رفح من جديد

معاناة شعب غزة بين التهجير والتجويع (الأناضول)

في استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة انكشاف لضعف وهوان الأنظمة العربية كما لم يحدث من قبل، وفي تواصل الهجمة الصهيونية في شهر رمضان برمزيته وقدسيته عند العرب والمسلمين ما يُظهر الصورة بشكل أكبر، ويوحي بأن العرب قد خرجوا من التاريخ وإلى الأبد.

وسط استمرار المجازر الصهيونية في الشهر الفضيل تمادى رئيس الوزراء الإرهابي بنيامين نتنياهو في غيه وأعلن ديوان مجلس الوزراء الصهيوني تصديقه على خطة اقتحام رفح الفلسطينية، وأكد نتنياهو بنفسه أن حربه على القطاع لن تنجح ما لم يدخل جيشه إلى رفح ويقضي على كتائب حماس هناك بحسب تعبيره.

في دخول رفح الفلسطينية تحد جديد للعرب واختبار آخر لقدرتهم على المواجهة أو الرفض أو التصدي لانفلات المحتل من كل قيد، وبالتحديد فيما يتعلق بالنازحين الفلسطينيين الذين تجاوز عددهم مليوني نازح، ثم في تهديد الأمن القومي المصري وخرق اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية.

أكثر من مليوني فلسطيني معرضون للموت:

الأرقام التي أصدرتها المنظمات الدولية فيما يتعلق بالأوضاع الإنسانية الصعبة والمتفاقمة في رفح تكشف عن التأثير المفجع الذي ربما يلحق بأكثر من مليوني فلسطيني نازح في حال ما قرر جيش الاحتلال بدء عملية موسعة هناك.

فبحسب برنامج الغذاء العالمي فإن سدس الأطفال ممن تقل أعمارهم عن سنتين يعانون من سوء التغذية، فضلًا عن ارتفاع حالات الوفاة بسبب الجوع ونقص الغذاء.

وفي فبراير الماضي حذرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) من تفاقم الوضع الإنساني في حال نفذت إسرائيل خطتها بالهجوم على رفح مما يعرض مليوني فلسطيني على الأقل للخطر الداهم، بينما أصدرت منظمة الطفولة التابعة للأمم المتحدة (اليونيسيف) تقريرًا قالت فيه إن 90% من الأطفال دون سن الثانية، وأكثر من 95% من النساء الحوامل والمرضعات يواجهون فقرًا غذائيًا، إذ تتناول 65% من الأسر وجبة واحدة يوميًا.

هذه الأرقام المرعبة تكشف ما يمكن أن يحدث إذا تواصلت حرب الإبادة وسط مليوني إنسان من المدنيين، يعانون نقصًا حادًا في الغذاء والدواء، فضلًا عن العيش في خيام منذ بضعة أشهر في جو قارس البرودة.

في صمت العرب على نية الكيان المحتل اقتحام رفح الفلسطينية وسط هذه الأرقام المفجعة تخاذل كامل وتسليم تام للاحتلال وجيشه في فرض الأمر الواقع، وقبول مذل برغبته في كسر كل القواعد الأخلاقية والقانونية، فضلًا عن أن هذا التسليم والاستسلام يعني مزيدًا من الانكشاف في أوساط الشعوب العربية التي باتت تنظر إلى الأنظمة الرسمية باعتبارها أضعف من التصدي لحرب إبادة هي الأبشع في التاريخ الحديث بأكمله، فضلًا عن فقدانها الأمل في أن يكون لهذه الأنظمة صوت مسموع ومؤثر في العالم يحمي شعبًا عربيًا من عدوان مستمر منذ ستة أشهر سقطت خلاله عشرات الآلاف من الشهداء والمصابين.

تهديد الأمن القومي المصري:

في دخول جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى رفح الفلسطينية بأسلحته الثقيلة اختراق سافر لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية.

هذه حقيقة مؤكدة لا مجال للتشكيك فيها أو الانتقاص منها.

وفي الصمت المصري والعربي على هذا الاقتحام بما يمثله من تهديد جاد لحياة النازحين، وبداية لسيناريو تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، واختراق للاتفاقية الدولية وتأثيرها الضار على الأمن القومي المصري ما يثير المئات من علامات الاستفهام والتعجب!

فبحسب أساتذة القانون الدولي لا يحق لإسرائيل نشر جنودها في المنطقة “د” دون الحصول على موافقة رسمية مصرية، ولأسباب تتعلق بتهديد حال وحقيقي تقتنع به مصر، أما دخول الجيش الإسرائيلي إلى رفح التي تقع في المنطقة “د” منزوعة السلاح بنصوص الاتفاقية بدون الموافقة المصرية؛ ولمجرد قيامها بشكل منفرد بشن عملية عسكرية فإن هذا التصرف هو مخالفة لنصوص الاتفاقية، يتم تصنيفه باعتباره عملًا عدائيًا ضد مصر، ينتهك حدودها ويهدد أمنها القومي في الصميم.

تجميد الاتفاقية ردًا على الاقتحام:

في يد الجانب المصري ورقتان للرد الجاد في حال أقدم الكيان المحتل على اقتحام رفح الفلسطينية، أولهما التهديد بتجميد العمل باتفاقية السلام بخطوة سياسية برلمانية، وهو ما يعني اللجوء للبرلمان وإعادة النظر في الاتفاقية والتصويت بتجميدها ردًا على اختراق نصوصها من جانب الاحتلال، وهي خطوة  مكفولة للبرلمان بنصوص الدستور المصري الذي منحه الحق في مراجعة الاتفاقيات الدولية والتصويت عليها بالقبول أو الرفض، وفي هذه الخطوة ما يردع المحتل ويعيده إلى رشده، على أن تلك الخطوة يجب أن تعلن على لسان أكبر المسؤولين المصريين لتبدو أمام العالم باعتبارها ردًا طبيعيًا على حماقات إسرائيل واستخفافها بكل القوانين والقيم السياسية والإنسانية، وإصرارها على انتهاك الحدود المصرية.

أما الورقة الثانية التي يملكها الجانب المصري فهي تلك التي أعلنها عدد من أساتذة القانون الدولي عن حق مصر في ظل أي ظروف استثنائية تمثل تهديدًا للأمن القومي في القيام بمراجعة أو تجميد الاتفاقية مع إسرائيل، وهي تستند في ذلك إلى نصوص اتفاقية “فيينا” لقانون المعاهدات الدولية المبرمة في 1969، فنصوصها تتيح لأي طرف في اتفاقية دولية إلغاءها أو تجميدها لوجود تهديد مباشر للسيادة الوطنية أو الأمن القومي للدولة الطرف في الاتفاقية.

ورقتان في يد السلطة في مصر تستطيع استخدامهما إذا قررت الوصول لساعة الصفر والدخول مع الكيان المحتل في مواجهة سياسية مفتوحة، وفي الورقتين ما يستدعي تدخل العالم الذي سيشعر وقتها أن هناك تهديدًا سيلحق بأمن المنطقة كلها، هذا الأمن الذي تشكل اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية حجر الأساس فيه، والنقطة الحرجة التي لا يمكن بأي حال تجاوزها أو الاستهانة بها.

في الاختبار الجديد الذي فرضه الاحتلال على الأنظمة العربية فرضًا ستتابع الشعوب العربية تصرفات ومواقف حكامها عن كثب، وسيكون حكمها هو الأخير والحاسم في تقييم هذه الأنظمة ومدى قدرتها على أن تصبح طرفًا مهمًا ومؤثرًا فيما يجري في العالم وفي المنطقة، فإما أن تثبت قدرتها وكفاءتها، أو سيكون الحكم النهائي هو الفشل والخروج من التاريخ.

 

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان