صلاح السعدني.. عمدة الدراما!
لم يكن لقب عمدة الدراما المصرية تعبيراً مجازياً عن رحلة الفنان المصري صلاح السعدني بعد أدائه المبهر لشحصية العمدة في أيقونة الدراما المصرية في عصرها الذهبي: ليالي الحلمية بأجزائه الخمسة، التي قدمت على مدار سبع سنوات وصلت خلالها الدراما المصرية قمتها عبر الإنتاج التليفزيوني في تسعينيات القرن العشرين.
اللقب المقترن بصلاح السعدني هو تعبير عن تاريخ هذا الفنان الذي بدأ عمله التليفزيوني الأول في عام ميلاد التليفزيون المصري 1960، واستمر لمدة 53 عاما حتى آخر أعماله الدرامية “القاصرات” في عام 2013.
اقرأ أيضا
list of 4 items“نعيم قاسم” و”أبو عبيدة”.. هل تعافى حزب الله؟
لهذه الأسباب.. لا ترد سوريا!
«المقاطعة» تكشف هشاشة دعم الشركات لإسرائيل
رحلة تستطيع أن ترى فيها الدراما المصرية منذ بدايتها وحتى الآن، اعتزل السعدني في ذلك العام تاركا الساحة الدرامية بعد أن شعر أن الطريق قد تغير بالأعمال الدرامية.
11 عاما جلس الفنان صاحب التاريخ الأكبر الأعمال التليفزيونية (ما يقارب 70 عملا) في منزله ولا يقترب منها مفضلا أن يحتفظ بتاريخه الفني نظيفا وبعيدا عن القيل والقال.
العمدة سليمان وحسن أرابيسك
صلاح السعدني أو سليمان غانم، حسن أرابيسك، نصر وهدان القط في حلم الجنوبي، أمين في أبواب المدينة، وغيره من الأسماء التي تركت أثرا لدى الجماهير، رحلته هي رحلة تألق الدراما التليفزيونية، وصمتها عن التعبير، فقد بدأ مع بداية الإنتاج الدرامي في الستينيات في تلك الأعمال التى تقدم على الهواء في بث مباشر.
في تلك الفترة شارك السعدني في الكثير من الأعمال الدرامية الإذاعية أكثر من 8 أعمال حيث كانت الإذاعة المصرية تشارك البث التليفزيوني الوليد شعبية الدراما المصرية، ولم ينس السعدني طوال تاريخه الدراما الإذاعية فقدم حوالي 22 عملا كان آخرها “أنا والحبيب” في 2010 وهو الوحيد من أبناء جيله الذي حرص على هذا الارتباط.
شهدت بداية الثمانينيات انطلاقة تليفزيونية للسعدني بدأها بمسلسل أبواب المدينة بجزئيه الأول والثاني، وهو المسلسل الذي شهد انطلاقة كاتب الدراما التليفزيونية الأول أسامة أنور عكاشة مع المخرج الراحل فخر الدين صلاح، وقبله كان أبنائي الأعزاء شكرا مع عبد المنعم مدبولي، ثم بدأت رحلة توهج الدراما التليفزيونية المصرية من منتصف الثمانينيات حتى نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
استطاع صلاح السعدني بدءا من 1968 وحتى بداية الثمانينيات أن ينتشر في الأعمال السينمائية وخاصة في الفترة التي خرج فيها شقيقة الأكبر الكاتب الكبير محمود السعدني من مصر لمعارضته الرئيس المصري أنور السادات الصلح مع الكيان الصهيوني، فدفع السعدني بعضا من فاتورة الولد الشقي، وقد قدم السعدني للسينما المصرية ما يقارب 63 عملا، بدأها في شياطين الليل مع فريد شوقي 1966، وكان آخر أفلامه: كونشرتو درب سعادة مع المخرجة أسماء البكري 1998.
أدوار صغيرة متألقة
المتابع لأعمال صلاح السعدني السينمائية الأولى سيجد أنه لم يكن من المهتمين بالمساحة بقدر اهتمامه بطبيعة العمل وقيمته، فصلاح السعدني في تقييم شقيقه محمود السعدني هو الممثل المثقف مقارنة بعادل إمام وسعيد صالح. وفي عام 1970 ظهر صلاح السعدني في فيلم الأرض عن قصة عبد الرحمن الشرقاوي وإخراج يوسف شاهين في دور علوان.
علوان هو الفلاح الذي لا ينتمي لأسرة، لا يملك أرضا زراعية، يقضي أيامه ولياليه في وحدة الفقد، يعوض فقره ويتمه بالانتماء للفلاحين في ثورتهم ضد الإقطاع والحكومة، ولأنه بلا سند فقد يُتهم في جريمة قتل. كان حضور السعدني رغم حجم الدور الصغير ملفتا، وقد شارك أيضا السعدني مع شاهين في فيلمين من أعماله وكان العمل الثاني اليوم السادس.
قدم صلاح السعدني مشهدا واحدا في فيلم طائر الليل الحزين تأليف وحيد حامد وإخراج يحيى العلمي أمام محمود مرسي حيث قدم دور مسجون سياسي يجبره أحد مراكز القوى على الاعتراف بجريمة قتل تحت التعذيب، وعلى الطريق سنتابع تألق السعدني في أغنية على الممر، العمر لحظة، وتألقه في أداء أدوار ذات مساحة متوسطة بجدية وأداء تمثيلي عال.
في مشوار السعدني السينمائي أعمال كثيرة متميزة من أبرزها فيلم: الغول مع عادل إمام، تاليف وحيد حامد، وإخراج سمير سيف في درو وكيل النيابة الذي يحاول إبراز الحقيقة ولكنه يعجز عن ذلك في مواجهة فهمي الكاشف، الذي أداه الفنان الكبير فريد شوقي، وقد قدم صلاح السعدني مع فريد شوقي العديد من الأفلام مثل: الغول، قضية عم أحمد، فتوة الناس الغلابة، والموظفون في الأرض.
ثلاثة أعمال سينمائية
الدراما التليفزيونية كانت المساحة التي لعب فيها السعدني براحة وتألق خاصة في فترة الثمانينيات والتسعينيات التي قدم فيها مسلسلات: أديب، عصر الحب، سفر الأحلام، والجوارح، ثم مع ليالي الحلمية بدأ عصر العمدة صلاح السعدني.
لمدة خمسة مواسم رمضانية كان صراع العمدة سليمان غانم ابن القرية الذي ينافس سليم البدري سليل الباشوات يربط المشاهدين من العام للعام.
فيلم المراكبي واحد من الأعمال السينمائية التي قدم فيها السعدني دورا متميزا، فهذا المراكبي الذي عاش حياته في مركب في النيل، لا يخرج من مركبه ولا يتعامل مع المدينة، وتضطره الظروف للخروج إلى المدينة لكي يلحق ابنه بالمدرسة، ويكتشف عم أحمد أنه بلا بطاقة هوية، وابنه بلا شهادة ميلاد، وتبدأ رحلة إثبات الوجود.
بين هوية عم أحمد في المراكبي عن قصة أحمد عوض، وهوية مصر في أربيسك لأسامة أنور عكاشة علاقة ممتدة، فوجود الإنسان يبدأ بوثيقة هويته، وجذوره وانتمائه الإنساني يبدأ بالجذور عربية، إسلامية، وهنا يلتقي صلاح السعدني مع أسماء البكري في فيلمها الذي لم يحقق نجاحا كبيرا جماهيريا كعادة الأفلام الجادة “كونشرتو درب سعادة”.
عالم مزيف وملك فالصو
قدم صلاح السعدني مع أسماء البكرى فيلمهما الأول: شحاذون ونبلاء في 1991، شخصية جوهر والاسم معبر، إذ يكتشف أستاذ جامعي زيف العالم الذي يصارع من أجل السيطرة على ثروات العالم، ويتناول الفيلم فترة الحرب العالمية الثانية، وتمزيق الأمة العربية، وكذلك قصف الولايات المتحدة لليابان بقنبلتين ذريتين، ويكتشف الأستاذ الجامعي أن جوهر الحياة في بساطة هؤلاء الذين يعيشون برضا على هامش الحياة، يتمتعون بالبساطة والرضا، فيعتزل الدكتور جوهر العالم المزيف ويعيش وسط هؤلاء البسطاء.
مشوار السعدني المليء بالأعمال الدرامية سينما، تليفزيون، إذاعة، ومسرح ما يقارب 205 أعمالا، منهم 20 عملا مسرحيا، ولا ننسى منها مسرحية الدخان لميخائيل رومان، البحر بيضحك ليه، العمر لحظة، باللو، اتنين في قفة، أما دور السعدني في مسرحية الملك هو الملك المواطن البسيط الذي يصبح في لحظة مجنونة للملك هو الملك، وتحت ملابس الملك وكونه على الكرسي يصبح أبو عزة المسطول هو الملك، المسرحية عن نص الكاتب السوري الكبير سعد الله ونوس، وإخراج مراد منير.
مشوار صلاح السعدني خلال نصف قرن من الدراما هو تعبير عن حالة الدراما المصرية سواء في التليفزيون، أو السينما، فهو مشوار محطات الصعود وسنوات الاهتزاز والتردد، صعود سينما ودراما الكوميديا الهزلية، ثم ظهور جيل السينما الواقعية، والدراما التليفزيونية الجادة، وفي نهاية الرحلة كان الاحتجاب والانزواء بعيدا عن دراما فقدت بريقها.