غطاء “أممي” وعجز عربي

العرب يفرطون في الفرص بنجاح مذهل، ويعجزون عن الفعل بكيفية مدهشة، ويتغافلون عن كل ما هو مهم ومؤثر بشكل يحسدهم عليه العالم.
هذه حقائق يكشفها ويؤكدها الواقع المأساوي الذي نعيشه كل يوم.
اقرأ أيضا
list of 4 items“ماركات” تحت المجهر: من يصنع الثراء؟ ومن يبيعه؟
نهاية الإخوان!!
الحويني نسيج وحده 3/4 أبو إسحاق الحويني والشيخ المنشاوي في سوهاج
من محكمة العدل الدولية إلى مجلس الأمن الدولي حدث ولا حرج عن الأنظمة الرسمية التي تحكم عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج.
بقرار مجلس الأمن الصادر الأسبوع الماضي والداعي إلى وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة اتخذ الموقف العالمي من العدوان الصهيوني الهمجي منحنى جديدًا، وفي الوقت نفسه انكشفت من جديد قدرة الأنظمة العربية الرسمية على إضاعة فرص سياسية دولية مهمة يمكن أن تسهم في وقف حرب الإبادة، فقد سبق قرار مجلس الأمن حكم مهم من محكمة العدل الدولية في يناير الماضي أضاعه العرب أيضًا.
في حسابات السياسة وبعيدًا عن الضعف العربي الرسمي باتت حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني منذ نحو ستة أشهر مدانة بقرار دولي ملزم، ينقصه فقط ممارسة الضغوط السياسية العربية من أجل تنفيذه، ويعوزه الإرادة التي تضغط وتتحرك من أجل إحالته إلى واقع.
بلغة سياسية مراوغة وخبيثة طعنت الولايات المتحدة الأمريكية القرار الدولي بعد ساعات من صدوره، وقللت من تأثيره بعدما أرجأت على لسان مسؤوليها كل ما يتعلق بوقف العدوان إلى المفاوضات السياسية، وبعد أن ربطت تنفيذه بإطلاق سراح الأسرى الصهاينة لدى المقاومة الفلسطينية، شجعها في ذلك ما تعرفه عن مواقف الأنظمة العربية الرسمية الصامتة والضعيفة.
فرصة جديدة للأنظمة العربية:
في الجدل الدولي على وقف الحرب والالتزام بقرار المجلس الأممي لم ينتبه العرب -أو تغافلوا قاصدين- أن الولايات المتحدة باتت وحيدة وهي تحاول تأجيل التنفيذ، وانكشف بشكل أكبر موقفها الشائن في مواجهة دول العالم أجمع التي اقتنعت أخيرًا وبعد سقوط آلاف الشهداء والمصابين وتنامي الضغوط الشعبية القوية بأن الاحتلال قد تجاوز كل ما هو طبيعي، وأن استمرار الحرب لا يعني إلا مزيدًا من سقوط الضحايا الأبرياء والتوتر العالمي والإدانة الشعبية لقيادات الدول الغربية.
في القرار الأممي فرصة جديدة ومؤكدة للأنظمة العربية الرسمية الآن، لأن تصحح كل الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها منذ بدء العدوان، والضغط الجاد من أجل وقف حرب الإبادة بشكل كامل ونهائي، وفي الإجماع الدولي الذي ظهر في مجلس الأمن غطاء سياسي مهم لإدخال المساعدات الإنسانية بلا خوف من غضب إسرائيلي أمريكي، ومن خلال معبر رفح المصري.
حتى اللحظة الحالية اكتفت الأنظمة العربية الرسمية بالترحيب بالقرار الدولي دون السعي لتنفيذه، ولم تر دولة واحدة أن الوقت قد حان لجهد سياسي جديد يتخذ منه فرصة لإدخال المساعدات الإنسانية على الأقل، أو يزيد من الضغوط على الكيان المحتل باعتباره خارجًا عن الإجماع الدولي ومنتهكًا لقرارات مجلس الأمن وخارقًا للقوانين الدولية.
براعة العرب في إضاعة الغطاء الدولي:
قرار مجلس الأمن الأخير ليس هو الوحيد الذي تعاملت معه الأنظمة العربية الرسمية باستهتار يليق بمواقفها الخجولة والضعيفة منذ بداية حرب الإبادة، وببراعة تميزت بها في إضاعة الفرص والقرارات الدولية، فقد سبقه حكم مهم صدر من محكمة العدل الدولية، جددته منذ يومين، أدان إسرائيل بشكل واضح، وطالبها بالتوقف عن الإضرار بالمدنيين الفلسطينيين وبإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، و”بضمان توفير مساعدة إنسانية عاجلة لقطاع غزة دون تأخير، فضلًا عن اتخاذ الإجراءات الضرورية والفعالة لضمان إمدادات دون عراقيل ومساعدات إنسانية تشتد الحاجة لها، وقتها اكتفى العرب أيضًا بالترحيب بالحكم دون اتخاذه مستندًا دوليًا وقرينة أممية على حرب الإبادة، وأضاع الموقف المتخاذل زخمه العالمي، وانتهى الأمر وكأنه لم يكن أكثر من حكم رمزي لا حكم صدر عن محكمة دولية هي الأهم، وإدانة قانونية ملفتة لأول مرة خلال سنوات طويلة من الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية.
فبالتحرك السياسي الجاد كان يمكن أن يتحول حكم المحكمة إلى مؤشر جديد يبعث الأمل ويحيي الجهود السياسية العربية نحو مزيد من عزل الكيان الصهيوني المتعجرف، وبناء كتلة دولية داعمة للحق العربي والفلسطيني في التحرر من الاحتلال.
معركة سياسية قانونية مفتوحة:
أمام العرب ما يمحي كل ما مضى إذا قرروا الدخول في معركة سياسية قانونية مفتوحة وبغطاء دولي مع الدول التي تسعى لإجهاض قرار مجلس الأمن، وعلى رأسهم الإدارة الأمريكية، واعتبار إسرائيل قوة فوق القانون والعالم.
إرادة وقف العدوان هو ما يلزم العرب الآن، وفي استطاعتهم التحرك الدولي الفاعل والسريع متحصنين بقرار المجلس الدولي وحكم محكمة العدل لوقف العدوان وإدانة داعميه، والتأكيد أن إهدار الأحكام والقرارات الدولية هو تشكيك في النظام العالمي برمته، وفرض لقواعد القوة والعنف فوق نصوص القانون الدولي والمساواة المفترضين في التعامل مع الدول كلها.
قمة عربية واحدة الآن تصدر من القرارات ما يضع دول العالم أمام مسؤوليتها يمكن أن ينهي قاع المواقف الذي التحفت به الأنظمة بشكل غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، فليس مطلوبًا من أي دولة عربية أن تدخل إلى حرب عسكرية، بل فقط أن يتمسك الجميع بالقرارات الدولية، والسعي الجاد والسريع من أجل وقف العدوان، والحفاظ على حد أدنى من المواقف المخلصة والداعمة للملايين الذين يتعرضون لأبشع حرب إبادة في التاريخ الحديث.
الأنظمة الرسمية أمام اختبار تاريخي جديد بعدما سهلت القرارات الدولية من دورهم الذي تخاذلوا عنه طوال فترة العدوان، وفي الاختبارات المصيرية يكتب التاريخ كل شيء، ويشير إلى الجميع، ولا ينسى من صمد وقاوم، مثلما لن يغفر لمن تواطأ وتخاذل وباع القضية وأصحابها.
افتحوا المعابر وأدخلوا المساعدات الإنسانية، وتمسكوا بوقف العدوان فورًا استنادًا إلى قرارات وأحكام دولية لا تتكرر كثيرًا في الصراع العربي مع الاحتلال وداعميه.