي، تريد أن تظل من علية القوم.
تظل لعنة المال تطارد السارق حتى نهاية حياته، والأحداث التي تنتهي بندمه وتوبته ليعمل خادما في مسجد، وقد حقق العمل نجاحا كبيرا أثناء عرضه وحتى الآن، ولا يزال الكثيرون من الجيل القديم يتابعونه إذا عُرض تلفزيونيا.
المشمش والزيبق
مسلسل (أنا وانت وبابا في المشمش) لأسامة أنور عكاشة مؤلفا، ومحمد فاضل مخرجا في 1989، وهو العمل الثاني الذي شاهدته مؤخرا، العمل طرح فكرة الصراع على أراضي السواحل المصرية، وكانت تلك الفترة لحساب رجال الأعمال وبمساعدة رجال في أجهزة الدولة التنفيذية، من خلال عبد الباقي الجوهري مدير الشؤون المالية والإدارية بمحافظة البحراوية، رجل صاحب أخلاقيات نادرة في ظل صعود سياسات الانفتاح الاقتصادي واستحواذها على المؤسسات الحكومية، ويقف عبد الباقي الجوهري بصلابة أمام طغيان ستة رجال أعمال مصريين مرتبطين بالخارج من خلال رجل أعمال متعدد الجنسية للاستحواذ على شاطئ مصر الغربي وبناء مدينة عالمية فيه.
هل كان أسامة أنور عكاشة يقرأ المستقبل حتى بتلك الإشارات الدرامية لهؤلاء الرجال وانتمائهم لأيادٍ غربية، لم يكن يتصور ما تؤول إليه الأمور الآن، ولا أخفي عليكم أنني بعد حجم الاستيلاء على أراضي الدولة في السنوات الأخيرة استدعيت هذا العمل الفني، ورأيت كيف يمكن لمبدع أن يكون مرآة للمستقبل، والرؤية التي يتمتع بها المبدع الحقيقي، هذه الرؤية التي تجعلنا نستدعي أعمالا درامية من الذاكرة.
الغريب أن معظم ما كان يرى عكاشة أنه سيحدث “في المشمش”، وهو مثل مصري يدل على استحالة حدوث الأمر، قد أصبح واقعا.
العمل الثالث كان مسلسل “علي الزيبق”، الكتابة ليسري الجندي والإخراج لإبراهيم الشقنقيري، وهو العمل الذي يطرح فكرة البطل الشعبي علي الزبيق، وله قصة أخرى.
وفي وسط الضلمة تهل انت
ولا نعرف مين فين أو إمتى
ترفع بنيان الغلبان
وتطأطأ بنيان الوالي
وترَقص قصر السلطان