فاز “بوتين” وخسرت الهيمنة الغربية

(1) موسكو: نسبة مشاركة قياسية
كما كان متوقعًا فاز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بفترة رئاسية جديدة حتى عام 2030.
لم يكن أحد يراهن على فوز أحد منافسيه الثلاثة، لكن بوتين كان يراهن على نسبة مشاركة الناخبين، فهي بالنسبة له تمثل صورته أمام العالم كقائد تجتمع خلفه الأمة الروسية، وتثق فيه وتدعمه في هذه الظروف الاستثنائية الصعبة التي تمر بها بلاده نتيجة حربها على أوكرانيا.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsهل انتهى المشروع النووي الإيراني إلى غير رجعة؟
الضربة النووية بين استعراض ترامب والتهوين الإيراني
فخ التدخل الأمريكي.. يطفئ الحرب أم يشعل العالم؟
ولقد أعلنت رئيسة لجنة الانتخابات الروسية أن التصويت سجّل أعلى نسبة في تاريخ البلاد حيث بلغ 77.44%، بتصويت أكثر من 87.1 مليون مواطن روسي، وفاز بوتين بنسبة 87.28% من أصوات الناخبين، وهي نسبة مرتفعة للغاية لم تعتدها الدول الديمقراطية، وهو ما جعل عددًا من قادة الغرب ينتقدون نتيجة الانتخابات ويصفوها بأنها ليست حرة أو نزيهة، بل جرت في أجواء قمع وحجب لأصوات المعارضة الحقيقية.
لكن الكلام شيء والفعل شيء آخر، وهو ما لخّصه مستشار الأمن القومي الأمريكي “جيك ساليفان” حين قال: “إن بوتين هو رئيس روسيا، وسوف تتصرف الولايات المتحدة على هذا الأساس”. بوتين يجسد الآن الزعيم القوي الذي استطاع أن يبدأ معركة تغيير النظام العالمي الذي يهيمن عليه الغرب بقيادة أمريكا منذ عقود، تمهيدًا لتأسيس عالم متعدد الأقطاب، وساعده على ذلك تحالفه الاستراتيجي مع الصين ثاني اقتصاد في العالم والمنافس الأول لأمريكا، وعدد من الدول المارقة في عرف الغرب.
(2) واشنطن: الاختيار بين السيء والأسوأ
على الجانب الآخر من الأطلنطي تعيش أمريكا محنة حقيقية نتيجة نظامها الانتخابي الفاسد الذي لا يتيح إلا للحزبين الديمقراطي والجمهوري المنافسة على مقعد الرئاسة، والحزبان يفرضان على الشعب الأمريكي الاختيار بين بايدن العجوز المتلعثم وترمب الأحمق، فكلًا من بايدن وترمب قد حصلا على عدد كافٍ من أصوات مندوبي الحزبين في عدد كبير من الولايات يحسم ترشيحهما في الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
أظهرت استطلاعات الرأي الأمريكية موقف عامة الناخبين من الانتخابات المقبلة، فما يقرب من نصف الناخبين الذين استطلعت آراءهم جامعة مونماوث يرون أنه من المحتمل أن يتم استبدال بايدن بمرشح ديمقراطي آخر لخوض الانتخابات في نوفمبر، بينما رأى 33% أن الحزب الجمهوري قد يقرر اختيار مرشح آخر غير ترمب، وقدم الناخبون الذين يعتقدون في استبدال المرشحين قبل نوفمبر مبررات مثل عمر بايدن الذي يبلغ 81 عامًا، وصحته الجسدية والعقلية، وبالنسبة لترمب فقد تطرقوا إلى التهم الموجهة إليه وكذلك صحته فهو يبلغ 77 عامًا.
كما أن استطلاع آخر أجرته مجلة “إيكونوميست” أفاد أن 33% من الأمريكيين على يقين أن المعركة الانتخابية في 2020 ستتكرر بين بايدن وترمب في 2024، ورجح 44% حدوث ذلك، فيما كان الباقون أقل يقينًا.
وترى صحيفة “واشنطن بوست” أن هذه الشكوك تشكل سمة أخرى غير عادية للانتخابات الرئاسية المقبلة بين مرشحين لا يحظى أي منهما بشعبية كبيرة أو برضًا مجتمعي عام، وبهذه النتائج يعرب خبراء في استطلاعات الرأي عن مخاوفهم أنه مع استمرار معركة بايدن-ترمب، فإن الناخبين قد يبدون أقل اهتمامًا بالمعركة الانتخابية، وقد يؤدى ذلك إلى تنازل أعداد كبيرة من الناخبين عن حقهم في التصويت نتيجة عزوفهم عن المشاركة، فكلا المرشحين غير كفؤ لتولي منصب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية من وجهة نظر نسبة محترمة من الناخبين.
الانتخابات الرئاسية الأمريكية يتابعها العالم باهتمام بالغ، لأن نتيجتها لها تأثير كبير في رسم خريطة العالم وحركة الأحداث خلال الأربع سنوات التالية لها، لكن هذه المرة يجدها المراقبون دليلًا على فساد النظام الانتخابي الأمريكي العاجز عن إفراز شخصيات قيادية قوية وحكيمة قادرة على قيادة أكبر دولة في العالم في المرحلة المهمة المقبلة التي يتعرض فيها المعسكر الغربي لأكبر تهديد وجودي له في مناطق متفرقة من العالم وفي أوروبا أيضًا.
(3) العقوبات الغربية أصبحت نيران صديقة
لم يعد سيف العقوبات الغربية يخيف أحدًا، استطاع “بوتين” أن يتفادى آثار العقوبات الغربية غير المسبوقة على بلاده، وكان التأثير السلبي لهذه العقوبات في الاقتصاد الروسي أقل من تأثيره في اقتصاديات بلدان الاتحاد الأوروبي، فمن قبل استطاعت إيران أن تتعايش لعقود مع العقوبات الغربية، بل استطاعت أن تمد نفوذها خارج حدودها، وكذلك كوريا الشمالية لم تركع أمام العقوبات الغربية، وما زالت تواصل برنامجها النووي العسكري.
في الفترة الأخيرة تزايد الحديث من جانب الاتحاد الأوروبي حول استخدام أرباح الأصول الروسية المجمدة لتمويل شراء معدات عسكرية لأوكرانيا، ومؤخرًا أشار مفوض السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل” إن هناك غالبية وليس إجماعًا حول استخدام عائدات الأصول الروسية لصالح أوكرانيا، ولم يتخذ قرار نهائي بعد.
حوالي 70% من الأصول الروسية المجمدة في الغرب محفوظة لدى “يوروكلير” البلجيكية، بما يعادل أوراق مالية وسندات مختلفة للبنك المركزي الروسي بقيمة 190 مليار يورو، وبحسب مصدر روسي مطلع تحدث إلى وكالة “رويترز” فإن روسيا يمكنها لو تم اتخاذ هذا القرار أن تعلن بشكل مباشر عن بدء حرب اقتصادية واسعة النطاق، وسيقوم البنك المركزي الروسي، ردًا على مثل هذه الإجراء من جانب الاتحاد الأوروبي، برفع دعوى قضائية أمام المحاكم الروسية، وسيستحوذ على الأرجح على 33 مليار يورو من أموال “يوروكلير” المحفوظة في موسكو، وسيكسب أيضًا دعوى استعادة الودائع، مع التعويض النقدي، في هونغ كونغ ودبي، وهما ولايتان قضائيتان لا تعترفان بالعقوبات الغربية، وأضاف المصدر أنه إذا نفد رأس مال “يوروكلير”، فسيتعين على البنك المركزي البلجيكي إلغاء ترخيصه، الأمر الذي قد يؤدي إلى أزمة مالية عالمية.
العقوبات الغربية أصبحت مثل النيران الصديقة تصيب الغرب في مقتل، وليس منافسيه.