لقاء بوتين وفيدان…هل يذيب الجليد عن العلاقات التركية الروسية؟

أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مباحثات مهمة في موسكو مع عدد من القيادات الروسية، اختتمها بلقاء الرئيس فلاديمير بوتين، وذلك على هامش حضوره اجتماعات وزراء خارجية مجموعة البريكس المنعقدة في مدينة نيجني نوفغورو بروسيا.
الوزير التركي عمل أثناء مباحثاته مع المسؤولين الروس على إذابة الجليد الذي طبع علاقات البلدين خلال المدة الماضية نتيجة لخلافات في وجهات النظر حول عدد من القضايا المتباينة، تسببت في تراجع تعاونهما الإقليمي والدولي، وفي تأجيل زيارة الرئيس الروسي لأنقرة عدة مرات.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsفائض تجاري أمريكي خدمي مع الصين طوال 25 عاما
انتبه «دافوني» سلّم قلعة أرضروم
فلسفة التوحش.. هل تضمن لإسرائيل الانتصار؟
ويبدو أن الرئيس بوتين انتهز فرصة لقائه مع وزير الخارجية التركي لإيصال عدد من الرسائل المحددة إلى الرئيس أردوغان، واضعا بموجبها خريطة طريق محددة المعالم يمكن من خلالها استئناف علاقات البلدين، وإعادتها إلى سابق عهدها، واستثمار زخمها المنتظر لتحقيق المزيد من المكاسب للطرفين على كافة الأصعدة.
رسائل بوتين إلى أردوغان
الرئيس الروسي في سعيه الدؤوب لاستمالة تركيا نحو التحالف الذي يضم إلى جانب بلاده الصين، وإيران، وكوريا الشمالية، وإبعادها قدر المستطاع عن المعسكر الغربي، شدد على ضرورة إيجاد آلية تعاون جديدة بين البلدين يتم من خلالها ضمان تحقيق الأمن في ظل الظروف التي يمر بها العالم اليوم، خاصة في منطقة البحر الأسود، لانعكاسات ذلك على الأمن الإقليمي والدولي.
يدرك بوتين أن تركيا تحدد أولوياتها وفق مصالحها خاصة الاقتصادية منها؛ لذا أعاد الحديث مجددا عن رغبته في تحقيق حلم أردوغان بتحويل بلاده إلى مركز للطاقة، وأن تكون محطة تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا، لكنه ألمح في نفس الوقت إلى أن قيام أوكرانيا باستهداف خطوط الأنابيب التي تنقل الغاز الروسي إلى تركيا تحت مياه البحر الأسود يمكن أن يكون سببا في عرقلة إتمام هذه الرغبة.
وتلك محاولة من بوتين لإظهار مدى الضرر الذي يمكن أن يلحق بتركيا جراء استمرار تعاونها العسكري مع أوكرانيا، إذ إن تركيا تمد الأوكرانيين بطائرات مسيّرة من نوع “بيرقدار” ساعدتهم كثيرا على رفع قدرات جيشهم، وتصديه لهجوم القوات الروسية، وإعاقة مخططاتها.
وقد أعلن بوتين ترحيب بلاده بانضمام تركيا إلى مجموعة البريكس، ودعمه الكامل لهذا التوجه تحقيقًا لهذه الرغبة التركية، وسعيًا لوجود البلدين معًا في العديد من التكتلات والمجموعات السياسية والأمنية والاقتصادية، مشيرا إلى أن هذا التوجه يمثل إحدى أولويات السياسة الروسية التي يتم تطويرها دائما بما يتوافق والتغيرات على الأرض.
الغضب من الاتحاد الأوروبي
لا يخفى على الرئيس الروسي أن إفصاح أنقرة عن رغبتها في الانضمام إلى مجموعة البريكس، التي تبديها منذ عام 2018 إنما هي محاولة تستهدف تنويع مجالات تجارتها، وتوسيع نطاق تعاونها الاقتصادي لحل أزمتها الاقتصادية خارج نطاق الاتحاد الأوروبي، خاصة مع توسع عدد دول المجموعة التي أسستها الصين، والهند، والبرازيل، وروسيا، وجنوب أفريقيا، ثم انضمت إليها لاحقا إيران، ومصر، والأرجنتين، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وإثيوبيا.
إلى جانب تصاعد حالة الاستياء والغضب المتزايد في تركيا من الاتحاد الأوروبي بسبب حالة الانتظار التي تعيشها تحت ضغط الرغبة في استئناف مباحثات تحديث معاهدة الاتحاد الجمركي الموقعة بينها وبين أوروبا، والمتوقفة منذ 2018.
حيث يتلاعب مسؤولو الاتحاد الأوروبي، ويتعمدون إبطاء الإجراءات رغم وجود اتفاق مبدئي بين الطرفين على استئناف هذه المحادثات، لكنهم يرفضون وضع جدول زمني محدد لإنهاء هذا الأمر، ووضعه موضع التنفيذ.
وكان الاتحاد الأوروبي قد قرر وقف مفاوضات منح تركيا العضوية الكاملة به في عام 2018 وسط اتهامات لها بتراجع الديمقراطية لديها، ووجود الكثير من الملاحظات على ملفها لحقوق الإنسان، بينما تم وقف المباحثات الرسمية لتحديث معاهدة الاتحاد الجمركي بسبب تصاعد حدة التوترات بين أنقرة وكل من أثينا ونيقوسيا العضوين بالاتحاد الأوروبي، إلا أنه مع ظهور نوع من التقارب بين تركيا واليونان قرر الاتحاد الأوروبي استئناف مفاوضات تحديث معاهدة الاتحاد الجمركي، لكن الأمر توقف عند هذا الحد، الأمر الذي دفع أنقرة إلى البحث عن بدائل تسهم في حل أزمتها الاقتصادية، وتكون ندًّا مستقبليًّا للاتحاد الأوروبي.
ضغوط أوروبية وأمريكية
انضمام تركيا إلى البريكس يعني بالنسبة لبوتين زيادة حجم التقارب بين أنقرة وبين محيطها الإقليمي، معتبرا هذا التوجه خطوة عملية باتجاه تحجيم فاعلية التأثيرات الغربية في جارته، الأمر الذي يمكن أن يؤدي -في نهاية المطاف- إلى تخليها الكامل عن اللحاق بركب الاتحاد الأوروبي بعد أن تلمس حجم مكاسبها بعيدا عنه، ولهذا كان من أبرز تصريحاته مؤخرا أنه لا يرى أي فائدة تذكر من توجه تركيا صوب صندوق النقد الدولي، أو محاولاتها الاستدانة من المؤسسات المالية الغربية عموما.
وفي هذا الإطار تحدث عن الانخفاض الملحوظ في حجم التبادل التجاري بين البلدين هذا العام، لكنه أرجع السبب إلى تصحيح أسعار السلع المصدرة والمستوردة آملا تدارك هذا الأمر سريعا، دون أن يتطرق إلى المزيد من الأسباب مكتفيا بالقول إن أية محاولة تستهدف تقييد العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين ستعني خسارة كبيرة للاقتصاد التركي، في إشارة إلى الضغوط الغربية والأمريكية على تركيا في هذا المجال.
تشجيع دور الوساطة
بوتين يعلم علم اليقين رغبة تركيا في زيادة حجم مكانتها الإقليمية من خلال القيام بدور الوسيط في النزاعات، والمساهمة في حل الأزمات بما فيها الأزمة الروسية الأوكرانية؛ لذا لعب على هذا الوتر حيث أبدى ترحيبه العميق بعودة تركيا إلى القيام بهذا الدور في المستقبل، واستئناف وساطتها التي بدأتها في إسطنبول، والتي أسفرت عن توقيع معاهدة تصدير الحبوب من موانئ أوديسا والبحر الأسود، في يوليو/تموز 2022، وتم تمديدها ثلاث مرات كان آخرها في يوليو 2023.
ونفى أن يكون عدم تمديدها بسبب خطأ بلاده، وإنما الخطأ يكمن في الالتزام فقط بالجزء الخاص بتصدير الحبوب الأوكرانية بينما لم يتم الوفاء بوصول المنتجات الزراعية والأسمدة الروسية إلى الأسواق العالمية.
لم يستبعد بوتين الملف السوري أثناء مباحثاته مع فيدان، معربا عن اعتقاده بأهمية الحفاظ على مسار أستانة الذي يضع الإطار العام لحل الأزمة بين النظام والمعارضة، ومحاربة الإرهاب، والعمل على إعادة الأمور إلى طبيعتها لجميع المناطق السورية، وهو ما يشير إلى استعداد روسيا للتعاطي بإيجابية مع الطروح التركية فيما يخص مسألة محاربة الإرهاب، والحفاظ على أمنها القومي.
فهل تستعيد العلاقات التركية الروسية زخمها بعد كل هذه الرسائل الإيجابية من جانب بوتين؟! وهل يتفاعل معها أردوغان ويتجاهل ما يمكن أن يثيره تقاربه مع روسيا مجددا من غضب أوروبي وأمريكي؟ هذا ما سيتضح خلال الأيام المقبلة.