مذابح الأشجار.. وأعداء اللون الأخضر والحياة!

إذا لم تزرع شجرة، فلا تقطع شجرة.
قطع الأشجار يُعتبر جريمة في حق الإنسان والبيئة، وعدم زراعة الأشجار، وإهمال التوسع في المساحات الخضراء، جريمة مماثلة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsنهاية الإخوان!!
الحويني نسيج وحده 3/4 أبو إسحاق الحويني والشيخ المنشاوي في سوهاج
بسبب معدلات الإنجاب.. تركيا تدق ناقوس الخطر
وفي مصر، وخلال السنوات الأخيرة بشكل خاص، تقع الجريمتان في نفس الوقت، إذ إن قطع الأشجار صار معتادًا، وعدم غرس أشجار وتخضير الأرض هو الشائع.
مهما كانت ضرورة مشروعات البنية التحتية، والتوسع العمراني، وتشييد طرق جديدة، أو توسعة القديمة، وإقامة جسور ومبان على أطراف الكتل السكانية أو في الصحراء والسواحل، فإن هذا لا يسوغ أبدًا قطع شجرة واحدة قائمة، فلا يمكن أن يكون هناك تعمير مقابل تصحير وعدوان على الاخضرار والبيئة الصحية والحياة الطبيعية.
نقرأ قصصًا في بلدان بشأن تغيير مسارات طرق أو ابتداع وسائل ذكية لتفادي إزالة شجرة تعترض الطريق خاصة إذا كان يصعب تعويضها، وكذلك فيما هو كل تراثي وتاريخي.
لكن في مصر ليست هناك معان نبيلة تبقى ويكون لها اعتبار، وإذا جرى حديث عن أشجار وحدائق ومقابر لها خصوصية لا يجب الاعتداء عليها وضرورة وجود حلول لتفاديها لمواصلة توسيع أو بناء الطريق أو الجسر أو المشروع الكئيب المبني من الطوب والخرسانة المسلحة، فهناك من قد يعتبرك مهتزًا نفسيًا، أو مناهضًا للإنجازات، إن لم تكن ضد الوطن وتروج لأفكار تنظيمات وجهات معادية.
بناء الإنسان وقيم الجمال
ثقافة التشجير واللون الأخضر والحدائق والمتنزهات والارتقاء بالبيئة العامة والجمال والرقي ليست حاضرة كما يجب في الذهنية الرسمية وذهنية بعض الشرائح الشعبية، وهذه الشرائح والفئات تتأثر في سلوكها غير المتحضر بالقدوة والمثال وهى الواجهة الرسمية، فإذا كانت السلطة مع ثقافة الجمال فإن الشعب حتمًا سيكون جميلًا، والعكس.
بناء الإنسان ليس فقط تعليمًا وصحة وسكنًا لائقًا وحياة كريمة وحرية، إنما يقترن بذلك غرس قيم وسلوك الجمال والتحضر والحفاظ على البيئة فيه، وأهم مظهر لذلك احترام اللون الأخضر والنظافة أمام بيته وفي الشارع والحي والمدينة والقرية.
ومن أسف أن هذه المعاني غائبة بشكل ملموس عن الطرفين: الرسمي والشعبي إلا قليلًا، وهذا القليل يتوه وسط تغول الكثير من القبح والتدني في مجالات كثيرة.
مخاطر إعدام الأشجار
موجة الحر الرهيب التي نعيشها حاليًا ووصلت فيها الحرارة لمستوى غير مسبوق لدرجة أن مدينة أسوان سجلت أعلى درجة حرارة على كوكب الأرض بين مدن ومناطق العالم (50 درجة مئوية)، هذه الموجة كاشفة عن خطورة جريمة ارتكاب مذابح وإعدامات بحق الأشجار.
ونشهد منذ سنوات عمليات قطع جائر وغير مبرر للأشجار في الشوارع بزعم تطويرها وتوسيعها، وإزالة مساحات خضراء من بعض الحدائق، وكذلك الجزر الخضراء وسط الشوارع الواسعة والطرق الرئيسية لإضافة مسارات جديدة إليها لاستيعاب مرور السيارات.
وبسهولة يمكن تفادي هذه التعديات على رئة التنفس وامتصاص الغازات السامة وتخفيف درجات الحرارة وتبريد الأجواء ومواجهة التغيرات المناخية، فالمؤكد أن العقل البشري قادر على إنتاج البدائل أو الحلول. وإذا كانت هناك ضرورة لقطع أشجار فيمكن إزالة ما يمثل عائقًا يستحيل إيجاد حل له، وليس اتخاذ القرار السهل بالإزالة الشاملة وإراحة الرؤوس والتستر خلف مبرر تنفيذ التعليمات والاختفاء وراء شعارات المشروعات القومية الكبرى ومواصلة الإنجازات.
مصر الجديدة ومدينة نصر
شاهدنا جرائم بحق الأشجار المعمرة في حي مصر الجديدة، وقد تم غرسها مع الشروع في بناء هذا الحي وفق نسق معماري خاص به قبل عشرات السنين.
وكان يجب الحفاظ على الحي كما هو مع تطويره وتحسين الخدمات فيه دون المساس بتخطيطه ومعماره وطبيعة شوارعه وأشجاره القديمة ليظل على خصوصيته كما هو تفعل بلدان كثيرة في العالم تقدر قيمة التاريخ والتراث.
كنت في مصر الجديدة مؤخرًا وغادرته وأنا حزين، وكذلك الأمر في حي الزمالك الراقي حيث لم يعد للرقي ولا للجمال مكان فيهما.
وفي حي مدينة نصر تم إزالة أشجار ومساحات خضراء من شوارعه الرئيسية، والخشية أن يلتفت أعداء اللون الأخضر والحياة والبيئة إلى شوارعه الداخلية ويزيلون الأشجار الباسقة منها بحجة تطويرها.
التشجير يواجه الاحترار
موجة الحر الحالية أكدت مخاطر جريمة قطع الأشجار، وكشفت بؤس التفكير السطحي والعشوائي والمعزول عن الواقع، وندرك أن الأشجار وحدها لن تمتص الحرارة المرتفعة بفعل أسباب عديدة منها التغيرات المناخية، والانبعاثات الحرارية، إنما وجود الأشجار والمساحات الخضراء بكثافة وفي كل مكان، ولو في شرفات المنازل وأسطحها، هو علاج فعال ومضمون لمواجهة الاحترار وتخفيض درجات الحرارة وإنتاج الأكسجين اللازم للتنفس وامتصاص السموم وأهمها غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن احتراق الوقود.
كنت ذاهبًا إلى العاصمة الإدارية الجديدة وطوال الطريق إليها ولأكثر من ساعة لم تصادفني شجرة مزروعة إلا القليل عند مدينة العبور، وما قبل العبور وما بعدها وصولًا إلى هذه العاصمة لا شجر ولا تشجير ولا حدائق صغيرة وسط الطريق تفصل اتجاهيه، ولا في الشوارع، ولا حدائق، ولا لون أخضر يريح العين ويهدئ النفس، إنما صحاري وكباري ومحاور ومباني صماء وأرصفة تفتقد لمسات الجمال وكابلات كهرباء غير مدفونة بالشوارع وأغطية غرف صرف صحي تعيق الحركة.
كما ذهبت إلى مجمع سكني كبير تخلو شوارعه المتربة من فسيلة واحدة، وليست الأحياء والمدن الجديدة هي العارية وحدها من الأشجار، إنما هناك مناطق مأهولة كذلك، والطرق والأحياء التي تتميز بشوارعها الخضراء قد يقودها حظها العاثر لنزع هذه الميزة عنها.
هذه ثقافة العشوائية والفوضى وكراهية الجمال ومخاصمة كل ماهو أخضر وراق ورائق وصحي وبيئي، ومن أسف أن السلطة هي من تبادر بالوقوع في هذا الخطأ الكبير.
مرة أخرى، إذا كان لنا ماض جميل، فإن الحاضر مؤلم، والتدهور فيه مثل قطار بلا محطة توقف، أو نهاية.