لماذا لا يحتج طلاب الجامعات العربية؟

المظاهرات الداعمة لغزة تنتشر بين الجامعات الأمريكية
المظاهرات الداعمة لغزة تنتشر بين الجامعات الأمريكية (رويترز)

بعد أن كتب عبارات الشكر لطلاب الجامعات الأمريكية وخاصة جامعة كولومبيا على انتفاضتهم من أجل وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، فإن محمد حمد (43 عامًا) الذي تحدث إلى موقع “الجزيرة نت” تمنى أن يلتحق طلاب الجامعات في الدول العربية والإسلامية بركب زملائهم في أمريكا وأوروبا لتشكيل قوى ضغط كبيرة على الأنظمة من أجل إجبار الاحتلال الإسرائيلي على وقف المحرقة في غزة.

وبامتنان يقول تفكير حمد (44 عامًا) “كل حر ينتصر لنا يستحق أن نقول له: شكرًا، وصوت طلبة الجامعات الغربية وصل إلينا ومنحنا الأمل”، لكنه يتساءل دون أن يتوقع إجابة من أحد “هل سنسمع صوت الطلبة في جامعاتنا العربية والإسلامية؟”.

استجابات من بعيد

الحديث ذو شجون عن “صوت الطلبة” في الجامعات العربية، الذي يتمنى سماعه المنكوبون في غزة، فبينما تبلغ المسافة بين غزة ومقر جامعة كولومبيا في نيويورك أكثر من تسعة آلاف كيلومتر فإن الحراك الضاغط والاعتصام المفتوح بدأ هناك في المدينة التي تضم مقر “الأمم المتحدة” وليس في أي مدينة أو جامعة عربية بعضها يقع على “مرمى حجر” من غزة.

وفي مجتمع مدني ديناميكي يمتاز بالحيوية، وفي بيئة حاضنة للتنوع تقدس حرية التعبير وتحفظ استمراريتها دون قيود، يصبح طبيعيًّا أن يمثل طلاب الجامعات ركيزة في أي حراك مجتمعي هدفه تعديل سياسات، أو كبح جماح اتجاهات أو وقف انتهاكات أو حتى مجرد التعبير عن قضية تتواطأ مراكز القوى وجماعات الضغط (اللوبيات) المتصارعة في تغييبها وتشويه حقائقها لصالح رواية واحدة وسردية وحيدة.

مراكز للتنوير أم للتعبئة؟

ويبدو الفارق جليًّا بين الجامعات الغربية ونظيراتها العربية، إذ لا تبدو الأولى مجرد مراكز للتحصيل الدراسي الآلي أو لتعبئة سوق العمل بما يحتاج إليه، وإنما هي مواطن للتنوير والحداثة، واستقراء المستقبل، وحضانات للبحث العلمي بميزانيات قد تعادل ما تنفقه دولة عربية على مواطنيها في كل المجالات.

أما في العالم العربي، فقد أصبحت الجامعات مراكز تعبئة لتخريج الطلاب في تخصصات لا يحتاج إليها المجتمع وسوق العمل أو يعاني تخمة واضحة فيها في مقابل نقص ظاهر في تخصصات أخرى.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية نحو 3216 جامعة تحتل بها المرتبة الأولى عالميًّا في مؤشر جودة التعليم وفق تصنيف “شنغهاي”، كما توجد 42 جامعة أمريكية ضمن أفضل 200 جامعة في العالم مقابل 3 جامعات عربية فقط اثنتان في السعودية والثالثة في قطر وفق (تصنيف QS) الذي يحظى باحترام بين الأوساط العلمية لتعمقه في معايير التصنيف وعدم اعتماده على مظاهر سطحية.

كيف تجري السيطرة؟

أصبحت الجامعات العربية في عمومها أداة حكومية للسيطرة على شريحة المراهقين من الطلاب، وكذلك على توجهات الباحثين في مرحلة الدراسات العليا، وتستخدم السلطات كل الوسائل لتحقيق غايتها من “هندسة الانتخابات الطلابية” عن طريق استبعاد “العناصر الإثارية” وتزكية غير المغضوب عليهم من الأجهزة الأمنية أو التلاعب في النتائج أو توجيه النشاط الطلابي لصالح إبراز “الإنجازات الحكومية” في خط دعائي لا يجتذب عموم الطلاب.

وتتجلى مظاهر السيطرة أيضًا في تعيين عمداء الكليات ورؤساء الجامعات من الموالين، وكذلك التدخل في الانتخابات الداخلية بين أعضاء هيئة التدريس -إن وُجدت- والضغط من أجل تزكية أو انتخاب المرشحين المقبولين أمنيًّا.

وتبدو القبضة الأمنية على الجامعات ظاهرة في عموم العالم العربي، إذ لا بد من موافقات أمنية متعددة على تعيين معيد أو عضو بهيئة التدريس، ويمكن بسهولة استبعاد متفوقين وعلى قدر كبير من التميز بسبب اعتراضات أمنية مبنية على مشاركتهم في مظاهرات داخل الجامعة أو خارجها أو انخراطهم في أنشطة احتجاجية حتى لو كانت قبل دخولهم الجامعة.

ما بعد الجامعة

وتمتد آثار السيطرة الأمنية إلى مرحلة ما بعد الجامعة في معظم الدول العربية وخاصة بعد موجات العنف التي صحبت وصول تيارات دينية إلى الحكم في دول عربية عدة، وعقب الثورات والهبّات الشعبية التي شبت منذ مطلع عام 2011.

ولا يقتصر الأمر على فقدان الأفراد الناشطين فرصة التعيين في الجامعة أو في الوظائف الحكومية لكنه قد يمتد في بعض الدول إلى شركات القطاع الخاص التي تتجنب إغضاب السلطات عن طريق تعيين خريجين من أصحاب “الملفات الأمنية”.

الواقع العربي

يبدو التفاوت واضحًا في موقف الدول العربية من الانخراط الكامل والجزئي إلى الاكتفاء بالمراقبة لتفاصيل القضية الفلسطينية وآثار العدوان الصهيوني على غزة، إلا أن موجات الغضب التي جرى التعبير عنها في بعض الشوارع والجامعات العربية تمت بعد موافقات أمنية وبشروط صارمة تجعلها أقرب إلى تجربة في معمل يجري ضبط أدواتها وموادها بدقة بالغة حتى يمكن التحكم في نتائجها.

ويبدو الاتساق واضحًا بين مواقف الحكومات والجامعات العربية، إذ اقتصر الأمر على بيانات التنديد التقليدية وجمع المساعدات بوتيرة أقل مما يجب ويحتاج إليه الفلسطينيون.

الشرطة هنا وهناك

وبينما تصاعد الغضب في جامعة كولومبيا الأمريكية بعد قرار الإدارة استدعاء الشرطة لمواجهة الطلاب المحتجين في ساحة الجامعة واعتقال العشرات، فإن الشرطة في عالمنا العربي كانت تتولى حراسة وحماية التجمعات المحدودة التي أرادت التعبير عن غضبها مما يجري في غزة، ليس بالطبع إيمانًا بحرية التعبير ولكن خوفًا من تطورها إلى غضب يخرج عن السيطرة لأسباب داخلية مرتبطة أكثر بأوضاع اقتصادية خانقة لا علاقة لها بما يجري في غزة.

مقارنات

تعتمد ميزانيات الجامعات العربية الحكومية على دعم الدولة أولًا بينما تعتمد الجامعات الخاصة على المصروفات الدراسية، ويبلغ عدد الجامعات في الدول العربية 581 حيث تضم مصر 70 جامعة تليها السعودية 65 ثم الجزائر والعراق 56 لكل منهما. وفي مصر الدولة التي تضم أكبر عدد من الجامعات، ستُرفع مخصصات قطاع التعليم في عام 2024 إلى 858.3 مليار جنيه بمعدل زيادة 45% كما ستُرفع مخصصات البحث العلمي إلى أكثر من 139.5 مليار جنيه بمعدل زيادة 40.1%، وفق تصريح منشور لوزير المالية محمد معيط.

وبينما حصلت ميزانية وزارة التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية على زيادة تمويلية بنسبة 40.8% مما رفع موازنتها إلى 102.8 مليار دولار خلال عام 2022، إلا أن الزيادة في المخصصات للتعليم في مصر لا تعبّر عن إيمان مفاجئ بأهمية التعليم أو البحث العلمي، وإنما يرجع السبب إلى انخفاض قيمة العملة المصرية من 30 جنيهًا للدولار إلى 48 بعد تحرير سعر الصرف.

 لماذا؟

تتنوع مصادر تمويل مؤسسات التعليم العالي في الولايات المتحدة بين الحكومة والمِنَح والتبرعات، إضافة إلى الرسوم الدراسية التي تشكل القسم الأكبر من مصادر تمويل الجامعات، لكنها تفي بأقل من نصف التزاماتها المالية فقط، وفق بيانات الاتحاد الوطني لأعمال الجامعات والكليات الأمريكية.

ويؤشر الاعتماد على المصروفات الدراسية في أمريكا بشكل أساسي إلى أهمية سمعة أي جامعة بين طلابها، وما إذا كانت تدعم حرية التعبير أم تضع العراقيل أمام ممارستها، وفي مقابل ذلك فإن السيطرة المالية إلى جانب الأمنية على الجامعات العربية ربما تفسر لمحمد وتفكير ساكنَي خيام النازحين في رفح لماذا لم يسمعا حتى الآن صوت الجامعات العربية؟ ولماذا إذا سمعاه فسوف يكون خفيضًا يكاد يحتاج جهدًا في الإنصات إليه؟

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان