الشارع العربي ذهب مع الريح!!
المتابع لحالة الشارع العربي، تجاه قضاياه الداخلية والخارجية على السواء، سوف يكتشف أنه اختفى في ظروف غامضة، تلاشى، تبخر، اضمحل، فُقد، المعاني جميعها تؤدي إلى نتيجة واحدة، هي أنه ذهب مع الريح، خرج ولم يعد، لم تعد عبارة “الشارع العربي” تتردد، لم يعد الاسم مطروحًا، الأهم هو أنه لم يعد هناك من يعوّل على الشارع العربي، استطلاعات الرأي ليست ثقافة عربية، الأسباب في ذلك كثيرة، إرادة الجماهير لا تشغل الأنظمة السياسية، الأسباب متعددة.
تتزامن هذه الحالة، مع حراك كبير في الساحة العالمية، من أقصاها إلى أقصاها، الحراك في القارات كلها دون استثناء، إلا أن الشارع العربي منذ عام 2011 لا ينطق، تحديدًا منذ ما عُرف بثورات الربيع العربي، قد نرى حالات شبه فردية هنا أو هناك، عدد من الأشخاص معلومو الهوية يتجمعون بين الحين والآخر، قد يعتقل بعضهم إلى غير رجعة، وقد يعود البعض الآخر، ما يعني أنها ليست ظاهرة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsعام من البلطجة الإسرائيلية.. وماذا بعد؟
ما بين الاقتصاد اللبناني والإسرائيلي!
إيران تودع الصبر الاستراتيجي!
الغريب أن شوارع العالم قد تنتفض انتصارًا لقضايا العرب عمومًا، إلا أن الشارع العربي لا يأبه، الطلاب في جامعات العالم حركوا المياه الراكدة، إلا أن جامعات العرب بدت وكأن الأمر لا يعنيها، أو بدا الأمر وكأن عالمنا العربي بلا جامعات، انتقلت ظاهرة الحراك الطلابي من الولايات المتحدة إلى بريطانيا وفرنسا وأستراليا، إلا أن الجامعات التعليمية العربية، لم تكن أبدًا أفضل من جامعة الدول العربية، التي أصبحت تعجز حتى عن إصدار بيانات.
الوصول لهذه الحالة
هي ظاهرة جديرة بالبحث والدراسة، ذلك أن الشارع العربي كان فاعلًا على امتداد تاريخه القديم والحديث معًا، كان فاعلًا في مواجهة الاستعمار، وكان فاعلًا في مواجهة الظلم والطغيان، كان فاعلًا في الأوساط الطلابية، كما كان فاعلًا في الأوساط العمالية بشكل خاص، المؤرخون سجلوا الكثير من تلك الأحداث في معظم البلدان العربية، خصوصًا مصر والعراق وسوريا واليمن والجزائر وتونس والسودان وغيرها.
في مصر على سبيل المثال كانت تخرج مظاهرات واحتجاجات من المدارس الثانوية، تلاميذ في الخامسة عشرة والسادسة عشرة من العمر، كانت هناك مظاهرات نسائية، كما كانت هناك احتجاجات فئوية، كانت هناك اعتصامات وإضرابات ومسيرات، كما كانت هناك دعوات إلى مقاطعة لكيان الاحتلال بشكل خاص، أو حتى لسلعة من السلع، كما كانت هناك مقاطعة إعلامية لمسؤول من المسؤولين أو وزير من الوزراء، لسبب أو لآخر.
خرجت الجماهير الغفيرة في مصر عام 1921 تستقبل الزعيم الوفدي سعد زغلول العائد من المنفى، وخرجت في عام 1967 تعلن رفضها تنحي الرئيس جمال عبد الناصر في أعقاب الهزيمة، كما خرجت عام 1975 تودع أم كلثوم سيدة الغناء العربي في جنازة هي الأكبر، كما خرجت الجماهير الغاضبة عام 1977 تحتج على زيادة طفيفة في سعر رغيف الخبز، هكذا كانت الجماهير فاعلة في كل الأحداث تقريبًا، سياسية كانت أو اقتصادية أو فنية أو أمنية.
من الواضح أن هناك جهودًا كبيرة بذلت للوصول إلى هذه الحالة من ثلاثية التدجين والتغييب والتخويف، في أنحاء الوطن العربي، الثلاثية واضحة في الشارع تمامًا، البعض أصبح طيعًا إلى أبعد حد، يعمل بمبدأ سمعنا وأطعنا، البعض الآخر لم يعد يعنيه أي شيء في الحياة بخلاف قوت يومه، أو حتى فوز ناديه الكروي، البعض الثالث يخشى البطش والتنكيل، نتيجة ما يسمع ويشاهد في هذا الإطار على مدار الساعة.
استعانت الأنظمة السياسية الحاكمة في ذلك بالإعلام بأشكاله المختلفة، بدءًا من نوعية ما تتضمنه نشرات الأخبار، مرورًا بالإنتاج الدرامي، وحتى الحوارات والبرامج والضيوف، كما سخّرت دور العبادة للهدف نفسه، من خلال أئمة وخطباء تم إعدادهم جيدًا لهذا الغرض، في الوقت الذي طوعت فيه مناهج التعليم وأفرغتها من مضمونها لحساب تحقيق الهدف، وهو ما أسفر في النهاية عن مواطن بلا روح أو مضمون أو حتى قيمة، كانت النتيجة الطبيعية، على سبيل المثال، توافد حشود جماهيرية غفيرة بعشرات الآلاف لمشاهدة مطرب شعبي يستخدم ألفاظًا سوقية، في غياب برنامج تليفزيوني واحد هادف يلتف حوله المشاهدون.
من هنا كان من الطبيعي أن ينفض المواطن العربي عن قضاياه التاريخية، أو عن قضايا الأمن القومي، لحساب قضايا شخصية آنية، ولا عجب أن تسأل نسبة كبيرة من المواطنين العرب الآن عن اسم عاصمة إحدى الدول العربية، فتكتشف جهلهم بها، في الوقت الذي كان الشارع العربي ينتفض ذات يوم من المحيط إلى الخليج من أجل القضايا العربية بشكل عام، تحت شعار “أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة”، وهو من بين كثير من الشعارات التي لم يعد لها وجود، بعد أن أصبحت من الماضي، بل إن هناك الآن من يتندر بها، على اعتبار أنها كانت من أخطاء الماضي!!
نتائج وخيمة
إلا أن الأسئلة التي تطرح نفسها، أو يجب أن تطرح نفسها على الأقل في هذه المرحلة هي: هل سنظل نأمل من الآخرين الانتصار لقضايانا، دون أدنى زخم من أصحاب القضايا أنفسهم؟ بمعنى آخر: إلى متى نستمر في التعويل على الدول الكبرى في الضغط على حكوماتنا من أجل قضايا حقوق الإنسان، أو الإفراج عن معتقلين، أو تحقيق تقدم في مجالات حرية الرأي والتعبير والصحافة وما شابه ذلك؟ إلى متى سوف تستمر حالة التغييب هذه، وكيف يمكن الخروج من حالة الخوف والرعب، في ظل بناء مزيد من السجون والمعتقلات وتشييدها؟
أعتقد أن هذه الحالة الجماهيرية الطلابية، التي يشهدها الغرب، خصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية، انتصارًا للقضية الفلسطينية، سوف تلقي بظلالها على المنطقة العربية، بشكل آو بآخر، شئنا أم أبينا، الأسباب في ذلك كثيرة، وهو ما يحتم على الأنظمة السياسية، الأخذ بزمام المبادرة بفتح آفاق جديدة من شأنها السماح بتفعيل حركة الشارع والجامعات، بما يخدم الصالح العام محليًا وعربيًا وإقليميًا، ذلك أن ما يجري الآن من خذلان شعبي تجاه قضية من أهم قضايا الأمن القومي العربي، مقارنة بما يجري على الساحة العالمية، هو أمر مشين من الوجوه كلها، وقد تكون نتائجه وخيمة على المديين القريب والبعيد معًا، فذلك هو الكبت الذي يؤدي للانفجار.