غزة.. وضرورة تعبئة عالمية لإنقاذ الإنسانية
لأكثر من 165 يومًا، لا تزال مذابح الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة مستمرة بلا هوادة حتى في شهر رمضان. وفي الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء الحربي للكيان الإسرائيلي المحتل، لم يتجه الحديث إلى بحث أسباب وقف الإبادة الجماعية، بل كانت دفة المناقشات تسير نحو مهاجمة سكان غزة الذين أُرغموا على الفرار من الشمال إلى رفح ليكونوا في مأمن بعيدًا عن القصف، وهو ما جرى بالفعل. وقد استُهدف الأهالي المدنيون الذين يعانون الجوع ونقص المواد الأساسية منذ أشهر، بالقنابل والصواريخ الإسرائيلية بصورة جماعية في مواقع توزيع المساعدات التي اجتمعوا فيها للحصول على المعونات التي بالكاد وصلت إليهم ولا تكفي احتياجاتهم الأساسية. ونتيجة لذلك القصف الإسرائيلي يفقد عشرات الأشخاص حياتهم بأبشع طريقة بينما كانوا ينتظرون تلقي ما لا يكفي لسد جوعهم.
زوايا مخزية للإنسانية
ومع الأسف فإن هذا المشهد يشمل ثلاث زوايا مخزية للإنسانية التي لا تحرك ساكنا تجاهها، هي العدوان الهمجي والوحشي الذي يتخاذل العالم عن إيقافه، ثم الذين يجلسون في السلطة ويدعمون جرائم إسرائيل ضد الإنسانية ويبررونها دون حدود، إلى جانب الفريق الذي لا يفعل أو لا يستطيع أن يفعل أي شيء لوقف الإبادة الجماعية، لأنهم حتى لو صرخوا بأعلى صوتهم فإنهم “لقد أسمعت لو ناديت حيًّا.. ولكن لا حياة لمن تنادي”.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsلهذه الأسباب.. لا ترد سوريا!
«المقاطعة» تكشف هشاشة دعم الشركات لإسرائيل
الحرب مستمرة والعالم سيتغير حتما!
يبدو أن الاحتجاجات التي خرجت في جميع أنحاء العالم منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لمناهضة الإبادة الجماعية والوقوف في وجه الصهيونية، قد ألقت بظلالها على كل التصورات والمشاعر والمواقف تجاه النظام العالمي الحالي، لكن هذا التأثير ليست لديه قدرة حقيقية لإيقاف عمليات الإبادة الجماعية قريبًا، وهذا الوضع في حد ذاته له آثار مختلفة تمامًا وربما متناقضة، خاصة على أولئك الذين يعارضون هذه الإبادة الجماعية. وبدلًا من الحديث عن الأمل في أن العالم لا يستطيع قُطَّاع الطُّرق حُكمه، فإن الاستيعاب التدريجي للواقع يكشف حقيقة أن قطاع الطرق أنفسهم هم الذين يسيطرون على العالم الآن.
ولهذا فإن أبطال غزة المؤمنين يبددون هذه الصورة المتشائمة بمقاومتهم واستشهادهم والأجواء الاحتفالية التي يقدمونها في إشارة واضحة إلى سردية مختلفة تمامًا لكل المصائب التي حلت بهم، وهم بذلك الصمود يُذكّرون كل الإنسانية بأن المعاناة والصبر والشهادة واليوم الآخر والحساب حقيقة تملأ قلوبهم، ويأملون أن تجد هذه الحالة قلوبًا يقظة مستعدة للفهم وتدارك الأخطاء.
ما كسبته حماس
ربما لا يزال الكثير من الناس يجلسون ويكشفون عن سطحيتهم، ويتساءلون “ما الذي كسبته حماس مما تقوم به؟! لقد تسببت في قتل الكثير من الناس”، بينما يستمر سكان غزة في تذكيرنا كل يوم بالكارثة التي يفرضها علينا العالم المليء بالاضطرابات، ويحاولون تنبيهنا إلى خطورة الموقف الذي نعيشه معتقدين أننا في مأمن. والحقيقة التي يتغافل عنها من يفهمون آية {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} على أنها الحرص على الهروب من الضرر الذي يمكن أن يصيب أجسادنا أو من الموت، هي خطورة العجز عن الدفاع عن الشرف والكرامة أمام الذين يحاولون سلبها، ورغم ذلك فإن هناك من يقولون {لَوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} أي لو لم يبدأوا الحرب ما ماتوا، وكأن الجميع صاروا خبراء استراتيجيين، وكأنهم نسوا {قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ}، فلو بقوا في منازلهم المحصنة وعلى أسرَّتهم فهل سيكونون بعيدين عن الموت؟! ألا تعتقدون أن الموت لا فرار منه؟!
اليوم، يجب أن يعلم الجميع أن سكان غزة لم يفقدوا شيئًا حين ضحّوا بحياتهم طواعية في سبيل حريتهم وكرامتهم بمواجهة أعدائهم المحتلين الذين غزوا بلدهم وهاجموا بيوتهم ومقدساتهم ومعتقداتهم، والخاسرون الحقيقيون هم الذين لا يستطيعون رؤية هذه الأحداث بشكل صحيح، ولا يستطيعون استيعاب الآيات والحقائق التي تتفتق من هذه الأحداث.
ما الذي يمكن أن نفعله لغزة؟
قال خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، في كلمته بمناسبة شهر رمضان، إن قادة الدول الإسلامية لا يفعلون شيئا سوى الكلام، وفي أحسن الأحوال يدينون ويشجبون بشدة. لقد تحدث من الواقع الذي يعيشه كل يوم، ولذلك فإن تصريحاته ليست مثل الملاحظات التي قدّمها الآخرون، إنه تقييم أكثر واقعية وأكثر أصالة مما تعرضه الوكالات الدولية.
إن موقف العالم الإسلامي مما يمكن القيام به من أجل غزة يعني عجزهم، ما دام لا يملك القوة لإيقاف المجازر أو محاسبة إسرائيل ومن يقف وراءها. ولهذا فإن غزة هي التي ستنتصر، وسيخسر من يلتزمون الصمت. فما يسمى المبررات “الواقعية” المقدَّمة في هذا الصدد لا يعكس الحقيقة والواجب الذي ينبغي القيام به، فما يمكن عمله حقًّا في هذا الصدد لم يتم الحديث عنه بجدية من أي جهة فاعلة، ولم يتم تقديم أي مبادرة حقيقية بشأنه.
فالعالم الإسلامي والعربي حكومات وشعوبًا لا بد من تعبئته وتطوير موقف أكثر فعالية للوصول إلى نتائج ذات قيمة، وذلك من خلال التذكير بما يلي:
هذا النقص في رد الفعل على ما يتم القيام به يقوض في نهاية المطاف شرعية وشرف وكرامة القيادة العربية، فعلى المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة أن تتعامل مع تلك الهجمات الموجهة لغزة على أنها هجمات مباشرة عليها وعلى شعوبها، لأنها بالفعل كذلك. فكل قنبلة تسقط موجهة ضد وجود واستقلال وشخصية كل هذه الدول، وصمتها على هذا يضيع كل يوم من هيبة وقيمة عروبتها وإسلاميتها وقياداتها. وبالطبع هناك ضرورة للأسلوب الدبلوماسي اللازم، ولكن من الضروري ممارسة الضغط واستخدام جميع الأوراق الرابحة التي يمكن تفعليها ضد إسرائيل وأمريكا وجميع الدول الداعمة للإبادة الجماعية الإسرائيلية.
في الواقع، بعد قرار محكمة العدل الدولية أصبح من الممكن استخدام لغة مختلفة أكثر تفوقًا وأكثر إصرارًا ضد أمريكا، كما ظهرت مجالات جديدة للمناورات الدبلوماسية، فالاحتلال الإسرائيلي مذنب وفقًا للقيم والقوانين العالمية، وكل من يساعده متواطئ في هذه الجريمة الشنعاء ضد الإنسانية كلها متمثلة في غزة. وبطبيعة الحال، يجب علينا البدء باتخاذ ما يمكن من إجراءات بسهولة أكبر مثل وقف التجارة تمامًا وإيصال المساعدات الإنسانية بفعالية.