غزة تنتصر بالحق والقوة معًا
في ظل حرب الإبادة والجريمة ضد الإنسانية لن تكون هناك قيمة لأي تفاوض، أو سلام، أو تطبيع، أو تعايش مع الصهيوني، ولا قيمة لما يُسوقه حلفاء الكيان من حل الدولتين رغم أنهم غير جادين فيه، فهو خداع لتبييض وجه المجرم، ومنحه الوقت لقضم ما بقي من أراض فلسطينية، وتدمير ما بقي في أيدي الفلسطينيين من أراضيهم، وهو قليل جدًّا، كما هي حال غزة اليوم، حيث أصبح القطاع كله محرقة وإبادة كبرى.
ورغم الأهوال التي تعيشها غزة بمفردها من دون دعم أو مساعدة فعلية من أحد في العالم؛ شقيقًا أم أجنبيًّا، قريبًا أم بعيدًا، فإنها وكل فلسطين ستنتصر في النهاية على الصهيوني بالقوة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsينتقمون لخسائر الحرب بالمذابح والاغتيال
عن الصواريخ الإيرانية وما بعدها
كلمات وقنابل: كيف تبرر وسائل الإعلام الغربية الجرائم الإسرائيلية ضد الإنسانية؟!
وإن لم يكن الانتصار المنتظر والمؤكد إن شاء الله في هذه الجولة، ففي جولات قادمة، فالصهيوني لم يكن يومًا مع السلام، عقيدته القتل، ولهذا لا حلّ عمليًّا معه إلا بالمواجهة المفروضة مهما كان الثمن.
هذا قدر مكتوب على جبين كل فلسطيني، وكل قوة احتلال كان مصيرها الزوال بعد الاندحار على أيدي الشعب المقهور.
وعلى مدار التاريخ كله، ومنذ أول صراع تشهده الأرض، كانت الغلبة فيه لمن يمتلك القوة ويأخذ بأسبابها.
فلم ينتصر ضعيف أو ذليل مهما كان الحق في جانبه، والضعيف المتسلح بالحق والأخلاق بحاجة إلى القوة، وخاصة مع احتلال عنصري قائم على أساطير عقائدية.
هل نحن نحب الحرب؟
أبدًا، بل طلاب سلام وتعايش، لكن الطرف الآخر ليس كذلك، ولن يكون، وأمامنا إبادة غزة، وقبلها تاريخ طويل من التطهير العرقي، وبالتالي فالتضحيات هي الضرورة التي لا مفر منها؟
بعض العرب عقدوا معاهدات سلام، واتفاقات تطبيع، وأقاموا علاقات دبلوماسية، فهل تغير ومد يديه للسلام؟
لم يحدث، بل ازداد شراسة لشطب فلسطين، وإزالة كل فلسطيني من الوجود، ولم يُقم وزنًا لمبادرة العرب في 2002، الأرض مقابل السلام، فهو يريد الأرض، ويقتل السلام.
النصر لمن يتّجهز له جيدًا ويُصرّ عليه بغض النظر عن عقيدته وأخلاقه والتزامه بالأعراف والأصول والقوانين الدولية والإنسانية في عصرنا الحاضر.
حصل ذلك في الجزائر ضد الفرنسي، وفيتنام ضد الأمريكي، وأفغانستان ضد الروسي ثم الأمريكي، ونماذج البطولات والتضحيات في التحرر كثيرة.
وجهان للحرب
وفي حرب غزة التي دخلت شهرها التاسع بين الصهيوني وبين المقاومة نجد في أحد وجهيها أن المواجهة المباشرة بين هاتين القوتين المتقاتلين تتحقق فيها فكرة وأركان القوة والأخذ بأسبابها، ولهذا نجد قتالًا ومواجهات وكمائن وخططًا والتفافًا وضربات وكرّ وفرّ وكل فنون الحرب.
أدرك تمامًا الاختلال الهائل في موازين القوى بين الصهيوني وبين المقاومة، وهذه الموازين تميل تمامًا لصالح الصهيوني، فهو كيان ضخم التسليح يمتلك أحدث ما تنتجه مصانعه ومصانع حلفائه الأمريكان والأوروبيين من سلاح، والحلفاء أسخياء معه في دعمه وبأكثر مما يريد.
نحن أمام ديناصور لديه أذرع ومخالب وأظافر وأنياب دون حصر، وبمواجهته طرف ضئيل حجمًا، سيفه من الخشب، يواجه به قوة وعنفوان هذا الديناصور الخرافي، ومع هذا يضربه في مقتل، ويُثخن فيه الجراح، ويصيبه ويقتله، وخلال 9 أشهر فإنه غير قادر على سحقه وإعلان الانتصار عليه، وهي اللحظة التي كان يتمناها في اليوم الأول للعدوان، وكان يظن أنها ستتحقق خلال وقت قصير، لكنها لم تحدث، فالمواجهة ليست نزهة، والأيادي الطويلة تتعرض للضرب والقطع، والردع لم يعد يُخيف طفلًا، فما بالنا بمقاوم نذر حياته للنصر أو الشهادة.
هذا الديناصور ظهره آمن في كيانه، وحوله حائط صد ودفاع ضخم تُشكله أمريكا وأوروبا، وهناك دول عربية تساهم في هذه الحماية، وإن لم يكن بالانخراط المباشر في الدعم والمساندة وتقديم التسهيلات، فعلى الأقل بالرغبة الدفينة في هزيمة المقاومة، أو القضاء عليها؛ فكرة ووجودًا، فهى أيضًا ضد الفكرة من الأصل.
وهدف الأنظمة من إنهاء دور المقاومة في فلسطين أنها ضد أفكار ومفاهيم الرفض والتمرد والمعارضة وكل من يعترض ويحتج ويقول “لا”، وتكره أن توجد هذه المعاني في البلدان التي تحكمها بقبضة من الحديد والنار.
هي تريد شعوبًا مثل القطيع، لهذا لا تمانع أن يكون الفلسطينيون خاضعين لسلطة محلية (وطنية مجازًا) مثل طبيعة سلطاتهم، وأن يكونوا قطيعًا، ويعيشوا تحت الاحتلال على أوهام المفاوضات العبثية والسلام الخيالي.
الحرب على المدنيين
الوجه الآخر للحرب، أن الصهيوني لا يحصرها بينه وبين المقاومة خصمه المقاتل، والمتعارف عليه في الحروب أن تكون بين قوتين؛ جنودًا بمواجهة جنود، مسلحين أمام مسلحين، جيشًا أمام جيش، ومجازًا سنعتبر المقاومة جيشًا، رغم أنها تعمل في ظروف يستحيل وصفها بسبب مصاعبها وتعقيداتها.
لكن الصهيوني يستأسد على المدنيين، يقتل ويدمر كل أشكال الحياة من دون استثناء، هم -الصهاينة، وليس الفلسطينيين- الحيوانات البشرية، وهذا ما تثبته إبادة غزة.
وأحدث مجازرهم جرت في مخيم النصيرات، إذ مقابل استعادة 4 من أسراهم، يقتلون ويصيبون أكثر من ألف فلسطيني.
إبادة وتطهير عرقي غير مسبوق ضد المدنيين لتعويض الفشل أمام المقاومين، وهذه ليست بطولة، ولا حرب، ولن يتحقق للصهيوني الانتصار فيها.
فالنصر يكون على مقاتل، وليس على طفل وامرأة وعجوز ومعاق وطبيب وممرض ومسعف ومعلم وصحفي وإعلامي وخباز وكناس وبائع وعامل وموظف وشرطي ورجال عزّل يتجهون إلى بيوتهم المدمرة، أو يسيرون على شاطئ، أو في شارع، أو يستقلون سيارة، أو نازحون يقيمون في مدارس ومخيمات.
الصهيوني العاجز أمام المقاومة، رغم بدائية سلاحها، وقسوة الظروف التي تقاتل فيها، لا يجد غير استهداف المدنيين ببشاعة.
لو أن العرب يمدون المقاومة بقليل من أسباب القوة، ويوفرون حاضنًا لها، كما تفعل أمريكا وأوروبا للصهيوني، حتمًا سنكون أمام واقع جديد؛ صهيوني مهزوم يهرب، أو يتوسل التعايش بسلام.
نعم، الحق فوق القوة، لكن الحق يجب أن تدعمه القوة.