إسرائيل الخاسر الأكبر

على الرغم من الإجماع على خسارة الكيان الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فإن الأحداث الجارية تؤكد أن خسارة الكيان الإسرائيلي أصبحت واقعا يتجرعه الإسرائيليون أنفسهم. جزء من خسائر الكيان الإسرائيلي اقتصادي بطبيعة الحال، والجزء الأكبر عسكري وسياسي.
بالنسبة للشق الاقتصادي، يتمثل في تراجع إجمالي الناتج المحلي الإسرائيلي بأكثر من 20% منذ بداية العام الجاري، وهو ما يعود بطبيعة الحال إلى الحرب، فقد كشف البنك المركزي الإسرائيلي أن التكلفة الإجمالية للحرب في غزة تتجاوز 67 مليار دولار بعد سبعة أشهر من الحرب، وهو ما أثر في بنود إنفاق أساسية في ميزانية الكيان.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsهل يسقط النظام الإيراني.. وهل تتدخل أمريكا؟
السماء الإيرانية تحت المجهر.. هل تعربد إسرائيل دون رادع؟
إيران وإسرائيل.. حين تصبح الوثائق أخطر من الصواريخ
كما يتوقع على نطاق واسع أن تخفض حكومة الكيان ميزانية العام المقبل بنحو 40 مليار شيكل (11 مليار دولار)، بهدف تقليص العجز المالي المتوقع لعام 2025، في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة، وتقدر وزارة المالية العجز المالي لعام 2025 بنسبة 5.2%، أي ما يقارب 104 مليارات شيكل (27 مليار دولار)، وذلك قبل احتساب إضافة المدفوعات في ميزانية وزارة الأمن وكلفة أيام الاحتياط وتمويل إقامة النازحين، وهو ما يزيد هذه التوقعات بشكل ملحوظ العام المقبل.
وتشير أحدث البيان إلى أن الإيرادات بلغت منذ بداية العام الجاري 157 مليار شيكل (42 مليار دولار)، بانخفاض نسبته 2.2% مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي، إضافة إلى ذلك، ارتفعت النفقات الحكومية لتبلغ 48.5 مليار شيكل (13 مليار دولار) هذا العام، مقارنة بـ 37.5 مليار شيكل (10 مليارات دولار) العام الماضي.
وتتزايد ضغوط الأسعار في وقت تبدو فيه التوقعات قاتمة بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي، وتمثل مدة الحرب وشدتها أكبر قدر من عدم اليقين، إذ يقوم الجيش الإسرائيلي بتوسيع عملياته في رفح، وهو ما يمثل ضغطا شديدا على الميزانية العامة للكيان، ومع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر، ووسط احتمالات إطالة أمد الصراع، يبدو الاقتصاد الإسرائيلي أمام اختبار قاسٍ جدا، وسيكون من بين محركات عزل بنيامين نتنياهو.
الاقتراب من حافة الهاوية
وفي الشق السياسي والعسكري، يمكن إيجاز الخسائر في عدد من النقاط المهمة، فالكيان الذي أراد الإجهاز على المقاومة الفلسطينية، انتهى به المطاف إلى الاقتراب من حافة الهاوية والنهاية، فهو يعاني حاليا من سقوط عسكري وأخلاقي للجيش، فضلًا عن حشد الرأي العام العالمي لتأييد دولي للسردية الفلسطينية، والحصول على تعاطف دولي لحقوق الفلسطينيين، واعترافات دولية بالدولة الفلسطينية، واتهام الكيان بأنه مارق ومجرم حرب، ونهاية التعويل على الكيان كموطن لليهود، وأيضا نهاية تعويل الغرب على الكيان لرعاية مصالحه، وانقسامات سياسية داخل الكيان.
وكما في الشأن الاقتصادي يمكن تلخيص أسباب الخسائر السياسية والعسكرية، في أربع نقاط رئيسية، الأولى تتلخص في عودة قوات الكيان الإسرائيلي إلى غزة، فسيناريو 2005 يتكرر حاليا في غزة، وما فعله أرييل شارون حينها، يعيشه بنيامين نتنياهو بنفس السيناريو، لكن أكثر قساوة، فقد تأكد شارون حينها أنه وقع في عش الدبابير، ولابد أن يخرج سريعا، وهو ما فعله بعد خسائر كبيرة.
لكن نتنياهو ما زال يعاند ويكابر، بل إن الأمر زاد سوءًا، فهو عندما أراد الخروج من غزة لم يجد مخرجا، فليس لديه طريقة للخروج في الوقت الحالي، وأيضا لا يملك حلا للمشكلة، فهو الآن جعل غزة غير صالحة للعيش، وفي الوقت ذاته أيقن بأن الفلسطينيين لن يغادروا أرضهم، وهو ما يحول دون تحقيق مشروعه في القضاء على حماس وإدارة القطاع.
السبب الثاني لخسارة إسرائيل، إصرارها على استخدام نظرية تصعيد الردع، ولا ننكر أنها طريقة ذكية للتفكير في الردع، وهي النظرية المعنية بأن أي ضربة لا بد أن يواجهها ضربة مضاعفة تفوقها حجما وقوة وخسارة، كما حدث في 12 يوليو/تموز 2006 في الجنوب اللبناني، فقد كان الرد الإسرائيلي لمقتل عدد من الإسرائيليين وأسر أحدهم، عنيفا للغاية، وهي رسالة وجهتها إسرائيل إلى كل جيرانها، ونجحت حينها، أما الآن فمن الواضح أن إسرائيل لم يعد لديها هيمنة التصعيد اتجاه إيران أو حزب الله، فهم يضربون يوميا حزب الله، الذي يرد عليهم بقوة من خلال ما يمتلكه من سلاح وذخيرة تساعده على الاحتفاظ بقوته لمدد طويلة، وفيما يتعلق بإيران فكما حدث في 14 إبريل/نيسان، سيناريو غسل ماء الوجه، وعدم إثارة غضب الحلفاء، والحفاظ على الدعم الأمريكي.
وإذا كانت إسرائيل تعيش في السابق من خلال حماية القبة الحديدية، فالأيام كشفت ضعف هذه القبة، وستضعف بكل تأكيد مع مواصلة الحرب، وستكون عديمة الفائدة. كل ذلك يدفعنا إلى القول إن السبب الثاني في خسارة إسرائيل ضعف قوة الردع.
السبب الثالث، يتخلص في أن إسرائيل أصبحت مكشوفة من كافة الجهات للهجوم، فقد تمكنت حماس والحوثي على سبيل المثال من تطوير ما لديهما من أسلحة، خاصة المسيرات والصواريخ، وهو ما أصبح يهدد مدن وأجواء إسرائيلية، وبالتالي يهدد السكان. وهو أمر لا يمكن السكوت عليه، وسيكون الرد الداخلي عليه صعبا جدا، مع تزايد تعرية سماء الكيان واستقبالها لمزيد من الطائرات المسيّرة والصواريخ، وما قد ينجم عنه من ضحايا.
السبب الرابع والأخير، إسرائيل أصبحت دولة منبوذة عالميا بصورة لم تكن عليها من قبل، فإذا ما نظرنا إلى ما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية وجميع دول العالم داخل حرم الكليات والجامعات، فسنجد أن هناك كرها شديدا لإسرائيل التي تشوهت سمعتها بشدة، وأيضا ما أحدثته دولة جنوب إفريقيا من اضطرابات كبيرة للكيان، فقد أخذت إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية التي وجدت بدورها أدلة كافية على أن إسرائيل ترتكب حرب إبادة جماعية، وكذلك الحال بالنسبة لاستطلاعات الرأي داخل الولايات المتحدة التي انحازت بشدة لأول مرة إلى فلسطين، فضلا على اعتراف ثلاث دول أوروبية بدولة فلسطين.
خسائر لا تذكر
في المقابل، خسائر فلسطين لا تذكر مقارنة بخسائر الكيان الإسرائيلي، وفقا لأحدث البيانات الصادرة مؤخرا عن البنك الدولي، فقد وصلت الفجوة التمويلية في الميزانية إلى 682 مليون دولار بنهاية 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى 1.2 مليار دولار خلال الأشهر المقبلة، كما فقد الاقتصاد الفلسطيني ما يقرب من نصف مليون وظيفة منذ أكتوبر 2023.
ولا يمكن إغفال أن الاقتصاد الفلسطيني يواجه صدمة كبرى منذ السابع من أكتوبر 2023، ومن المتوقع حدوث انكماش اقتصادي آخر، إلا أن ذلك يمكن علاجه سريعا من خلال زيادة المساعدات الخارجية، والدعم المتوقع أن يتلقاه الاقتصاد الفلسطيني من دول عدة عند انتهاء الحرب. وهو ما يدفعنا إلى التأكيد على أن إسرائيل الخاسر الأكبر في هذه الحرب.
إسرائيل لن تخرج من الحرب كما دخلتها، بل إن خسائرها أصبحت معلومة كما سردتها عبر هذه السطور، فبعد 7 أشهر من الحرب في غزة، أصبح الرأي العام الإسرائيلي ممزقا بالخوف، يتساءل عن اليوم التالي في بلد يتصارع فيه اليمين المتطرف مع اليسار.