ما بعد الطوفان: قرارات مجلس الأمن وفعالية الأمم المتحدة
ما إن يصدر قرار عن مجلس الأمن الدولي، حتى تثار إشكالية الجدوى والفعالية، وقيمة ما يصدر عن أهم جهاز في أهم منظمة دولية في العالم المعاصر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وحتى يمكن الوقوف على جدوى وفعالية ما يصدر عن المجلس، من المهم بيان طبيعة المجلس وتكوينه وصلاحياته.
فقد تناول الفصل الخامس من ميثاق الأمم المتحدة، الصادر عام 1945 في المادة 23 تكوين المجلس ونصت على أنه يضمم خمسة عشر عضواً من أعضاء الأمم المتحدة، وتكون جمهورية الصين، وفرنسا، واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية (روسيا الاتحادية فيما بعد)، والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، والولايات المتحدة الأمريكية أعضاء دائمين فيه.
وتنتخب الجمعية العامة عشرة أعضاء آخرين من الأمم المتحدة ليكونوا أعضاء غير دائمين في المجلس. ويراعى في ذلك التوزيع الجغرافي العادل، ويُنتخب العضو غير الدائم لمدة سنتين. ورغبة في أن يكون العمل الذي تقوم به “الأمم المتحدة” سريعاً وفعالاً، يعهد أعضاء تلك الهيئة إلى مجلس الأمن بالتبعات الرئيسية في أمر حفظ السلم والأمن الدوليين ويوافقون على أن المجلس يعمل نائباً عنهم في القيام بواجباته التي تفرضها عليه هذه التبعات، ويعمل المجلس في أداء هذه الواجبات وفقاً لمقاصد “الأمم المتحدة” ومبادئها والسلطات الخاصة المخوّلة له لتمكينه من القيام بهذه الواجبات، كما نصت عليها الفصول السادس والسابع والثامن والثاني عشر من الميثاق.
ونصت المادة 27 من الميثاق على يكون لكل عضو من أعضاء المجلس صوت واحد، وتصدر القرارات في المسائل الإجرائية بموافقة تسعة من أعضائه، وتصدر في المسائل الأخرى بموافقة أصوات تسعة من أعضائه يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة.
بين فصلين: قيمة قرارات مجلس الأمن
يُنظم الفصلان السادس والسابع دور مجلس الأمن في تسوية الصراعات وإدارة النزاعات الدولية، حيث جاء الفصل السادس تحت عنوان “حل المنازعات حلاً سلمياً” وتضمن 6 مواد من 33 إلى 38، ونصت المادة 33 على أدوات التسوية السلمية والتي تشمل “المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها، ويدعو مجلس الأمن أطراف النزاع إلى أن يسووا ما بينهم من النزاع بتلك الطرق إذا رأى ضرورة ذلك”.
وهنا من المهم التأكيد على أن ما يصدر تحت الفصل السادس من الميثاق سواء اتخذ صورة قرارات أو توصيات هو غير ملزم لأي من الأطراف التي يشملها القرار، وهو ما ينطبق على القرارات التي صدرت بخصوص الصراع العربي الإسرائيلي بعد معركة طوفان الأقصى التي بدأت في السابع من أكتوبر 2023، وحتى القرار الصادر في 10 يونيو/ حزيران 2024.
حيث تنص المادة 36 على أن “لمجلس الأمن في أية مرحلة من مراحل نزاع من النوع المشار إليه في المادة 33 أو موقف شبيه به أن يوصي بما يراه ملائماً من الإجراءات وطرق التسوية، وعلى مجلس الأمن أن يراعي ما اتخذه المتنازعون من إجراءات سابقة لحل النزاع القائم بينهم، وعلى مجلس الأمن وهو يقدم توصياته وفقا لهذه المادة أن يراعي أيضاً أن المنازعات القانونية يجب على أطراف النزاع – بصفة عامة – أن يعرضوها على محكمة العدل الدولية وفقاً لأحكام النظام الأساسي لهذه المحكمة.
وتنص المادة 38 على “لمجلس الأمن – إذا طلب إليه جميع المتنازعين ذلك – أن يقدم إليهم توصياته بقصد حل النزاع حلاً سلمياً، وذلك دون إخلال بأحكام المواد من 33 إلى 37”.
والسبب الرئيس في أن هذه القرارات غير ملزمة، هو افتقارها للإجراءات التنفيذية، وهو ما تمت معالجته في الفصل السابع من الميثاق، الذي جاء تحت عنوان “فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان”، واشتمل على 13 مادة، بداية من المادة 39 إلى المادة 51، وتنبع أهمية هذا الفصل من درجة الالزام التي تتسم بها نصوص مواده، وما تضمنته من إجراءات تنفيذية سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية أيضًا.
فقد نصت المادة 39 على “يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادته إلى نصابه”.
الإجراءات التنفيذية التي يفتقر إليها الفصل السادس
جاءت المادة 41 من الميثاق (الفصل السابع) لتتناول الإجراءات التنفيذية لمواجهة العدوان وإدارة الأزمات، سياسيًا واقتصاديًا، حيث نصت على “لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئياً أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية”.
ثم تأتي المادة الأهم والأخطر في الميثاق وهي المادة 42 التي تتناول استخدام القوة العسكرية، حيث نصت على أنه “إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدوليين أو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة”.
وتستكمل باقي مواد هذا الفصل الإجراءات التنفيذية لاستخدام القوة والتسوية المسلحة للنزاعات والأزمات الدولية، ومن ذلك إلزام جميع أعضاء الأمم المتحدة بأن يضعوا تحت تصرف مجلس الأمن بناء على طلبه وطبقاً لاتفاق أو اتفاقات خاصة ما يلزم من القوات المسلحة والمساعدات والتسهيلات الضرورية لحفظ السلم والأمن الدوليين ومن ذلك حق المرور، ويجب أن يحدد ذلك الاتفاق أو تلك الاتفاقات عدد هذه القوات وأنواعها ومدى استعدادها وأماكنها عموماً ونوع التسهيلات والمساعدات التي تقدم.
كما نصت المادة 44، على أنه إذا قرر مجلس الأمن استخدام القوة، فإنه قبل أن يطلب من عضو غير ممثل فيه تقديم القوات المسلحة وفاءً بالالتزامات المنصوص عليها في المادة 43، ينبغي له أن يدعو هذا العضو إلى أن يشترك إذا شاء في القرارات التي يصدرها فيما يختص باستخدام وحدات من قوات هذا العضو المسلحة”، و”رغبة في تمكين الأمم المتحدة من اتخاذ التدابير الحربية العاجلة يكون لدى الأعضاء وحدات جوية أهلية يمكن استخدامها فوراً لأعمال القمع الدولية المشتركة. ويحدد مجلس الأمن قوى هذه الوحدات ومدى استعدادها والخطط لأعمالها المشتركة، وذلك بمساعدة لجنة أركان الحرب وفي الحدود الواردة في الاتفاق أو الاتفاقات الخاصة المشار إليها في المادة 43″.
والخطط اللازمة لاستخدام القوة المسلحة يضعها مجلس الأمن بمساعدة لجنة أركان الحرب، وتشكل لجنة من أركان الحرب تكون مهمتها أن تسدي المشورة والمعونة لمجلس الأمن وتعاونه في جميع المسائل المتصلة بما يلزمه من حاجات حربية لحفظ السلم والأمن الدوليين ولاستخدام القوات الموضوعة تحت تصرفه وقيادتها ولتنظيم التسليح ونزع السلاح بالقدر المستطاع.
وتُشكل لجنة أركان الحرب من رؤساء أركان حرب الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن أو من يقوم مقامهم، وعلى اللجنة أن تدعو أي عضو في “الأمم المتحدة” من الأعضاء غير الممثلين فيها بصفة دائمة للإشراف في عملها إذا اقتضى حسن قيام اللجنة بمسؤولياتها أن يساهم هذا العضو في عملها، وتكون اللجنة مسؤولة تحت إشراف مجلس الأمن عن التوجيه الاستراتيجي لأية قوات مسلحة موضوعة تحت تصرف المجلس. أما المسائل المرتبطة بقيادة هذه القوات فستبحث فيما بعد، وللجنة أن تنشئ لجاناً فرعية إقليمية إذا خوّلها ذلك مجلس الأمن وبعد التشاور مع الوكالات الإقليمية صاحبة الشأن”.
حق الفيتو وعجز مجلس الأمن
وأمام هذه النصوص الواضحة والحازمة التي تضمنها الفصل السابع، تكون أهمية القرارات التي تصدر تحت مظلته مقارنة بما يصدر تحت مظلة الفصل السادس، مع التأكيد في الحالتين أن الأمر يبقي رهنًا بالمصالح والتوازنات السياسية بين الدول دائمة العضوية في المجلس، وهو ما ترتب عليه عجز المجلس في عشرات الحالات عن القيام بدوره في حفظ السلم والأمن الدوليين بسبب حق النقض الفيتو الذي تتمتع به هذه الدول، وخير شاهد في هذه المرحلة ما يتعرض له الفلسطينيون في الأراضي المحتلة من حرب وعدوان وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، من جانب الكيان الصهيوني، وفق ما أقرته لجان وهيئات الأمم المتحدة ذاتها، لكن وضح عجز المجلس بسبب الفيتو الأمريكي الداعم للكيان.