هل تفقد أمريكا العالم العربي فتكسب الصين قلوب العرب؟!

الرئيس الأمريكي جو بايدن
الرئيس الأمريكي جو بايدن (رويترز)

سياسة أمريكا الخارجية وانحيازها لإسرائيل يثير غضب الجماهير العربية.. تلك حقيقة يمكن أن نبرهن على صحتها من خلال تحليل المضمون، الذي يتدفق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي وفرت الكثير من الفرص للتحرر من السيطرة الأمريكية على النظام الإعلامي العالمي.

مع ذلك فإن فتح المجال أمام دراسات علمية للرأي العام، واستطلاع اتجاهات الجماهير يمكن أن يسهم في استشراف المستقبل الذي يمكن أن يحمل الكثير من المفاجآت.

ولقد حاول مايكل روبنز وأماني جمال ومارك تيسلر توضيح بعض الحقائق المهمة لصناع القرار في الولايات المتحدة، في دراسة نشرتها مجلة الشؤن الخارجية (فورين أفيرز) اعتمدت على تحليل عدد من استطلاعات الرأي العام التي أجرتها منظمة “أراب باروميتر”، وهي منظمة بحثية غير متحيزة تهتم بإجراء استطلاعات رأي عام شبه سنوية في 16 دولة عربية منذ عام 2006، وتختار العينات التي تقوم باستطلاع آرائها من المواطنين العاديين.

ركز المقال على تأثير العدوان الإسرائيلي على غزة في اتجاهات الجماهير العربية نحو الولايات المتحدة الأمريكية، وموقفها من السياسة الخارجية الأمريكية، وذلك بمقارنة نتائج الاستطلاعات التي تم إجراؤها قبل العدوان وبعده.

لماذا توقف النظام الجديد؟

يوضح المقال أن 7 أكتوبر جاء في لحظة حاسمة، حيث بدأ يتشكل نظام جديد في المنطقة يقوم على تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، لكن هذا الهجوم أدى إلى توقف هذا النظام، وتعطيل مسيرة التطبيع؛ إذ استدعت الأردن سفيرها في إسرائيل، وتم تأجيل رحلة رئيس الوزراء الإسرائيلي النتن ياهو إلى المغرب.

ولقد لاحظ الزعماء العرب معارضة مواطنيهم للحرب في غزة؛ حيث شهدت الكثير من الدول العربية مظاهرات قام فيها الآلاف بالاحتجاج على العدوان الإسرائيلي.

كما أدت الأزمة الإنسانية التي تشهدها غزة إلى تزايد الاحتجاجات في الأردن والمغرب، وطالبت المظاهرات بإلغاء معاهدات السلام مع إسرائيل، وعبرت عن غضبها على الحكومات العربية، التي لا تستمع إلى أصوات الشعوب.

لكن 7 أكتوبر يشكل بداية مرحلة جديدة بالنسبة للولايات المتحدة؛ فالرأي العام العربي تحول بشكل حاد ضدها باعتبارها حليفة لإسرائيل، وأدى ذلك إلى تزايد نفوذ إيران والصين.

فبمراجعة نتائج الاستطلاعات التي أجرتها المنظمة يتضح أن الآراء الإيجابية في صالح الولايات المتحدة تناقصت في العالم العربي منذ عام 2006؛ ففي الاستطلاع الذي أجرته في نهاية 2023 هبط الاتجاه الإيجابي نحو الولايات المتحدة بشكل درامي، وأوضح الاستطلاع الذي تم إجراؤه في تونس أن هذا الهبوط كان استجابة للأحداث في غزة.

ومن أخطر الحقائق التي يكشفها المقال أن خسارة الولايات المتحدة كانت مكسبا للصين، إذ تزايد الاتجاه الإيجابي نحو الصين في العالم العربي!

لكن هل يرجع ذلك إلى سياسة الصين نحو غزة والقضية الفلسطينية؟! ينفي الباحثون ذلك، ويقولون إن تزايد الاتجاه الإيجابي نحو الصين كان بسبب السخط على الولايات المتحدة، وليس تأييدا للسياسات الصينية.

بالرغم من أن الصين لم تقدم سوى مساعدات مادية محدودة لغزة، فإنها كانت المستفيد من تدهور سمعة الولايات المتحدة في العالم العربي. فبالرغم من أن الاستطلاع الذي أجرته المنظمة في 2021 و2022 أوضح أن تأييد العرب للصين يتناقص؛ فإن هذا الاتجاه تحول، إذ أظهر الاستطلاع الذي تم إجراؤه بعد 7 أكتوبر ارتفاع نسبة المؤيدين للصين والآراء المؤيدة لها بأكثر من نصف المستجوبين.

العرب يفضلون الصين.. لماذا؟!

يرى الباحثون أن هذه النتائج تشكل خطرا على علاقات أمريكا بالعالم العربي؛ ففي الأردن والمغرب -وهما دولتان حليفتان لأمريكا- استفادت الصين بزيادة 15 نقطة على الأقل في نسبة الآراء المؤيدة لها. ففي الإجابة عن سؤال هل السياسات الأمريكية أفضل لأمن المنطقة أم الصينية؟ فضل المستجوبون في ثلاث دول عربية الاتجاه الصيني.

ويري الباحثون أن الحضور الصيني في المنطقة محدود فهي تركز على الاقتصاد، وتؤدي دورا محدودا في غزة، لكن يرى المواطنون العرب أنها تدافع عن حقوق الفلسطينيين؛ مما أدى إلى تزايد الآراء التي تفضل الصين، في الوقت الذي تزايدت فيه نسبة الرافضين للسياسات الأمريكية المتحيزة لإسرائيل.

وبالرغم من أن العدوان الإسرائيلي على غزة؛ كان العامل الرئيس في تدهور سمعة الولايات المتحدة، وتناقص نسبة الآراء المؤيدة لها؛ فإن المواطنين العرب يرون أن السياسات الصينية أفضل من سياسة أمريكا حتى في حماية الحريات، وأن أمريكا تعمل لحماية مصالحها، وحماية القادة العرب المتحالفين معها؛ وبذلك ارتبط تناقص نسبة التأييد للولايات المتحدة بتزايد نسبة التأييد للصين؛ مما يؤدي إلى تزايد خسارة الولايات المتحدة.

لذلك يقدم الباحثون لأمريكا عددا من النصائح من أهمها: أنها يجب أن تغير سياستها الخارجية للتقليل من حدة عداء المواطنين العرب لها، وأن تهتم بالرأي العام العربي، فالعداء لأمريكا يتزايد، ونسبة الذين يريدون التعاون معها تتناقص؛ لذلك يجب أن تبحث عن وسيلة لإنهاء الحرب في غزة، والدعوة إلى مفاوضات للتوصل إلى تسوية دائمة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

كما أن الحد من مشاركة الصين في المنطقة يتطلب بناء شراكة مع الدول العربية، ومن الصعب تحقيق ذلك إذا استمرت الجماهير العربية متشككة في أهداف أمريكا. لكن هل يستمع صناع القرار في أمريكا إلى صوت العلم؟!

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان