عقدة التاريخ.. الحكم حتى آخر جندي

سموتريتش قال إن مذكرة اعتقال نتنياهو موجهة ضد جميع المسؤولين الإسرائيليين
نتنياهو (رويترز)

أحد مآزق الحرب الدائرة هو شخصية نتنياهو على وجه الخصوص، ولو أن على رأس السلطة في إسرائيل شخصية أخرى غير نتنياهو وقت قيام “طوفان الأقصى” لوضعت الحرب أوزارها منذ شهور عديدة.

الجميع يتفق ويؤكد أن الحرب دائرة فقط لأن توقفها يعني نهاية مصير نتنياهو السياسي، بداية من أبو عبيدة المتحدث الرسمي لكتائب القسام ونهاية بوزير الدفاع الإسرائيلي، فالأول قال بالحرف الواحد في كلمة له: إن نتنياهو بحثًا عن مصالحه السياسية والشخصية يفضل أن يقتل جنوده وهم يبحثون عن رفات وجثامين على أن يذهب لصفقة لتبادل الأسرى.

وما ذكره أبو عبيدة ألمح إليه أيضًا وزير دفاع الكيان الإسرائيلي يوآف غالانت، كما ذكره أيضًا مئات الساسة والمسؤولين السابقين والحاليين في العالم، الجميع يؤكد: أن نتنياهو يناور من أجل البقاء سياسيًا، وأن مصيره بات متقاطعًا مع مصلحة شعبه، ولذا فهو يشتري الوقت بمزيد من جثامين جنوده وأبرياء خصومه.

مصير الحاكم ومصلحة الشعب

المتابع لأحداث التاريخ سيدرك بسهولة أن تقاطع مصير المسؤول مع مصلحة شعبه هي عقدة من عقد التاريخ العتيقة، وقد تسببت في وفاة مئات الآلاف إن لم يكن الملايين من البشر سواء الجنود أو أبرياء المدنيين، وبعض الحكام يهرب إلى الحرب.

ومن المفترض أن هذا التعارض الذي يحدث في العادة عقب الهزائم في الحروب يجب أن يدفع بالمسؤول إذا كان يمتلك الحد الأدنى من الوفاء لبني جلدته بأن يتوقف، ويخلي مكانه لآخر حرصًا على مصلحة شعبه، وإذا لم يتوقف هو فإن حيوية الشارع، وأطراف المعادلة السياسية، والتدافع الديموقراطي يدفعونه دفعًا للتوقف.

ويحفل التاريخ بعشرات الأمثلة، فقد اضطرت الحكومة الفرنسية للاستقالة 1954 بعد هزيمة مريرة للجيش الفرنسي في فيتنام، وحل مكانها بيير منداس فرانس مع حكومته وهو الذي وعد بالسلام أو الاستقالة وتمكن من كسب رهان السلام بعد حشد حلفائه الغربيين والسوفييت والصينيين، وذلك أن تكلفت فرنسا 3000 مليار فرنك و100 ألف قتيل ومثلهم من الجرحى.

ولم تمر 3 أعوام حتى أجبر أنطوني إيدن رئيس الوزراء البريطاني على الاستقالة بعد قرابة شهرين على فشل العدوان الثلاثي على مصر في يناير 1957، وكان الفشل أيضًا هو ما دفع بجولدا مائير إلى تقديم الاستقالة في إبريل 1974 عقب التقرير المرحلي الصادر عن لجنة أجرانات التي تشكلت للتحقيق في إخفاقات حرب أكتوبر 1973، وذلك على الرغم من أن اللجنة لم تجد عيبًا في تصرف وزير الدفاع موشيه ديان، وأثنت على تصرف جولدا مائير.

حديث الجنود

ورغم أن تنحي القائد الفاشل هو أمر منطقي وطبيعي إلا أنه لا يحدث بشكل دائم، فكما يقول ول ديورانت في كتابه “قصة الحضارة”: “لكنها الحروب تخلق الرئيس وتخلق الملك وتخلق الدولة، كما أن هؤلاء جميعًا هم الذين يعودون فيخلقون الحروب”.

وكثير منهم لا يهتم بخسارة الجنود والمال والعتاد طالما استطاع أن يخفي آثار الخسائر عن شعبه، وهذا ما فعله نابليون عندما عاد من مغامرته الروسية التي تدمر فيها جيشه على يد تحالف “الجنرال الشتاء” مع الجيش الروسي، ولقد هرع نابليون مسرعًا في السر تاركًا خلفه ما تبقى من جيشه المنهار، كان جل ما يهمه ألا تصل أنباء هزيمته إلى أوروبا قبله، وألا تعرف باريس بحجم كارثة الجيش المفقود قبل أن يصل إليها لتأمين عرشه، حيث أشار معظم المؤرخين إلى أنه من بين 612 ألف جندي دخلوا إلى روسيا عاد منهم فقط 112 ألف إلى الحدود.

وجاء تقسيم الضحايا حسب التقديرات بين 100 ألف قتلوا في المعركة، و200 ألف لقوا حتفهم لأسباب أخرى، و50 ألف جندي قضوا في المستشفيات، و50 ألفًا فروا من المعارك، و100 ألف تم أسرهم في الحرب.

وما فعله نابليون تكرر من قبل ومن بعد، ففي مصر مثلًا لم تمر 4 أيام فقط على هزيمة يونيو 1967 التي خسرت فيها مصر 11 ألف جندي، كما خسرت فيها وخسر فيها الأردن وسوريا 7 آلاف جندي، إلا أنه مع خطاب التنحي الذي ظل نظريًا انطلقت المظاهرات التي نظمها الاتحاد الاشتراكي ولحق بها عوام الجماهير التي اختل توازنها إثر صدمة الهزيمة.

الطغاة وحياة البشر

لا يستهين بأرواح الجنود والأبرياء سوى الطغاة، ولا يستخدمنهم أحد كوقود إلا عديمي الوطنية وقادة المرتزقة والهمج حتى ولو ادعوا المدنية والتحضر، فكما يقول الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون الحائز على جائزة نوبل في الفلسفة: “الحرب هي تسلية الزعماء الوحيدة التي يسمح لأفراد الشعب المشاركة فيها”، والطريف أن هنري نفسه هو من سافر مرات عدة 1917 ممثلًا عن بلده لإقناع الرئيس الأمريكي ويلسون بالدخول في الحرب العالمية الأولى ضد ألمانيا، ولقد مات حزينًا 1941 أثناء الحرب العالمية الثانية وبلده محتل من قبل الألمان.

وللحقيقة لم نر في تاريخ الحروب رعاية لصغار الجنود أو حماية للمدنيين، كما يوجد في أخلاقيات الحروب في الإسلام، ويضيق المقال على ذكر مئات الأمثلة، ولقد غزت بعض جيوش عمر بن الخطاب بلاد فارس حتى انتهت إلى نهر ليس عليه جسر، فأمر أمير الجيش أحد جنوده أن ينزل في يوم شديد البرد لينظر للجيش مخاضة يعبر منها، فقال الرجل: إني أخاف إنْ دخلت الماء أن أموت، فأكرهه القائد على ذلك، فدخل الرجل الماء وهو يصرخ: يا عمراه، ثم هلك، فبلغ ذلك عمر وهو في سوق المدينة، فقال: يا لبيكاه! وبعث إلى أمير الجيش، فنزعه، وقال: لولا أن تكون سُنة؛ لاقتصصت منك، لا تعمل لي على عمل أبدًا.

 

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان