شيخ الأزهر ورحلته لدول آسيا.. لماذا تجاهلها الإعلام المصري؟!

رابوو سوبيانتو الرئيس الإندونيسي (يمين) يستقبل شيخ الأزهر

“أهلًا وسهلًا يا شيخنا.. أهلًا وسهلًا يا شيخ.. أهلًا وسهلًا يا أبويا.. أهلًا وسهلًا يا مولانا.. والله نحن سعداء بك يا أبويا”.. هذه الكلمات قالها أحد المستقبلين لفضيلة شيخ الأزهر في إندونيسيا أثناء وصوله للمطار وهو يبكي بصوت متهدج خارج من القلب، ليردّ الإمام الطيب عليه بمودة، قائلًا “وأنا أيضًا سعيد بكم”.

لم يكن من الغريب هذا الاستقبال الرسمي والشعبي الحاشد لفضيلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، في دول جنوب شرق آسيا، لأن شعوب هذه الدول يضعون الأزهر وشيخه في منزلة عالية، ويمثل لهم قُدسية عظيمة، يتعرفون منها إلى الإسلام المعتدل، وأمل كل واحد فيهم الدراسة في الأزهر.

وكان يتم استقبال شيخ الأزهر بالنشيد الوطني المصري “بلادي بلادي، لك حبي وفؤادي” باللغة العربية في كل الدول التي وصل إلى زيارتها.

التجاهل الإعلامي

ورغم الزخم الشديد لزيارات فضيلة شيخ الأزهر لدول جنوب شرق آسيا، تايلاند وماليزيا وإندونيسيا، واستقباله الحافل من الملوك والرؤساء ورؤساء الوزراء والوزراء ورؤساء الجامعات، ومديري المعاهد الدينية، وغيرهم، إلا أننا في المقابل لم نرَ هذا في الإعلام المصري، وكأن شيخ الأزهر بما لاقاه من تقدير وترحيب لا يصبّ في صالح مصر.

إن مؤسسة الأزهر تعدّ القوة الناعمة الجبارة الباقية التي تمتلكها مصر، بما لها من تأثير دولي وإقليمي عظيم في قارة إفريقيا وآسيا تحديدًا، فهذه الدول تعظّم دور هذه المؤسسة وشيخها، وما من دولة في إفريقيا أو دول شرق آسيا تحديدًا إلا وتعرف قدر الأزهر، وأفضل الأمنيات عندهم هو استكمال تعليمهم في الأزهر، وبالفعل قد تخرّجت قيادات كثيرة من هذه الدول في مؤسسة الأزهر، وتولّوا أكبر المناصب في بلادهم.

ومَن يتابع ما يقوم به الأزهر تجاه المبعوثين من هذه الدول يعرف سبب تعلق هؤلاء بالأزهر، ففي شهر رمضان -على سبيل المثال- يقيم لهم الأزهر موائد رمضانية في صحن جامع الأزهر يوميًا للطلاب الأفارقة والآسيويين، سواء من جنوب شرق آسيا، أو آسيا الوسطى، حيث يتوافد عليها يوميًا آلاف الطلاب والدارسين منهم.

ولا يكتفي الأزهر بهذا، بل يوفّر لهم الإقامة والكتب، وغيرها، حتى يدرسوا، ويكونوا سفراء القوة الناعمة في بلادهم في الوقت نفسه.

عشّاق الأزهر

في سنوات مضت كان صهري الشيخ رشوان (أحد المبعوثين من الأزهر لتعليم الطلاب في السنغال العلم الشرعي) في إجازة هنا، وفي أثناء استقلالنا المواصلات تصادف وجود طلاب سنغاليين معنا، وعندما تحدث معهم، وعرفوا أنه مبتعث من مصر عندهم، فرحوا كثيرًا وهم يردّدون في عربية مكسرة: “البعثة الأزهري.. البعثة الأزهري”.. وهللوا به، ولم يتركوه بسهولة.

أقول ذلك لكي أدلل على حبّ معظم الشعوب للأزهر، وتعظيمهم له، ولدوره، وكل ما هو أزهري يكادون يحملونه فوق الأعناق من فِرط حبهم للأزهر كجامع وجامعة دولية لا تضاهيها أي جامعة في العالم.

إن المتابع لتفاصيل زيارة شيخ الأزهر الأخيرة لدول جنوب شرق آسيا يتأكد -بما لا يدع مجالًا للشك- أن الأزهر قوتنا الناعمة التي أهملناها، ولم نبنِ عليها، لكي يتعاظم دورها عالميًا أكثر وأكثر، حتى يكون الأزهر هو سفيرنا في كل مكان.

ضغوط على الشيخ

أما عن شيخ الأزهر، الإمام أحمد الطيب، فقد أعاد في الفترة الأخيرة القيمة والاحترام لمنصب شيخ الأزهر، بما له من مواقف لاقت إحسان الكافة، وفي المقابل، لاقت نفورًا من بعض المسؤولين الذين أرادوا أن يكون الأزهر تابعًا للدولة من خلال تدخلهم في الأمور الدينية، وفي المقابل، كان الشيخ عند حسن الظن به كبيرًا بقيمته ومنصبه، وأعطى للمنصب قدرًا كبيرًا من قيمته المعروفة تاريخيًا، فهو شيخ الأزهر الذي يرأس المؤسسة التي يتبعها مئات الملايين في مصر والعالم الإسلامي كافة.

ولكن الأعجب هو الهجوم على الأزهر وشيخه من الداخل، والبعض يتمنى إقالته، وآخرون يطالبونه بالاستقالة، ولأن الشيخ حاليًا زهد في كل شيء، ولا يهمه المنصب، وتشعر دائمًا في نبرات صوته وتعبيرات وجهه أن الرجل يعاني كثيرًا من ضغوط قوية تمارَس عليه، لتقديم تنازلات، وفتاوى، وآراء ضد إجماع الأزهر وعلمائه، ولكنه يقاوم في ثبات وعزيمة أهل الصعيد الذين ينتمي إليهم، فهو ينتمي لكبار العائلات فيه.

أمنية الشيخ الأخيرة

ولكن ربما جرت في الأمور أمور جعلت شيخ الأزهر يعلن أمنيته الأخيرة أثناء لقاء له بمركز دراسات القرآن الكريم في جاكرتا بإندونيسيا، حيث قال: “أقصى أمانيَّ حتى اليوم أن أترك مكاني وأذهب لأفتح كُتّابًا، وأجلس على الحصير، وأحفّظ التلاميذ القرآن الكريم، وأتمنّى أن يوفقني الله لتحقيق هذه الأمنية قبل أن أموت، وأنا على استعداد لترك كرسي المشيخة مقابل تحقيق هذه الأمنية”، ولا نعرف سبب ذكر شيخ الأزهر لهذه الأمنية العظيمة، هل هي مقدمة لاستقالته من منصب شيخ الأزهر، أم مجرد أمنية يتمناها للتذكير بأهمية القرآن، وحفظه، والتدبر فيه، وفي معانيه؟

ولم ينسَ شيخ الأزهر في رحلته لتلك الدول القضية الفلسطينية، فقد كانت حاضرة في كل لقاءاته وكلماته، منددًا بالعدوان الصهيوني، وحرب الإبادة التي يشنّها على إخوتنا في قطاع غزة، وكانت كلماته واضحة في المحافل كلها التي وُجد فيها، ليؤكد أن القضية الفلسطينية هي قضية المسلمين كلهم، والعالم الحر كله.

والحقيقة أن كلمات شيخ الأزهر وتصريحاته ليست مثل تصريحات أي مسؤول، فهو كلام يتلقاه مئات الملايين من المسلمين في أنحاء العالم، يؤثّر فيهم، ويصدقونه، لأنه يخرج مِن لسان مَن يتولى أكبر مؤسسة إسلامية في العالم، حيث تكون الوجهة دائمًا هي الأزهر الشريف، وشيخه.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان