استفادة محدودة للمواطن بالموازنة المصرية الضخمة
وصل الإنفاق بموازنة الحكومية المصرية بالعام المالي المقبل 2024-2025 والذي يبدأ مطلع يوليو/ تموز 5.5 تريليونات جنيه، لكن الواقع العملى لبنود ذلك الإنفاق يشير الى استفادة محدودة للمواطن البسيط من تلك الموازنة الضخمة، والتى يتم وضعها فى كل بلدان العالم من أجل تحسين مستوى معيشته.
فالموازنة المصرية الكبيرة لن تسهم فى تحسين مستوى معيشة المواطن المصري المطحون، رغم تأكيد وزير المالية خلال عرضه لها بالبرلمان على أنها تستهدف تحسين مستوى المعيشة، وتلبية الاحتياجات التنموية وتخفيف الأعباء عن كاهلهم، لكن الوعود الحكومية شيء والواقع شيء آخر، وهو ما سوف يكتشفه القارىء بنفسه من خلال استعراض أبواب الإنفاق الثمانية بتلك الموازنة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsكان ناصرياً في زمن ما..!
في لبنان انقلب السحر على الساحر
ضجيج بالفناء الخلفي للبنان لا ينتظر نهاية الحرب
– الباب الأول- الأجور: 575 مليار جنيه وهي تمثل أجور ومكافآت وبدلات الموظفين العاملين بالجهات الحكومية، من وزارات وهيئات خدمية ودوواين عموم المحافظات ومديريات خدمية بالمحافظات، وإجمالي عددهم 4.5 ملايين شخص، بينما يبلغ اجمالي عدد المشتغلين بمصر 29 مليون مشتغل.
- الباب الثانى – شراء مستلزمات الجهات الحكومية: 167 مليار جنيه توجه لمستلزمات إدارة العمل اليومى بالجهات الحكومية، من أدوات كتابية ونفقات طباعة وقطع غيار ومهمات، ووقود وزيوت لسيارات الركوب بها، ونفقات إنارة تلك الأماكن ومياه الشرب بها والنقل والانتقالات ونفقات البريد والاتصالات، والأدوية والأغذية والصيانة وحتى نفقات تنفيذ الأحكام القضائية عليها.
- الباب الثالث – فوائد الدين الحكومي: 1834 مليار جنيه، وهو أكبر مكون بنفاقات الموازنة، وتتجه تلك المبالغ إلى الجهات المقرضة للحكومة من بنوك وهيئات محلية ودولية، قامت بشراء أذون وسندات الخزانة التى أصدرتها الحكومة لسداد العجز بالموازنة أو أقرضتها لنفس الغرض.
- الباب الرابع – الدعم: 636 مليار جنيه، وهنا يتفاخر مسؤولو الحكومة بهذا الرقم كنوع من المن السنوي على المواطنين، إلا أن هذا الرقم لا يصل منه للمواطن سوى جزء محدود بينما يتجه معظمه لجهات أخرى حكومية، حيث قامت وزارة المالية بتضمين الرقم (143 مليار جنيه) تمثل القسط السنوى النقدى لدينها لهيئة التأمين الاجتماعي، وكذلك (154 مليار جنيه) لهيئة البترول بدعوى دعم المشتقات البترولية، و(23 مليار جنيه) لرجال الأعمال تحت مسمى دعم الصادرات، و(12 مليار جنيه) لصندوق الإسكان الاجتماعي.
نوادى الشرطة تستفيد من الدعم
وهكذا تتعدد الجهات التى تحصل على نصيب من مخصصات الدعم بداية من الأندية الاجتماعية للعاملين بوزارة المالية، والأندية الاجتماعية لرجال الشرطة، وشركات إنتاج الكهرباء وشركات مياه الشرب وهيئة السكة الحديد، وهيئة الإنتاج الحربي وشركات توصيل الغاز الطبيعى وغيرها، ويتبقى للفقراء 40 مليار جنيه تمثل نسبة 6% من مخصصات الدعم تتجه لمعاشات تكافل وكرامة والضمان الاجتماعي، وللمواطن البسيط 134 مليار جنيه تمثل الدعم الغذائى من خبز مدعم وسلع للبطاقات التموينية.
- الباب الخامس – المصروفات الأخرى للجيش والجهات السيادية: 162 مليار جنيه تتجه معظمها للقوات المسلحة، إلى جانب بعض الجهات الرسمية كمجلس النواب ومجلس الشيوخ.
- الباب السادس – الاستثمارات الحكومية: 496 مليار جنيه وتتجه للمبانى السكنية وغير السكنية والتشييدات، والآلات والمعدات والتجهيزات ووسائل النقل وشراء الأراضي، والأبحاث والدراسات للمشروعات الحكومية وتعويضات المقاولين عن فروق التكلفة.
- الباب السابع – علاج الشركات والشركات المتعثرة: 65 مليار جنيه وتتجه لمساندة الهيئات والشركات المتعثرة والخاسرة، كالهيئة الوطنية للإعلام وهيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء وصندوق التنمية الحضرية، والمتحف المصري الكبير وهيئة الأنفاق وهيئة الطاقة الجديدة ووكالة الفضاء المصرية، والشركة القابضة للغزل والنسيج والشركة القابضة لكهرباء مصر، والشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي وشركات الإنتاج الحربي.
- الباب الثامن – سداد أقساط ديون الحكومية: 1606 مليارات جنيه وتتجه إلى الجهات المُقرضة للحكومة من بنوك وهيئات محلية ودولية.
وهكذا يتبين أن الاستفادة الواضحة للمواطن البسيط كانت بالباب الرابع الخاص بالدعم، بينما قلت استفادته من باقى الأبواب وانعدمت استفادته من بابى فوائد وأقساط الدين الحكومى واللذين يمثلان معا نسبة 62% من الإنفاق بالموازنة.
إلا أن الإستفادة من باب الدعم ليست كبيرة أيضا، فإذا كانت الاستفادة من الدعم الغذائى تصل إلى 134 مليار جنيه فإن تلك القيمة تمثل نسبة 2.4% من مجمل الإنفاق بالموازنة، لكنها تفيد حوالي 70 مليون مواطن يحصلون على رغيف الخبز المدعم، و62 مليون مواطن يحصلون على سلع البطاقات التموينية المدعمة، مع الأخذ بالاعتبار أن مخصصات سلع البطاقات التموينية قد بلغت 36 مليار جنيه فقط، وهي قيمة تكاد تكون ثابته منذ ست سنوات متتالية، بل إن تلك القيمة كانت أكبر قبل ست سنوات.
خفض كميات سلع البطاقات التموينية
وهنا يثور السؤال كيف ظلت تكلفة دعم سلع البطاقات التموينية شبه ثابته خلال تلك السنوات، والتي شهدت آثار الحرب الروسية الأوكرانية على أسعار السلع عالميا، وما تلاها من موجة غلاء عالمى وانخفاض سعر صرف الجنيه المصرى أمام الدولار الأمريكي، وكان الحل الحكومى هو تحريك أسعار السلع التموينية بين الحين والآخر، والذي نجم عنه انخفاض الكميات التى يحصل عليها المواطن من تلك السلع، بما له من تأثير سلبي على الحالة الغذائية للفقراء.
وفيما يخص معاشات الفقراء والمسماه تكافل وكرامة والضمان الاجتماعي، فقد ظل مجال الاستفادة منها غير متاح لكل الفقراء لسنوات طويلة، وهاهو عدد المستفيدين منها يصل الى 4.7 ملايين شخص حتى منتصف الشهر الماضي، بينما يصل عدد الفقراء حسب النسبة الرسمية المعلنة أوائل عام 2020 والبالغة 29.7 % من السكان، نحو 31 مليون شخص.
كما قامت الحكومة بتثبيت قيمة تلك المعاشات منذ إبريل / نيسان 2014 وحتى أبريل/نيسان 2023، ورغم حدوث ثلاث زيادات بتلك المعاشات خلال العامين الأخيرين، فإن قيمة تلك المعاشات ما زالت أقل من خط الفقر المحدد رسميا أوائل عام 2020.
فمعاش التضامن الاجتماعى للفرد بلغ بعد الزيادات الثلاثة 535 جنيها، وللأسرة المكونة من أربعة أفراد فأكثر 745 جنيها، كما بلغ معاش تكافل للأسرة 736 جنيها ومعاش كرامة 708 جنيهات، فى حين كان خط الفقر أوائل عام 2020 نحو 857 جنيها، وذلك قبل آثار كورونا على الأسعار وما تلاها من آثار الحرب الروسية، وموجة الغلاء العالمي وتراجع سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، وهو ما يعنى أنها معاشات لا تُخرج الحاصلين عليها من حالة الفقر.
وربما يستشهد البعض بما ذكره وزير المالية من مخصصات كبيرة للصحة والتعليم بالموازنة الجديدة، لكن هذه مغالطة سنوية متكررة من قبل وزير المالية، كى يزعم أن المخصصات قد تجاوبت مع المقررات الدستورية، حيث زعم أن مخصصات الصحة قد بلغت 496 مليار جنيه، بما يحقق النص الدستورى ببلوغ مخصصات الصحة نسبة 3% من الناتج القومي، لكن الرقم الحقيقي والرسمي لمخصصات الصحة والوارد بالبيان المالى للموازنة الجديدة 200 مليار جنيه فقط، وهو ما يمثل نسبة 1.2% من الناتج المحلى..
وهو ما تكرر مع مخصصات التعليم شاملا التعليم الجامعي وقبل الجامعي، حين ذكر الوزير أنها 858 مليار جنيه، بينما الرقم الحقيقي لها بالموازنة 295 مليار جنيه تمثل نسبة 1.8% من الناتج المحلى، بينما يتطلب النص الدستورى منذ عام 2014 بلوغها 6%.
والنتيجة لضعف استفادة المواطن من الموازنة، تتضمن تناقص كميات مقررات سلع البطاقات التمويينة تدريجيا، واستمرار شراء أسر المرضى مستلزمات العلاج على نفتهم الخاصة لعدم توافرها بالمستشفيات الحكومية، واستفحال ظاهرة الدروس الخصوصية، وتدبير المواطنين المستلزمات الورقية عند طلب استخراج شهادات من جهات حكومية وتوصيل ونقل مندوبي تلك الجهات الحكومية على نفقة المواطنين، وزيادة معدلات الفقر والتى تتباطأ الحكومة فى إعلانها منذ فترة حتى لا تؤثر على صورة الجمهورية الجديدة!