دولتان في مرمى الانفلات الصهيوني
بالقصف الجوي الإسرائيلي الذي تعرضت له القنصلية الإيرانية في دمشق الأسبوع الماضي، فإن هناك دولة جديدة تكون قد انضمت إلى ضحايا الانفلات الصهيوني الذي بدأ منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي في أعقاب العملية الشجاعة التي نفذتها حركة حماس.
وحسب مصادر رسمية إيرانية تحدثت لوسائل الإعلام، فإن القصف الجوي الصهيوني تسبّب في مقتل قياديَّين أحدهما أكبر مسؤول عسكري إيراني في سوريا، فضلًا عن عدد من الأفراد في صفوف الحرس الثوري الإيراني.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsثمن الطوفان.. هل انتصرت إسرائيل؟
وقف إطلاق النار.. ما الذي خسره الكيان؟!
اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وحرب بلا نهاية
وقال الحرس الثوري في أعقاب الهجوم الإسرائيلي إن 7 من أفراده بينهم العميد محمد رضا زاهدي والعميد محمد هادي حاجي رحيمي، قُتلوا في الضربة.
ووفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن حصيلة ضحايا الضربة التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق بلغت 16 قتيلًا.
في التهديد الإيراني بالرد على الاعتداء الصهيوني ما يشير إلى انتقال الحرب إلى مرحلة جديدة يبدو فيها التوسع والتمدد أمرًا غير مستبعد.
واستباقًا لأي رد عسكري إيراني، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية على لسان الرئيس جو بايدن التزامها الدائم بحماية أمن إسرائيل في مواجهة كل “التهديدات الإيرانية”، وأعلنت عن تعزيزات عسكرية في طريقها إلى منطقة الشرق الأوسط خوفًا من هجوم إيراني كبير وغير متوقع.
سعت أمريكا عبر وسطاء لإقناع إيران باللجوء إلى الدبلوماسية واستبعاد الرد العسكري على العدوان الإسرائيلي، ثم اختارت الضغط السياسي لتكون الضربة العسكرية الإيرانية -إذا حدثت- محدودة ولا تضع المنطقة كلها على فوهة بركان قد يجرها إلى حرب شاملة تفجّر الأوضاع لسنوات طويلة مقبلة.
بالانفلات الصهيوني المتواصل من كل قيد وعقل بدت إسرائيل لأول مرة في مرمى الاستهداف الإيراني المباشر، وهو الذي إن حدث ووصلت الصواريخ الإيرانية إلى الداخل الإسرائيلي فسيصبح الهجوم الأول لأحد الجيوش النظامية منذ صواريخ الرئيس الراحل صدام حسين عام 1991 في أعقاب الاحتلال العراقي للكويت.
بدواعي الخوف من رد عسكري إيراني كبير، دعت دول أوروبية عدة مواطنيها إلى مغادرة الأراضي المحتلة فورًا، والتوقف عن السفر إلى إيران ولبنان وفلسطين المحتلة، هذا الخوف الأوروبي بدا كاشفًا لإمكانية اشتعال المنطقة وانتقال الحرب إلى مساحات أخرى عبر دخول جيش نظامي كبير في المواجهة مع الاحتلال والإجرام الصهيوني والحكومة الفاشية المنفلتة هناك.
من إيران إلى مصر
في تصاعد التوتر بالمنطقة بين إيران والكيان المحتل، وباحتباس أنفاس العالم خشية توسع الحرب باشتراك إيراني مباشر، وفي اللحظة نفسها التي تجبر غطرسة القوة الصهيونية دولة كبيرة في المنطقة على الدخول في المواجهة المستمرة منذ سبعة أشهر، تمضي إسرائيل في خطتها المجنونة لدخول رفح الفلسطينية والقيام بعملية عسكرية واسعة هناك، وذلك رغم كل الضغوط والمخاوف العربية والغربية.
بالإصرار الصهيوني على هذه الحماقة، تصبح مصر هي الأخرى -بعد إيران- في مرمى الانفلات الصهيوني وفي مواجهة مع الكيان المحتل الذي يصر على خرق اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية التي تمنع دخول الجيش الصهيونى إلى المنطقة “ج” المنزوعة السلاح بنصوص الاتفاقية.
السلطة المصرية سبق وهددت على لسان مسؤولين “شبه رسميين” بتجميد الاتفاقية المُوقعة عام 1979 إذا أصر الكيان المحتل على الدخول بجيشه إلى رفح الفلسطينية، وإذا قرر عدم احترام الاتفاق الذي يُلزمه بموافقة مصرية صريحة قبل أي عملية عسكرية ولا سيما إذا كانت موسعة، مع ما يمكن أن يحدث من أضرار فادحة في صفوف أكثر من مليون نازح مدني فلسطيني.
في الانفلات الصهيوني تهديد مباشر للأمن القومي المصري، واعتداء سافر على السيادة والحدود، واستهتار وقح بدولة كبيرة لا يمكن تجاوزها تحت أي ظرف ووفق أي اعتبار.
منذ 7 أكتوبر الماضي، وفي غياب رد فعل عربي قوي يكبح جموح إسرائيل وانفلاتها، بدا السلوك الصهيوني يتعامل وكأنه فوق الدول والقانون والأخلاق، ولا يأبه بأي ضغوط أو قرارات مهما كان مصدرها.
وبدعم غربي شائن ووضيع منذ لحظة العدوان الأولى، لم يتوقف الكيان المحتل عن حماقاته التي وصلت إلى الاعتداء على سيادة دولتين كبيرتين في المنطقة، فقد ضربت القنصلية الإيرانية في دمشق دون تردد، والآن تسعى لانتهاك حدود مصر واتفاقية التسوية السياسية معها بلا ذرة من تفكير أو عقل.
الضعف العربي سبب الانفلات الصهيوني
في كل ما حدث ويحدث من إجرام صهيوني، كان الضعف والهوان العربي في التعاطي والتعامل مع العدوان منذ اللحظة الأولى هو المتسبب الأول، فلم يتخذ العرب موقفًا واحد يردع إسرائيل، ولم يتجاوز الرفض العربي لكل ما يحدث من بشاعات صهيونية حدود البيانات والشجب والإدانة، ولم تفكر دولة واحدة في مراجعة علاقاتها السياسية أو الاقتصادية مع إسرائيل، ولم يهدد العرب باستخدام سلاح البترول أو بتجميد اتفاقيات السلام، ولم تستطع الدول العربية مجتمعة كسر الحصار أو إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بدون التنسيق مع الاحتلال.
هذا الهوان العربي المرعب دفع الكيان المحتل إلى التمادي في غطرسته وانفلاته، واستكمال حرب الإبادة التي يشنها على الشعب الفلسطيني بلا رادع، وعلى طريقة المثل المصري الذي يتحدث عن “الفرعون” الذي واصل “فرعنته” دون أن يمنعه أحد.
وباستمرار الصمت العربي المخزي، ستواصل إسرائيل عدوانها بلا توقف، وستزيد من إرهابها وإجرامها ضد المدنيين الفلسطينيين، ولن تهتم بانتهاكاتها لحدود وسيادة دول كبرى في المنطقة، فما يعيد الكيان المحتل إلى رشده هو مواجهته فقط، تلك المواجهة التي ما زال بيد العرب دخولها عبر المعارك السياسية والقانونية، وعبر التهديد بقطع العلاقات وتجميد الاتفاقيات الدولية، وعبر ترك مساحات حرة وكبيرة للشعوب العربية للتعبير عن موقفها من العدوان بالتظاهر والاحتجاج، وإعلان دعمهم للشعب الفلسطيني ومقاومته، وعبر طرح أنفسهم قوة كبيرة ومؤثرة في مسار الأحداث، قوة فاعلة لا مفعولًا بها، تقود ولا تقاد، وهو أمر ليس صعبًا إذا امتلكت الأنظمة الرسمية إرادتها، وقررت لمرة واحدة مواجهة حرب إبادة هي الأبشع والأكثر انحطاطًا في التاريخ الحديث بأكمله.