عقدة “تايوان” تلاحق الصين بــ “دولة فلسطين”!
تبذل الصين جهودا مكثفة لتحقيق اختراق في العلاقة بين الفصائل الفلسطينية، رغم عدم اعترافها رسميا بحماس. فإن المفاوضات التي أجريت بين فتح وحماس في بيجين مطلع الشهر الجاري، تحت رعاية مباشرة من الرئيس شي جينبينغ، ووانغ يي وزير الخارجية والمسؤول بالحزب الشيوعي الحاكم عن وضع استراتيجية علاقات الصين بالعالم، منحت اللقاءات التي يجريها المسؤولون الصينيون مع الفصائل زخما دبلوماسيا وإعلاميا واسعا.
لا يفصح المسؤولون عن أهمية ونطاق الاختراق الذي حققوه بين الطرفين، فقد اكتفى لياو تشيانغ سفير الصين بالقاهرة، في لقائنا معه الأسبوع الماضي، بقوله إن “النتائج إيجابية” وسوف تظهر آثارها الإيجابية قريبا”.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالحرب مستمرة والعالم سيتغير حتما!
عام على الطوفان.. ولا يزال هناك المزيد
عندما تحدث «الملثم» بعد غياب!
تبدي الصين اهتماما بضرورة وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، وتوظف الدعم الأمريكي والغربي غير المحدود بالمال والسلاح للأعمال الإجرامية التي يقوم بها جنود الاحتلال، لتشويه سمعتهم بفضح ممارساته غير الأخلاقية.
دولة منزوعة القرار
تقوض الصين صورة الغرب الداعي للديمقراطية وحقوق الإنسان، دون قدرتها على وقف حرب الإبادة الجماعية ضد النساء والأطفال والمدنيين في غزة،. وبينما تصيب تلك الفضائح حليفتهم إسرائيل بمقتل، تسير الصين ببطء نحو بناء عالم جديد، قائم على تقويض مصداقية واشنطن والغرب دون هدم النظام الدولي، ودفع إسرائيل نحو حل الدولتين، لإعادة الاستقرار للمنطقة.
كان ملفتا أن تقود الصين عمليات المصالحة بين فتح وحماس بالتزامن مع انعقاد جلسات التصويت بالأمم المتحدة التي سلبت حق فلسطين في العضوية الكاملة بهيئة الأمم المتحدة.
منح القرار الصادر الجمعة 10 مايو الجاري -بأغلبية كاسحة- فلسطين “الحق في التحدث عن جميع القضايا التي تطرحها الجمعية العامة، والقدرة على اقتراح بنود جدول الأعمال والمشاركة في المناقشة والجلوس في لجان الأمم المتحدة، وحضور مؤتمراتها”، مع ذلك لم تمنح فلسطين” الحق في التصويت في الجمعية العامة”.
استبعد النص النهائي الصياغة التي كانت ستضع فلسطين ” على قدم المساواة، مع الدول الأعضاء تحت ضغط اللوبي اليهودي والفيتو الأمريكي.
وسط معارضة بعض الدول الأوروبية، سمحت الولايات المتحدة بتمرير القرار بهذه الصيغة، دون استخدام حق الفيتو، بدعم من الصين وروسيا، اللذين رأيا أن قبول فلسطين كان “على أساس استثنائي ودون وضع سابقة” وهي صيغة رآها ممثلو الدول، مناسبة لاسترضاء مخاوف الصين وروسيا من أن الاعتراف بدولة فلسطين يمهد الطريق لكل من” تايوان” و” كوسوفا” للانضمام أيضا لعضوية الأمم المتحدة.
بين تايوان والصين الأم
ترفض الصين السماح لأي دولة أن تعترف باستقلال تايوان وتضع المطبعين معها بخانة الأعداء. ولقد حصلت على وثيقة رسمية من الجامعة العربية تظهر اعترافا عربيا جماعيا منذ عقود، بوحدة الأراضي الصينية، وتبعية جزيرة تايوان للدولة الأم، دفعت مصر إلى إلغاء علاقاتها الرسمية مع تايوان منذ عام 1994.
هذا الاعتراف توظفه الصين بالجمعية العامة للأمم المتحدة، في مواجهة الضغوط الأمريكية والغربية التي تحاول التلاعب بدعم تايوان بالسلاح ودعوة سكانها للاستقلال عن الوطن الأم والابتعاد عن الصين تماما.
توظف روسيا إرثها الإمبراطوري، باعتبارها دولة حارسة للكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، في دعم صربيا ودول الاتحاد اليوغسلافي السابق، وتدفع بالصين وحلفائها حول العالم من بينهم أغلب الدول العربية بعدم الاعتراف باستقلال دولة كوسوفا التي تسكنها غالبية مسلمة.
هذا التحالف أظهره الرئيس شي جينبينغ عند زيارته لمدينة براغ عاصمة صربيا الأسبوع الماضي، مشددا على دعمه لموقفها أثناء الحرب -التي كانت تشنها ضد المسلمين- تسعينيات القرن الماضي. يتذكر ” شي” الصواريخ الأمريكية التي أطلقت على مقر السفارة الصينية ببلغراد فقتلت 5 دبلوماسيين وفجرت المبني، ونسي آلاف الضحايا ممن ذبحهم جنود الصرب في مجازر إبادة جماعية، بعد اغتصاب النساء وقتل الرجال والأطفال أمام ذويهم. يتذكر “شي” أن “كوسوفا” الجيب المتبقي من المسلمين الألبان بالمدن السلافية، نشأ بقرار من الاتحاد الأوربي وبدعم أمريكي، ولا يهتم بأن ما خلفته المجازر ضد مسلمي البوسنة والهرسك خاصة سربرنيتشا البشعة، جاءت على غرار ما يرتكبه الإسرائيليون من مذابح بغزة، فأدت إلى سقوط نحو 35 ألف شهيد جلهم من الأطفال والنساء وتشريد مليوني إنسان وتدمير 150 ألف مبني مدني وسحق المستشفيات والمدارس والجامعات تماما.
الغزل الصيني – الأمريكي
تمشي بيجين على حبل مشدود بين العرب وإسرائيل والغرب، وتعلم أن دعمها للقضية الفلسطينية يعزز سمعتها بين الشعوب، وتدعم الأنظمة الاستبدادية التي تحاول الفكاك من الهيمنة الأمريكية على قراراتها وأموالهما وخلخلة أنظمتهما، بينما عيونها على إسرائيل وأمريكا.
تحرص على عدم تصعيد الخلافات مع واشنطن، والمساس بدورها بالمنطقة، رغم نشوب حرب باردة بين الطرفين، مع ربط نفسها بتل أبيب، كــ” شريك صغير مثالي” كما يسميه رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو، لتأمين حاجتها للتكنولوجيا والصناعات العسكرية التي تحجبها عنها واشنطن وحلفائها.
لذا خرج قرار الأمم المتحدة بلغة مخففة حتى لا يدفع واشنطن إلى قطع الدعم عن الأمم المتحدة ومنظماتها، ودون أن يثير مشاكل مع إسرائيل الذي وصفته بأنه ” لن يغير أي شيء على الأرض” في غزة. يتعارض القرار مع الدور الأكبر الذي يمكن أن تلعبه الصين في حل الصراعات الدولية الكبرى، وبما يتناسب مع مكانتها وثقة الشعوب بقدرتها على تغيير نظام دولي انهارت فيه قوانين الحرب والحماية الإنسانية، التي أنشأتها الولايات المتحدة وحلفائها بعد قتل 30 مليون مدني في الحرب العالمية الثانية.
تحالف أحمر وأسود
التحديات الهائلة التي تواجه المنطقة، تزداد معها وتيرة ثقة الدول العربية بقدرة الصين على القيام بدور وسيط قوي مفضل ودور أساسي في إقرار السلام القائم على العدل واسترداد حقوق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة.
هذا الأمر لن يتحقق بالدعم الإعلامي أو تصريحات رنانة، يتبعها تصرفات من تحت الطاولة مع إسرائيل والولايات المتحدة، لا سيما أن اللوبي الصهيوني يقود حاليا تيارا يمينيا يتغذى بالغرب على موجة من الفاشية الجديدة.
ينظر هؤلاء إلى المسلمين والمنتمين إلى اليسار عامة على أنهما عدو خبيث يستهدف القيم الليبرالية الغربية. يضعون الإسلاميين والماركسيين” في “تحالف أحمر وأسود”، يتهمونه بتأجيج المظاهرات الطلابية المتصاعدة بالغرب، المنددة بالجرائم الوحشية الإسرائيلية- الأمريكية ضد الأبرياء في غزة.