في منتدى الصين والعرب.. تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى!

بعد 20 عاما على تأسيس منتدى التعاون العربي الصيني، تُظهر نتائج اجتماعات المؤتمر الوزاري العاشر الذي عُقد في بيجين الأسبوع الماضي، عمق الخلافات بين قادة الصين والعرب.
أقبل العرب على الصين وقلوبهم شتى، بينما تركز الصين على أهدافها نحو المستقبل، بالسير عكس تيار اتبعته العقد الماضي، لحشد المزيد من الأصدقاء كي تصبح بطلا لدول الجنوب.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsسعد الهلالي والبحث عن الفتاوى الشاذة
قانون التشافي الكوني: جبر الأضرار وتحقيق السلام الداخلي!
التنين الصيني يستعد لمواجهة النسر الأمريكي!
جاء العدوان الوحشي الإسرائيلي على غزة، ليضع قضية فلسطين على قمة أولويات المسؤولين من الطرفين.
يحتفظ بعض القادة العرب برؤى مغايرة للصين وشعوبهم حول مجازر الإبادة، فيحمّلون حماس مسؤولية الحرب، وعلى استعداد لمحوها من وجه الأرض، ويدعمون اتفاقات تعاون لم تتبدل مع الاحتلال اقتصاديا وعسكريا.
توظف الصين القضية الفلسطينية لتحسين سمعتها واستعادة مركزها الريادي بين العالم الثالث، بعدما حصرت دورها على مبادرات تهتم بالاقتصاد والتهام ثروات الشعوب الفقيرة عبر “القروض الفاسدة”، دون رغبة في حماية دول الجنوب من الهيمنة الأمريكية الغربية.
تتجه إلى حرق جسور الود الدافئ لمدة عقدين مع إسرائيل ليقترب انتهاء شهر العسل بينهما، بعد ازدهار لتعاون اقتصادي وعسكري، كلما ازدادت شراسة آلة القتل ضد الأبرياء.
راعي المجازر
تشن الصين حملة إعلامية ودبلوماسية واسعة على الولايات المتحدة، بوصفها الراعي الرسمي للمجازر ضد الأطفال والنساء والمدنيين والمستشفيات والمنظمات الإنسانية، باستخدام الفيتو في مجلس الأمن الدولي لمنع الوقف الفوري للحرب، وتمويل العدوان بالمال والسلاح.
تدفع إلى تقويض مصداقية النظام الديمقراطي الغربي، وعقيدة واشنطن في الدفاع عن الإنسانية واحترام حقوق الانسان، وتسدد ضربات للإعلام الأمريكي الفاقد للمهنية لصالح قوة المال واللوبي الصهيوني.
عكست كلمات الرئيس شي جين بينغ، أثناء افتتاحه المنتدى الخميس الماضي أمام 3 رؤساء وملك و7 وزراء خارجية ورئيس وزراء والأمين العام للجامعة العربية، وبحضور ممثلي الدول العربية في بيجين، تحولا ملموسا على سياسة الصين الخارجية.
قال شي “أشعر بالعزة والدفء كلما ألتقي بالأصدقاء العرب”، مؤكدا ضرورة وقف الحرب فورا في غزة “فلا يجوز أن تغيب العدالة إلى الأبد، أو يتأخر حل إقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة الكاملة، واستمرار الحرب في غزة إلى أجل غير مسمى”.
الدبلوماسية الخشنة
استبق عميد الدبلوماسية الصينية وانغ يي كلمات الرئيس بنشر مقال بالصحف العربية عن “الأزمة الإنسانية الخطيرة في غزة”، مشيرا إلى أنه لا يمكن لأي بلد أو شعب محب للسلام أن يبقي غير مبال أمام هذا المشهد والوضع الخطير.
أصبحت كلمات “شي” والدبلوماسيين أكثر خشونة في مقابل واشنطن وتل أبيب، جعلتهم متهمين بدعم “حماس” على حساب إسرائيل.
لم ينس وانغ يي أن يُذكّر بأهمية وقف ضربات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، من أجل تعزيز التعاون بين المنطقة العربية التي أصبحت “تضم أعلى عدد من الشركات الاستراتيجية للصين، إذ ترتبط مع عدد من الدول العربية بشراكة استراتيجية شاملة، واتفاقات شراكة استراتيجية مع 10 دول أخرى، و17 آلية للتعاون على مستوى المسؤولين ورجال الأعمال في 22 دولة عربية”.
فالسياسة عند الصين إحدى أدوات الترويج لمشروعاتها التجارية وتنشيط الاقتصاد الذي يعاني الركود وضغوط واشنطن التي تحاول تحجيمه وسحق قدرته على منافسة الغرب تكنولوجيا وعسكريا.
يأمل وانغ يي أن “تواصل الصين بناء 20 عاما أخرى أكثر روعة، يكون فيها التعاون الجماعي بين الصين والدول العربية هو الهدف السامي لبناء مستقبل مشترك”. الصين أكبر شريك تجاري للدول العربية منذ سنوات. ارتفع حجم التبادل التجاري من 2004 إلى 2023 بنحو 11 ضعفا. يقدّر “يي” الزيادة من 36.7 مليارا إلى 398 مليار دولار، مع وجود 200 مشروع ضخم في البنية الأساسية ضمن مشروع “الحزام والطريق”.
رهان الصين
تفضل الصين عادة التعامل مع العرب كيانات منفصلة، لتحصل على مميزات من كل دولة على حدة، وتتخلص من المشكلات العالقة بين الأطراف والدوائر المحيطة، خاصة المتصلة بعلاقاتها بالولايات المتحدة.
استسلمت طويلا للدور الأمريكي المهيمن على الشرق الأوسط، ووظفت دبلوماسيتها الناعمة لتحقيق مكاسبها الاقتصادية بهدوء.
الآن تقف بيجين على المحك، تحاول أن تضع العرب في كتلة واحدة، لمواجهة سعي واشنطن لتقويض اقتصادها ودورها المتنامي عسكريا وسياسيا. تحولت المنافسة الناعمة بين الطرفين إلى خشنة، فتتجه واشنطن إلى الخروج على “العولمة” التي ابتدعتها وساعدت الصين على الخروج من الفقر.
لم تراهن الصين على دعم القضية الفلسطينية من فراغ، فقد أدركت أن علاقتها القوية مع إيران لم تمكنها من السيطرة على الحوثيين الغاضبين لما يحدث في غزة، فيطلقون الصواريخ على السفن المارة بالبحر الأحمر، في وقت سعت دول عربية بمشاركة الهند في بناء المشروع الموازي لمسار “الحزام والطريق” الذي يربط الصين بنحو 100 دولة عبر المحيط الهندي والبحر الأحمر وأوروبا، بما يهدد مستقبل التجارة بين الصين والعرب والعالم.
ضد التيار
جاءت الضربة الكبرى للصين، مع ترويج الإدارة الأمريكية الأسبوع الماضي، لمشروع يديره “البنتاغون” يستهدف توسيع “تحالف الدفاع الجوي والبحري في الشرق الأوسط”، لاحتواء قدرة إيران وروسيا على إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة التي “تهدد إسرائيل والقوات الأمريكية في سوريا والعراق وجنوبي أوكرانيا”. وفقا لموقع “مونيتور” الأمريكي، يضم التحالف الدول التي تصدت أخيرا للصواريخ الإيرانية التي لم يصل 99% منها إلى إسرائيل بفضل التنسيق الأمني العسكري العربي الأمريكي!
أصبحت الصين مطالبة بأن تتوقف عن إدارتها المعقدة لعلاقاتها بالدول العربية، فقد انتهي زمن أن تكون محبوبة من الجميع، بعد أن اكتشفت أن منتدى العلاقات العربية الصينية، لم يجذب إلا عددا قليلا من القادة، بينما غابت عنه رموز أدارت في التوقيت نفسه التنسيق الدفاعي مع الولايات المتحدة.
على الصين إدراك أن بعض المشاركين في المنتدى استهدفوا استعادة زخم التمويل الذي تعطل بشدة خلال العامين الماضيين، ومنهم من لجأ إليها للهروب من خصومة مكتومة مع الولايات المتحدة، وأغلبهم يسعى إلى تأمين استثماراته بعيدا عن قبضة الغرب، الذي يصادر -في حرب على الهوية والأيديولوجيا- أموال الدول والأفراد.
أعطت غزة بثقلها إلى الصين والعرب طوق نجاة، للسباحة ضد التيار، فعليها إدراك أن قدرتها على حل عثراتها، أصبح طريقها للنجاة من الأخطار. فإذا نجحت في الوفاء بما تعهدت به من إقامة دولة فلسطين مستقلة ذات سيادة، فستكون نقطة البداية الصحيحة لها ولشعوب المنطقة.