بين التحديات والتوقعات.. هل نحن على أعتاب صفقة بين حماس وإسرائيل؟

المجزرة الجديدة التي ارتكبتها إسرائيل بحق نازحين فلسطينيين في منطقة المواصي غرب مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

ربما للمرة الأولى منذ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كانت الفرصة متاحة بشكل كبير للوصول إلى صفقة جديدة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، كان التفاؤل أيضًا هو سيد الموقف مع الوصول نوعًا ما إلى تقارب في وجهات النظر، وهو الأمر الذي لم نشهده خلال المفاوضات السابقة، الفرصة الحالية كنت قاربت فعلًا على النضوج والقابلية للتحقق، لكن نتنياهو الذي لم نعد نتفاجأ بمواقفة، ما زال يضع العصا في الدوليب لعرقلة أية صفقة بالرغم من أنه لم يعد يملك أية أوراق ضغط تذكر.

الآمال والمواقف بالمضي في الصفقة الحالية، غابت أمس مع المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال أمس في المواصي وراح ضحيتها نحو 90 شهيدًا وأكثر من 300 مصاب، وهو ليس بالجديد، ففي كل مرة تقترب المفاوضات من نهايتها، يبادر نتنياهو بارتكاب مجزرة، ويخرج بتصريحات يؤكد فيها أن الضغط العسكري وحده ما سيحقق النصر واسترجاع الأسرى، متجاهلًا المظاهرات التي أصبحت تتسع في تل أبيب لعقد صفقة.

يدير نتنياهو ظهره لقيادات في الجيش ومسؤولين إسرائيليين، يؤكدون أن الحل العسكري الذي مارسته إسرائيل طول تسعة أشهر لم ولن يحقق الأهداف المرجوة، فالمواقف الإسرائيلية الآن باتت أكثر إلحاحًا للوصول إلى صفقة، لا سيما وأن نتنياهو كان قد راهن على معركة رفح  كورقة أخيرة للقضاء على المقاومة وتخليص الرهائن، لكن هذه الورقة أيضًا سقطت واحترقت دون تحقيق أي من أهدافها.

ويمكن قراءة جزء من مواقف النخبة الإسرائيلية في مقال للصحفي عطار بورات في “يديعوت أحرونوت”، إذ عبّر من خلاله عن الأسف والأسى لما آلت إليه الدولة العبرية التي لم تعد تمتلك أيًا من نقاط القوة في المفاوضات أو فرض شروطها، إذ يقول الكاتب: “إن الدولة التي تفتخر بأقوى جيش في الشرق الأوسط، تكافح لحماية مواطنيها ورهائنها وجنودها، حان الوقت للاعتراف بحدود القوة”.

نقص الذخيرة لدى جيش الاحتلال أبرز نقاط الضعف

وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” مؤخرًا أن كبار ضباط جيش الدفاع الإسرائيلي يدعون إلى وقف إطلاق النار مع “حماس” بسبب نقص الذخيرة ومخاوف تتعلق بالاستعداد لمواجهة محتملة مع “حزب الله” في لبنان.

هذا الرأي، الذي يشترك فيه العديد من كبار المسؤولين العسكريين، يتناقض مع موقف نتنياهو، الذي ما زال يبحث عن ثغرة لتعطيل الصفة، إذ يراهن على وصول ترامب إلى البيت الأبيض، لمواصلة حملته العسكرية والاستمرار في منصبه.

الدفع من قبل الجيش الإسرائيلي لوقف إطلاق النار نابع من الحاجة إلى إعادة تزويد الذخيرة والاستعداد للتهديدات الإقليمية الأوسع، لا سيما من “حزب الله”، إذ يعتقد الجنرالات وفقًا لتصريحات “نيويورك تايمز” أن الهدنة المؤقتة ستسمح لهم بالتعامل بشكل أفضل مع الصراعات المحتملة على جبهات متعددة وتأمين إطلاق سراح الرهائن لدى “حماس”.

أما نتنياهو الذي تشتد عليه الضغوط من كل حدب وصوب، فلم يعد يمتلك أي مفاتيح للمماطلة أو تبرير استمرار الحرب، خاصة وأنه لم يتمكن حتى الآن سوى من تحرير أربعة أسرى، ولا يبدو أن بإمكان الجيش تحرير المزيد إلا عبر صفقة مع “حماس” التي ما زالت تتمسك بشروطها، وهو الأمر الذي يفسّر التوترات المتزايدة بين نتنياهو وقيادات الجيش الإسرائيلي، لا سيما وأن قيادات الجيش تدرك أن نتنياهو وحكومته يماطلون في الحرب للبقاء في السلطة حتى وإن ظل يحارب الحجر.

القناعات التي أصبحت سائدة لدى الجنرالات السابقين المعارضين لنتنياهو هي أن إسرائيل لا تستطيع هزيمة “حماس”، وأنه من الأفضل أن تُوقف خسائرها من خلال الموافقة على اتفاق وقف إطلاق نار، إذ يرون أن مماطلة نتنياهو جعلت إسرائيل في حالة مستمرة من الإحراج مع توالي القضايا الدولية المرفوعة على إسرائيل، واستمرار المظاهرات الداعية إلى إسقاط حكومته.

السم القاتل

يضاف إلى تلك التحديات، الضربة القوية التي وجهها المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي دانيال هاغاري لنتنياهو وحكومته، إذ اعتبرت كلماته بمثابة السم القاتل، عندما قال إنه من المستحيل تدمير “حماس” أو إسقاطها، لينضم إليه لاحقًا مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي بقوله إن القضاء على حركة “حماس” سيستغرق وقتًا طويلًا.

لا شك أن هذه التصريحات من هؤلاء المسؤولين، تسببت بمزيد من الخيبة لنتنياهو وحكومته، خاصة وأنها جاءت متوافقة مع رؤية مسؤولين في الجيش يرون أن الجيش في أضعف مراحله ولن يتمكن من تحقيق النصر، لا سيما وأن هاغاري قال أيضًا في سلسلة من المقابلات التلفزيونية، إن “حماس” هي فكرة، وأي شخص يروي قصة مختلفة فإنه يخدع الجمهور.

ورغم أن جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يعتمد على سحق الفلسطينيين باستخدام القوة المفرطة لا يضع قيودًا، ولا يلتزم بأية معايير أخلاقية أو دولية، وهو ما يفسّر الغضب الأعمى والدمار والقتل وسحق الأبراج والمستشفيات وكل مظاهر الحياة، للضغط على المقاومة وتهجير الغزيين، إلا أن رهانات هذا الجيش على انهيار المقاومة جميعها لم تتحقق، ولم تعد القوة العسكرية المفرطة الرهائن، بل تم قتل الرهائن واحدًا تلو الآخر نتيجة للدمار الهائل الذي نشره الجيش، وبالمقابل فر آلاف السكان في مستوطنات قطاع غزة وفي مستوطنات الشمال.

وها هو أبو عبيدة يطل مؤخرًا ليؤكد أن المقاومة بعد تسعة أشهر ما زالت بخير، وأن  كابوس تحرك الضفة الغربية والقدس ومناطق الـ48 بدأ بالتحقق، وأن ترسانة المقاومة العسكرية ما زالت متوفرة، بل إن آلة تصنيع الأسلحة ما زالت مستمرة، وإن المقاومة تمكنت من تجنيد آلاف المجاهدين للتصدي للعدو الصهيوني، وتعزيز المقدرات الدفاعية، هذه التصريحات أتت في وقت حساس للغاية من مراحل المفاوضات الأخيرة، يأتي بمثابة رسائل واضحة وصريحة تؤكد أن عزيمة المقاومة أقوى من ذي قبل رغم طول أمد المعركة، وبشاعة العدوان الذي يمارسه الصهاينة بحق المدنيين العزّل.

الدولة التي تمتلك القوة النووية

يقول الكاتب نسيم دوك في صحيفة “يديعوت أحرنوت”: “إن الدولة التي تمتلك القدرة النووية، غير قادرة على حماية مواطنيها ورهائنها وجنودها على أي جبهة، بل على العكس، إن مبيعات المولدات الكهربائية الخاصة، والهواتف الفضائية، والمواد المعلبة، وزجاجات المياه، وتذاكر اللجوء، ترتفع بشكل كبير”.

ويضيف الكاتب: “سنستمر في أن نكون أمة مدمنة على القلق والألم والجنائز والحزن ودفن الآباء لأبنائهم، كم هو صعب أن نتخلص من كل هذه الأشياء”.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان