وما أدراك ما الأزهـر وشيخه؟

الاستقبال الرسمي الحافل لفضيلة شيخ الجامع الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، في عدد من الدول الآسيوية (ماليزيا وإندونيسيا وتايلند) الأسبوع الماضي، أثار انتباه العامة واهتمامهم والمراقبين في مصر، وهو ما فتح الباب واسعًا أمام مناقشات شعبية ونخبوية مستفيضة، عن أهمية الأزهر، كقوة ناعمة مصرية، لا تحاول الدولة الاستفادة منها، أو الاهتمام بها.
على العكس من ذلك، كان هناك خلال السنوات القليلة الماضية بعض التحفظ، أو ربما التحامل في بعض الأحيان، على الدكتور الطيب، كان الإعلام الرسمي محوره، خصوصًا بعد موقف الرجل من قضية الطلاق الشفهي، الذي أكد وقوعه دون الحاجة لتوثيق، وهو ما أكدت عليه أيضًا هيئة كبار علماء الأزهر، وهي القضية التي اصطدمت بتوجهات رسمية، سعت إلى اعتبار هذا النوع من الطلاق كأن لم يكن.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsصلبوه وعذبوه حتى الموت.. لماذا قتل الأهالي الشاب العشريني؟
ترامب وسنواته الأربع!
مآلات الدولة القومية في الغرب
لمن لا يعلم، الأزهر ليس دراسة القرآن الكريم فقط، وإن كان القرآن يكفيه، ذلك أن دراسة القرآن قد تستغرق حياة الإنسان طولًا وعرضًا، دون الوقوف على مكنوناته وأسراره، الأزهـر منذ بداية المرحلة الابتدائية وحتى التخرج هو: علوم النحو، علوم الصرف، علم البيان، علم المعاني، علم البديع، علم التوحيد، التصورات، التصديقات، علم الوضع، علم المقولات، فلسفة اللغة، أصول الفقه، فلسفة الفقه، قواعد الفقه، مقاصد الشريعة، علوم القرآن، القراءات، النظريات الفقهية، المذاهب الفقهية، الحديث، علوم الحديث، أصول الحديث، علوم التفسير، أصول التفسير.
وهناك الكثير مما يتفرع عن ذلك من ألفيات ومتون، أشهرها ألفية بن مالك، وعددها ألف بيت من الشعر، جمعت أحكام اللغة العربية كلها، أو متن الشاطبية، الذي بلغ عدد أبياته 1173 بيتًا، جمعت القراءات السبع المتواترة عن الأئمة، إلى غير ذلك من كثير، في كل علوم الشريعة والأدب واللغة، قبل أن تتوسع دراسات الأزهر إلى مجالات العلوم كلها تقريبًا، بدءًا من اللغات والترجمة، التي تضم عددًا كبيرًا من لغات العالم، إلى الطب والصيدلة والعلوم والهندسة والزراعة والتجارة والقانون وغيرها.
المبتعثون إلى الأزهر
ولأن الأزهر حرص منذ إنشائه قبل ألف عام، على نشر علومه في أنحاء العالم كله، فقد شكّل الطلبة المغتربون أو المبتعثون نسبة واضحة بين طلاب جامعته، تزيد في العام الواحد على 6 آلاف طالب وطالبة، وكانت مدينة البعوث الإسلامية (بيوت إقامة الطلاب) شاهدة على العصور كلها، وتقلد الخريجون من الأزهر أرقى المناصب العليا في البلدان الإفريقية والآسيوية بشكل خاص، (رؤساء ورؤساء حكومات ووزراء)، ناهيك من أعداد كبيرة في القارات الأُخر أكملوا دراساتهم أيضًا بالأزهر، وهو الذي جعل منه جامعة عالمية ومنارة ثقافية لا تضاهيها أخرى في أي من بقاع العالم.
ومن بين القادة الأفارقة والعرب خريجي الأزهر، الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين، وفي آسيا رئيس جمهورية المالديف السابق، مأمون عبد القيوم، وأذكر في عام 1987 كنت أقوم بتغطية صحفية للحرب الأفغانية ضد الاحتلال السوفييتي، وكان هناك في ذلك الوقت سبعة قادة أفغان، برهان الدين رباني، أول رئيس لأفغانستان فيما بعد انتهاء الحرب، عبدرب الرسول سياف، قلب الدين حكمتيار، نبي الله محمدي، صبغة الله مجددي، سيد أحمد جيلاني، محمد يونس خالص، وكانت المفاجأة أنهم جميعًا، باستثناء حكمت يار، من خريجي جامعة الأزهر، وتحديدًا كليتي أصول الدين والشريعة والقانون، يتحدثون عن مصر كما لو كانوا مصريين.
هذا الوضع سوف نجده مكررًا تحديدًا في إندونيسيا، ماليزيا، دول الاتحاد السوفييتي السابق، عدد كبير من الدول الإفريقية، لذا فإن شيخ الأزهر، في معظم الأحوال، حينما يتوجه إلى أي من هذه الدول، فإنه يذهب بطائرة الرئاسة الخاصة بهذه الدولة أو تلك، حيث يتم إرسالها خصيصًا لهذا الغرض، وقد حكى لي مستشار فضيلته، أن رئيس دولة الشيشان، على سبيل المثال، حينما استضاف شيخ الأزهر لتناول الغذاء في منزله، أصر على القيام بخدمته وتقديم الطعام بنفسه، رافضًا الجلوس على المائدة لتناول الطعام مع الإمام، على اعتبار أن ذلك لا يليق.
الروايات لا تنتهي في هذا المجال، بدءًا من الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، رحمه الله، الذي حمل الإيرانيون السيارة التي يستقلها على الأكتاف وهو بداخلها، بمجرد أن خرج من المطار، لمجرد أنه ينتمي إلى الأزهر، وفي الماضي القريب شاهدنا وزير الأوقاف الحالي الشيخ أسامة الأزهري محمولًا على الأعناق، في مشهد مهيب بإندونيسيا، لمجرد أن عمامة الأزهر تكسو رأسه، ويظل علماء الأزهر ومعلموه وبعثاته وضيوفه مصدر إشعاع، ومحل ترحيب كبير في بقاع العالم كله، حتى في الدول غير الإسلامية، وما أدل على ذلك من استقبال فضيلة شيخ الأزهر في عواصم أوروبا، ومن بابا الفاتيكان.
مهمة الجمهورية الجديدة
بيد أن القول المأثور (لا كرامة لنبي في وطنه)، وهي المقولة التي قد تُنسب للسيد المسيح، تطرح نفسها حين مناقشة هذه القضية، ذلك أن الواقع يشير إلى أن بلد الأزهر لم تستفد منه كما يجب، أو بالقدر الذي يتناسب مع حجمه لدى الآخرين، رسميين وعامة، على الرغم مما يمثله الأزهر من قوة ناعمة كبيرة، تتصدر في تصنيفها الكيانات كلها والعوامل الأُخر، التي تحاول الدولة الاستفادة منها، كالآثار والسياحة والموقع الجغرافي والتاريخ والدور الإقليمي والإنتاج الدرامي والفن بشكل عام والرياضة والعمالة، إلى غير ذلك مما يمكن أن يشكل إضافة للحالة المصرية، أو للشأن المصري.
وفي هذه الحالة، أعتقد آنه قد آن الأوان للتوسع في إنشاء فروع لجامعة الأزهر في عدد كبير من العواصم الإسلامية بشكل خاص، إلى جانب فرعي غزة وماليزيا، على غرار ما تفعل الجامعات الأمريكية والبريطانية والألمانية والروسية والصينية والفرنسية والكندية، التي تغزو دول العالم الآن، ومن بينها مصر، ولو أن الأزهر حصل على الضوء الأخضر في هذا الصدد، فسوف يجد الكثير من المساهمين حول العالم، ورؤوس الأموال الإسلامية، ناهيك من الدعم الرسمي، وهو أمر لو تعلمون عظيم.