هل يستطيع اليسار أن ينقذ أوروبا؟!

الوزير الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان دعا يهود فرنسا إلى الهجرة إلى إسرائيل (غيتي)

الانتخابات في بريطانيا وفرنسا تفتح آفاقا جديدة لتغيير الواقع العالمي؛ فهي تشكل انتصارا للشعوب التي أثبتت أنها تستطيع أن تستخدم الانتخابات لفرض إرادتها، وأنها يمكن أن تحقق مفاجآت لا يتوقعها الذين يصرون على القراءة السطحية للواقع.

أهم نتائج تلك الانتخابات أن هناك الكثير من الفرص لتشكيل رأي عام يمكن أن يؤثر في النظام العالمي، ويسهم في إعادة بنائه على أسس جديدة؛ فهذا النظام لم يعد قابلا للحياة أو الاستمرار، وأصبح العالم يحتاج إلى فكر جديد.

من أهم ما أوضحته نتائج هذه الانتخابات أن الشعوب يمكن أن تستخدم الديمقراطية؛ لتدافع عن حياتها ووجودها وتصحح مسارها، وتختار لنفسها قيادات جديدة تقدم مشروعات للإصلاح، وتحقق التوازن، وتواجه الأخطار، وتوحد الشعوب.

لقد أدرك الشعب الفرنسي أن ماكرون وتحالفه ليسوا قادرين على تقديم أفكار جديدة؛ وأن ماكرون يسير بدون وعي في فلك السياسة الأمريكية التي تستخدمه لتحقيق مصالحها، وأنه أغرق فرنسا في الديون، وأضعف تأثيرها في الاقتصاد الأوروبي.

كما أثار ماكرون عداء المسلمين له بعد الإساءات التي وجهها إلى الإسلام، وتشجيعه الإسلاموفوبيا التي تشكل خطرا على الدول الأوروبية؛ فالوجود الإسلامي لم يعد من الممكن تجاهله، كما أن مقاطعة المسلمين للمنتجات الفرنسية كان تأثيرها سلبيا على الاقتصاد الفرنسي.

وأثار انحياز السياسية الخارجية الفرنسية للعدوان الإسرائيلي على غزة مشاعر ملايين الفرنسيين، خاصة من الطلاب الذين شعروا بالعار نتيجة تأييد دولتهم للمذابح التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.

اليمين والعنصرية!

أما اليمين المتطرف الذي بدأ يصعد في كل أوروبا، فهو يثير الكثير من الأخطار التي يمكن أن تهدد بتفكك المجتمعات، وتعتبر إثارة المشاعر العنصرية للأوربيين من أهم المشكلات، والعنصرية هي أقصر الطرق إلى انهيار الدول؛ فهي تشكل أساس الظلم والقهر والاضطهاد، وتؤدي إلي زيادة الكراهية والرغبة في الانتقام.

واليمين المتطرف يستخدم إثارة المشاعر الوطنية ضد المهاجرين خاصة الملونين، كما يربط ذلك بإثارة العداء ضد الإسلام؛ مما يفتح المجال لاضطهاد ملايين المسلمين، وهذا يهدد أهم أركان الديمقراطية وهو احترام التعددية والتنوع.

الشعب يتطلع إلى اليسار

نتيجة لذلك تطلع الشعب الفرنسي إلى اليسار، وعلق آماله على تحالف الجبهة الشعبية الجديدة التي تمكنت من الحصول على 182 مقعدا في الجمعية الوطنية الفرنسية؛ وبذلك سيضطر ماكرون إلى دعوة جان لوك ميلانشون إلى تشكيل الحكومة، وتقاسم سلطته معه.

وقد طالب ميلانشون ماكرون بالاعتراف بالهزيمة، ودعوة الجبهة الشعبية الجديدة إلى تشكيل الحكومة؛ كما قال زعيم حزب الوسط الفرنسي جلوكسمان: إن فرنسا يجب أن تجد السلام بعد فوز تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري بأكبر عدد من المقاعد؛ وإن الثقافة السياسية يجب أن تتغير؛ فعندما لا يتمكن أي حزب من الحصول على أغلبية واضحة؛ فإن الأمر يتطلب الانفتاح على الحوار.

ومن أهم التصريحات التي تكشف احتمالات المستقبل، ما قاله زعيم الحزب الاشتراكي الفرنسي أوليفييه فور: إن الانتخابات البرلمانية كانت انتصارا للجبهة الشعبية الجديدة اليسارية، التي يجب أن توحد غالبية الشعب الفرنسي، حيث سيكون لدينا بوصلة واحدة فقط هي برنامج الجبهة الشعبية الجديدة؛ ولذلك يجب أن لا تستمر سياسة ماكرون.

غزة حاضرة لماذا؟!

هناك جانب مهم في تحليل نتائج الانتخابات الفرنسية؛ إذ شهدت فرنسا الكثير من المظاهرات المطالبة بإنهاء الحرب على غزة، ودعم الفلسطينيين، وقد شارك اليسار الفرنسي بقوة في هذه المظاهرات؛ وبذلك تمكنت الجبهة الشعبية الجديدة من الحصول على أصوات الرافضين للسياسة الفرنسية المؤيدة للعدوان الإسرائيلي على غزة.

ومن أهم نتائج الانتخابات الفرنسية أن الاتهام بالعداء للسامية فقد تأثيره، ففي الماضي كان هذا الاتهام يجعل السياسي يفقد مستقبله، ويمكن أن يتعرض للمحاكمة، لكن جان لوك ميلانشون رئيس حزب فرنسا الأبية الذي يقود الجبهة الشعبية الجديدة وجه انتقادات حادة لإسرئيل؛ مما أدى إلى توجيه اتهامات له بالعداء للسامية؛ حيث اتهمه ماكرون بأن خطابه يؤدي إلى زيادة حادة في الأعمال المعادية للسامية، وكذلك استخدمت لوبان هذا الاتهام في الهجوم على ميلانشون، وطالبته بالتخلي عن تاريخه في العداء للسامية، كما استخدم هذا الاتهام الكثير من زعماء اليهود في فرنسا، حيث جاء في موقع إسرائيل هيوم تحذير من شخصيات يهودية منها برنار هنري ليفي الذي وصف ميلانشون بأنه سيئ السمعة، وقال إن اليسار وقع فريسة له، وإنه تحيط به وجوه معادية للسامية، وأضاف: دعونا نأمل أن يمتنع الرئيس إيمانويل ماكرون عن التواصل مع ميلانشون. يجب أن نحث الديمقراطيين الاشتراكيين على قطع العلاقات مع ميلانشون وعلى إدانته بشكل مستمر هو وجماعته الذين يجلبون العار على الجمهورية.

مطالبة اليهود بالهجرة!

بالرغم من أن إسرائيل التزمت الصمت حتى الآن، فلم تعلق بشكل رسمي على نتائج الانتخابات؛ فإن ليبرمان دعا يهود فرنسا إلى الهجرة إلى إسرائيل إثر نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة التي تصدر فيها تحالف اليسار.

وقال ليبرمان: في ضوء انتصار اليسار الراديكالي في فرنسا، أدعو جميع اليهود الفرنسيين إلى الهجرة إلى دولة إسرائيل، لا يوجد وقت.

وأضاف: تحدث جان لوك ميلانشون، زعيم الحزب الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات، أكثر من مرة ضد اليهود ودولة إسرائيل، ويمثل حزبه معاداة للسامية تعبّر عن زيادة كبيرة في كراهية إسرائيل.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان