نظام دولي ظالم حان وقت انهياره!
كلما أمعنت النظر في المشهد الدولي الحالي أرى واقعا مفزعا، كأنما حُشر العالم في زاوية، بين مطرقة من جهنم وسندان من جحيم، في ظل نظام دولي هشّ ومرتبك، تتصاعد فيه الفوضى، ويتكرّس فيه الظلم يوما بعد آخر. ولعل السؤال الذي يتردد الآن في ظل ما يعيشه المجتمع الدولي، هو: ألم يحن الوقت لسقوط هذا النظام الدولي وصعود نظام آخر أكثر عدلا؟ الإجابة لا تحتاج إلى كثير من العناء؛ فالنظام الدولي القائم أصبح حتمي السقوط، والمسألة ما هي إلا مسألة وقت لا أكثر ولا أقل.
إن العالم اليوم يعيش واقعا أطاح فيه الأقوياء بقواعد القانون الدولي، وأُهدرت فيه قيمة الإنسان، وصارت البشرية تنزف الروح، وتئنّ من الحروب والمشكلات والصراعات.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsخليفة محمود عباس
تحرير حلب وانتصارات الشعب السوري
سوريا.. بين استبداد آل الأسد و”مجهول” الفصائل المسلحة!
في ظل النظام الدولي المعاصر، تُباد شعوب بدم بارد، بقرار شرعي نتاج تفاهم بين الأقوياء في العالم، وما نراه من شجب هنا أو استنكار هناك لا يعدو كونه مشهديا، وجزءا من مسرحية دولية متواصلة منذ عقود، أبطالها هم الكبار في النظام الدولي، الذين منحوا أنفسهم الحق في نقض الحق، وأن يطيحوا متى أرادوا بقرار الأغلبية، في وضع شديد الغرابة، ومعوجّ المنطق، يُهان فيه الحق باسم الحق، والخصم فيه في ذات الوقت هو القاضي.
إن النظام الدولي المعاصر ظالم بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فمنذ نشأته بعد الحرب العالمية الثانية وهو يحمل أسباب سقوطه وزواله، ويعيش المجتمع الدولي في ظله توترات لم تهدأ حدتها، ويؤكد ذلك الفصول المأساوية التي عاشها العالم على مدار عقود، والأحداث التي يموج بها العالم الآن، من أوكرانيا إلى غزة، إلى أنحاء مختلفة في المعمورة.
منذ تدشين النظام الدولي الحالي على يد المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، تكرس الظلم بوجوهه المتعددة في العالم، بدلا من أن يسود العدل ويتحقق الأمن، وسطا الأقوياء على مقادير العالم.
كثيرا ما أتساءل كما يتساءل غيري: هل يُعقل أن تتحكم في قرار هذا العالم خمس دول، تتمتع بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن، وتملك حق النقض الدولي “الفيتو”؟
أليس العالم أكبر من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي: أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، في ظل عضوية 193 دولة في الأمم المتحدة؟
وهل من المقبول أن يتحول مجلس الأمن إلى هيئة لا تراعي سوى مصالح الدول الخمس الدائمة العضوية، بينما تقف موقف المتفرج حيال الاضطهاد والظلم الواقعين في مناطق أخرى من العالم؟
هل من المنطق أن تنفرد الولايات المتحدة الأمريكية بما يمكن أن نسميه حق الولاية العامة على مجلس الأمن؛ فتعطي وتمنح، وتعد وتتوعد، لتصبح أكثر الدول استخدامًا لحق الفيتو، وخاصة لمصلحة الاحتلال الإسرائيلي؟
منظومة أممية منزوعة الفاعلية
في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة جاء ما نصه: “نحن شعوب العالم نؤكد العزم على إنقاذ الأجيال القادمة من ويلات الحروب”، وهذا هو ما أُنشئت من أجله الأمم المتحدة؛ حيث حمل الغرض من إنشائها هدفا ساميا، هو: “المحافظة على السلم والأمن الدولي، عبر اتخاذ التدابير الجماعية الكفيلة بمنع وإزالة أي تهديد للسلم، والقضاء على جميع صور العدوان”، لكن الواقع كان بعيدا عن تحقيق هذه الأهداف النظرية، في ظل عدم تحقيق التوافق بين الدول الخمس الدائمة العضوية. وبعد وقت قصير من تدشين النظام الدولي الجديد عاش العالم ثنائية قطبية أنتجت حربا باردة استمرت نحو أربعة عقود، شلّت فاعلية الأمم المتحدة، ولكنها لم تؤدِّ إلى انهيارها، وبعدها انتقل العالم إلى مرحلة الأحادية القطبية، حيث هيمنت الولايات المتحدة الأمريكية، وتسبب جموح طموحها للانفراد بالهيمنة على النظام الدولي إلى تعميق أزمة منظومة الأمم المتحدة للأمن الجماعي واستمرارها في وضعها المتهالك، وتبخرت الآمال في أن يسود السلام والعدل، وأصبح العالم أكثر ظلما وأشد توترا، وما يحدث في غزة من إبادة للفلسطينيين بيد الاحتلال الإسرائيلي ذراع أمريكا والغرب في المنطقة العربية شاهد على ذلك بوضوح.
عندما أنظر إلى النظام الدولي المعاصر، خاصة هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والدول الخمس الدائمة العضوية، أجدني أمام مجموعة من الأقوياء يتبادلون الأدوار على المسرح الدولي، فهناك من يمارس الظلم اليوم، بينما يمارس الباقون دور المتفرج، ومن يوم لآخر قد تتبدل المواقع، بحسب دوران المصالح وتقاطعاتها.
في ظل النظام العالمي المعاصر أُطيح بالشعارات والمبادئ التي دغدغ بها الغرب أسماع العالم، وتحول مبدأ حقوق الإنسان على سبيل المثال إلى مظلة جميلة تحتمي بها الأمم المتحدة من حرارة الاشتباكات الدموية في المناطق الساخنة في العالم وليس هدفًا لإنجاح عمليات السلام، وكانت مظاهر هذا التهاون كبيرة ومتعددة، تتجلى في فقدان المصداقية وفي فشل العمليات، وعدم القدرة على إيجاد الحلول الناجعة لحل النزاعات.
ختاما
إن عالمنا المعاصر يحكمه نظام دولي سمته الظلم الذي يمارسه الأقوياء بحق الآخرين في هذا العالم، وأصبحت الأمم المتحدة -الوجه الأبرز لهذا النظام- أشبه بعباءة مترهلة للتستر على المظالم.
ومنذ عقود تمثل الولايات المتحدة الأمريكية المحرك الأساسي للظلم العالمي، الذي يعصف بقواعد النظام الدولي، الذي تدعي النخب الأمريكية والغربية المحافظة عليها، إلا أن الممارسات على أرض الواقع تؤكد أن قرارات الأمن والسلم الدوليين أصبحت تخضع للقوة لا العدل، وتقوم على حجة امتلاك القوة لا قوة الحجة، وتعتمد الدكتاتورية بديلا عن الديمقراطية.
لقد فضحت الحرب الأخيرة على غزة ومن قبلها الحرب الأوكرانية هشاشة النظام الدولي، ومدى الظلم المتفاقم في العالم، وتأكد أن النظام العالمي المعاصر مبني على الدماء، وأهدرت خلاله قيمة الإنسان.
إن الظلم مؤذن بخراب العمران؛ ولذلك فالنظام الدولي أصبح وشيك الانهيار، في ظل النتائج الكارثية التي وصل إليها العالم اليوم من ظلم وحروب ونزاعات وانتهاكات لأمن الدول والشعوب. إن إنقاذ البشرية يحتاج إلى الاتفاق على نظام أمن جماعي قادر على رفع الظلم وتحقيق العدل وفرض السلام، وتجنيب العالم صراعات ومآسيَ أكبر مستقبلا قد تقود إلى حرب عالمية لا تبقي ولا تذر.