المجاعة سلاح حرب
سيذكر التاريخ العدوان الصهيونى المجرم على غزة بين صفحات حروب الإبادة السافرة بلا تخفي، وسيُبرز محاولات التواطؤ والغطاء السياسي التي مارستها بعض دول العالم “الحر” في أسود صفحاته، بعد أن تغاضت عن الحق في الحياة ذاته رغم ما تدعيه ليل نهار عن احترامها لحقوق الإنسان!
في حرب الإبادة التي بدأها الصهاينة على غزة منذ ستة أشهر يأتي سلاح المجاعة بوصفه أحد أبرز الأسلحة التي استخدمها المحتل ضد الشعب الفلسطيني، وسط صمت يصل إلى درجة التواطؤ من العالم، ومن الحكام العرب بالتحديد.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsكان ناصرياً في زمن ما..!
في لبنان انقلب السحر على الساحر
ضجيج بالفناء الخلفي للبنان لا ينتظر نهاية الحرب
أرقام دولية كاشفة ومفجعة
أرقام المنظمات الدولية تؤكد استخدام سلاح المجاعة بشكل غير مسبوق في الحروب التي عرفها التاريخ الحديث، فتقرير الأمم المتحدة الصادر في 18 من مارس/آذار الجاري يكشف أرقامًا كارثية عن انتشار الجوع وزيادة أعداد الوفيات الناجمة عن انعدام الأمن الغذائي في قطاع غزة، ويشير إلى أن كارثة انعدام الغذاء تضاعفت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وصت صمت مخز من الجميع، وغياب كامل من الدول العربية التي ارتضت بدور الوسيط، وخرجت تمامًا من كونها طرفًا مباشرًا في الحرب العدوانية الدائرة في غزة.
يقول التقرير “إن الحد الأقصى لانعدام الأمن الغذائي الحاد للمجاعة قد تم تجاوزه بشكل كبير، وإن سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة يتقدم بوتيرة قياسية نحو العتبة الثانية للمجاعة”، كاشفًا أن “معدلات الوفيات غير الناجمة عن إصابات الرضوح -وهي المؤشر النهائي للمجاعة- تتسارع، وجميع سكان غزة يواجهون مستويات توصف بالأزمة في انعدام الأمن الغذائي أو أسوأ”. ويضيف أن “1.1 مليون شخص في غزة (نصف عدد السكان) قد استنفدوا بالكامل إمداداتهم الغذائية وقدراتهم على التكيف، ويعانون الجوع الكارثي (المرحلة 5 من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي) والتضور جوعًا.
ويُعَد هذا أكبر عدد من الأشخاص على الإطلاق يواجه جوعًا كارثيًّا يتم تسجيله من نظام تصنيف الأمن الغذائي، وضعف العدد في المرحلة الخامسة من التصنيف الصادر قبل ثلاثة أشهر”.
مديرة برنامج الأغذية العالمي تحدثت عن معاناة أهل قطاع غزة بأوصاف واضحة وشجاعة لم تجرؤ عليها الأنظمة العربية الغارقة في عار التفريط والصمت والتخاذل، فقد أكدت سيندي ماكين في تصريحات صحفية أن “الناس في غزة يتضورون جوعًا حتى الموت، والسرعة التي انتشرت بها أزمة الجوع وسوء التغذية -التي هي من صنع البشر- في غزة أمر مرعب”، محذرة من “عدم وجود سوى نافذة صغيرة للغاية لمنع حدوث مجاعة كاملة”، وقالت إن ذلك “يتطلب الوصول الفوري والكامل إلى شمال غزة”، وأضافت “إذا انتظرنا حتى إعلان المجاعة، فسيكون الأوان قد فات، وسيموت آلاف آخرون”.
استخدام المجاعة سلاحًا قذرًا في يد كيان صهيوني إرهابي اتخذ من ملايين البشر في غزة أسرى لحماقاته وتطرفه يكتمل حين نعرف أن برنامج الأغذية العالمي لم يتمكن من تسيير سوى تسع قوافل إلى شمالي القطاع منذ بداية العام، كان آخرها قبل أسبوع، إذ أوصل البرنامج 18 شاحنة محملة بالإمدادات إلى مدينة غزة تحمل نحو 274 طنًّا من الدقيق والطرود الغذائية والوجبات الجاهزة للأكل.
معايير المجاعة ومن المسؤول
حسب خبراء الأمن الغذائي في العالم، فإن هناك معايير للتعريف الفني للمجاعة، تنطبق معظمها حتى الآن على جريمة الإبادة التي تجري في غزة وسط تواطؤ دولي شارك فيه كثير من الأنظمة الرسمية، وفضحه ورفضه كثير من شعوب العالم، فبحسب الخبراء، فإن المجاعة تغدو مكتملة عندما تعاني 20% من العائلات نقصًا حادًّا في الغذاء، وحينما يواجه 30% من الأطفال سوء التغذية الحاد، أو يموت شخصان بالغان يوميًّا على الأقل من كل عشرة آلاف شخص.
في كل ما يُنشر من أرقام عن الأوضاع الإنسانية في غزة ما يؤكد اقتراب المجاعة بشكل كامل، وهو الأمر الذي يكشف أن هناك رغبة صهيونية في دفع الأمور إلى هذا الحد حتى يتسنى لها فرض شروطها لوقف الحرب على حركات المقاومة، لذلك فإن الاحتلال الصهيوني المجرم هو المسؤول الأول عن كل صور الجوع والموت التي تحدث في القطاع كل يوم، ومع ذلك فإن الاحتلال ليس هو المسؤول الوحيد، بل إن الصامتين والمتواطئين والخانعين لإجرام الكيان المحتل متورطون بقدر لا يقل عن الكيان المحتل وتماديه في حرب الإبادة.
عجز عربي غير مسبوق
لأول مرة في التاريخ الحديث يصل العجز العربي الرسمي إلى هذا الحد المفجع، فلا هم قاموا بدورهم كطرف داعم للشعب الفلسطيني، ولا استطاعوا ردع الكيان الصهيوني وإجرامه، ولا قاوموا الاستخدام الإرهابي لجوع ملايين الأشخاص سلاحًا في الحرب، ولا استخدموا ما يملكون من أوراق ضغط في مواجهة آلة إبادة عدوانية لم يعرف لها التاريخ الحديث مثيلًا.
انكشف العالم العربي الغارق في العجز والخوف والضعف وقلة الحيلة، وانكشفت دبلوماسيته الناعمة المتخاذلة، وخطابه المنكسر الذليل، وظهر على حقيقته صفرًا كبيرًا على الشمال في وسط عالم تحكمه قواعد القوة والبحث عن المصالح.
فهؤلاء الذين عجزوا عن عقد قمة عربية تتخذ من القرارات ما يليق بالحدث، وفشلوا في تهديد المحتل وإجباره على الابتعاد عن استخدام المدنيين رهائن حرب، هم أنفسهم الذين فشلوا في تطبيق قرارات القمة العربية الإسلامية في الرياض وإدخال المساعدات عن طريق معبر رفح المصري، وتركوا أكثر من مليوني مواطن عربي فريسة للموت والحصار والإبادة والجوع في شهر رمضان بقدسيته الدينية لدى الملايين.
في العجز الواضح للأنظمة العربية الرسمية هناك ما يدعو إلى الرثاء، فقد وصل الفشل إلى درجة عدم القدرة على وقف المجاعة وإدخال المساعدات الإنسانية، فكيف يمكن الرهان على هؤلاء في قضايا أصعب كإنهاء الاحتلال وعودة اللاجئين وإعلان الدولة وعاصمتها القدس؟ كلها أسئلة كاشفة لأوضاع تدعو إلى الأسى والخوف من المستقبل، ومن تغييرات سياسية كبيرة مرشحة لأن تحدث بعد انتهاء العدوان الصهيوني.