“طالبان” ومعضلة الاعتراف الدولي
منذ نجاحها في طرد الاحتلال الأمريكي وتولي مقاليد السلطة في أفغانستان منتصف أغسطس/أب 2021 ظلت حكومة طالبان تحت حصار دولي، وعدم اعتراف رسمي بها حتى الآن، لكن خلال الشهور الأخيرة وفي ظل التغيرات الدولية بدت في الأفق مساعي من بعض الدول للاعتراف بحكم الحركة التي تبسط سيطرتها على أفغانستان فعليا.
يمكننا في هذا الإطار أن نرصد تحركات روسية وتركية للاقتراب من هذا الاعتراف، في ظل زيارات وفود رسمية متبادلة، ناقشت العديد من القضايا الثنائية وكان أبرزها مسألة الاعتراف الرسمي.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsينتقمون لخسائر الحرب بالمذابح والاغتيال
عن الصواريخ الإيرانية وما بعدها
كلمات وقنابل: كيف تبرر وسائل الإعلام الغربية الجرائم الإسرائيلية ضد الإنسانية؟!
قبل أيام التقى وفد تركي من دائرة الهجرة مسؤولين من حكومة طالبان لبحث مواجهة الهجرة غير الشرعية، لم يكن هذا اللقاء هو الأول أو الأرفع من نوعه، بل سبقه لقاءات مع وزير الخارجية السابق مولود شاووش أوغلو، والحالي هاكان فيدان، بل إن وزير خارجية طالبان أمير خان متقي التقى الرئيس التركي أردوغان على هامش منتدى أنطاليا (مارس 2022)، كما التقى وزراء خارجية عدد من الدول الأخرى المشاركين في المنتدى.
وحرصت تركيا مبكرا على إدماج حكومة طالبان في المجتمع الدولي، لكن تشدد الحركة في بعض القضايا السياسية والاجتماعية حال دون ذلك حتى الآن.
روسيا تراجع موقفها
روسيا التي صنفت الحركة “إرهابية” منذ العام 2003، تراجع الآن موقفها حيث أعلن نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف أمس الثلاثاء (28 مايو/أيار 2024) أن بلاده كانت تعتبر حركة طالبان إرهابية في بداية القرن الحادي والعشرين في إطار موقف دولي لمحاربة التطرف، لكن الوضع مختلف الآن إذ عادت طالبان إلى السلطة ونحن قريبون جدا من إقامة علاقات كاملة معها”.
وكخطوة عملية في هذا الاتجاه أعلن الممثل الخاص للرئيس الروسي لأفغانستان، زامير كابولوف أن وزارتي العدل والخارجية الروسيتين اقترحتا على الكرملين رفع حركة طالبان من قائمة المنظمات الإرهابية المحظورة في البلاد.
الصين الأسبق بالاعتراف
الصين كانت هي الأسبق في الاعتراف بحكم طالبان حيث قدم سفيرها الجديد تشاو شينغ أوراق اعتماده في حفل رسمي أقيم بالعاصمة كابل في سبتمبرأيلول 2023، ليصبح أول سفير تقبل طالبان أوراق اعتماده، علما أن هناك سفراء لدول عديدة موجودون في أفغانستان منذ الفترة السابقة للانسحاب الأمريكي، ولكنهم ظلوا في مواقعهم عند مستوى القائم بالأعمال وهو الأمر الذي لا يحتاج لتقديم أوراق اعتماد رسمية.
وتحرص حكومات أولئك القائمين بالأعمال على إبقاء علاقة دون مستوى السفير مع طالبان بهدف الإبقاء على نوافذ مفتوحة من ناحية، ومتابعة شأن رعاياها في أفغانستان، وكذا الاستمرار في ممارسة الضغط السياسي على الحركة للتجاوب مع المطالب الدولية التي حددتها الأمم المتحدة في قضايا تتعلق بتعليم النساء وحقهن في العمل، والحوار السياسي مع بقية المكونات السياسية داخل أفغانستان، ومواجهة الإرهاب.
خلال ما يقارب السنوات الثلاث من حكم الحركة وفي ظل هذا الحصار الدولي، ورفض الاعتراف بالحكم الجديد، لا يمكن تجاهل نجاح الحركة حتى الآن في اجتياز العديد من التحديات الداخلية، إذ نجحت أولا في تحرير البلاد من احتلال أمريكي استمر عشرين عاما، ونجحت تاليا في وقف الاقتتال الداخلي بين القوى الأفغانية المختلفة، وبسط الأمن في ربوع البلاد، وتشكيل جيش وشرطة، كما نجحت في إدارة حركة التجارة وتوفير السلع، والحفاظ على قيمة العملة المحلية، ومواجهة الفساد، وكذا مواجهة زراعة وتجارة المخدرات التي كانت تشتهر بها أفغانستان، وتنفيذ العديد من مشروعات البنية التحتية الكبرى، والقدرة على إدارة الموانئ والمطارات.. إلخ.
الجهاد الأصغر والأكبر
تلك النجاحات لحكومة طالبان لا تعني أنها حققت معدلات عالية من التنمية، أو أنها وفرت لشعبها احتياجاته الأساسية، وحققت حالة من الرضا العام، فهجرة الأفغان لا تزال تتواصل إلى العديد من دول الجوار ومنها إلى دول أخرى بحثا عن حياة أفضل، وهربا من مضايقات أمنية وسياسية. وتحتضن تركيا مئات الآلاف من المهاجرين الأفغان غير الشرعيين، غالبيتهم يأتون عبر الحدود الإيرانية ما اضطر تركيا لبناء أسوار على حدودها مع إيران.
وما تزال حالة الانسداد السياسي الكامل هي المسيطرة داخليا، وهي لا تقتصر على الأحزاب والحركات المناوئة لحركة طالبان، أو التي دعمت الاحتلال الأمريكي بل تمتد إلى مجموعات إسلامية تتشارك الكثير من الأفكار والسياسات مع الحركة.
لقد انتهت حركة طالبان من الجهاد الأصغر، وهي الآن في مرحلة الجهاد الأكبر، والمقصود هو الانتقال من المعارك العسكرية مع المحتل، إلى حكم الوطن بكل تحدياته، وهو ما يستلزم سلوكا خاصا، يحافظ على القيم والمبادئ ويحترم التقاليد المحلية، ولكنه لا يتصادم كلية مع العالم الخارجي، ومع تطورات العصر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بل إن الحركة كونها تحمل فكرا إسلاميا مطالبة بتقديم نموذج مقبول شعبيا في الحكم والإدارة لا يعتمد فقط على استخدام القوة في فرض السياسات بل على الرضا الشعبي العام.