مرشح البنادق.. مصائب ترامب التي تأتي بالفوائد!

الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بعد يومين من نجاته من محاولة الاغتيال (الفرنسية)

لا تمضي الأحوال في عالم السياسة على منوال واحد، وهناك دائمًا ظواهر استثنائية تحتاج إلى فحص ودرس وتحليل مختلف وتعمُّق من نوع خاص، إذ تبدو نتائجها النهائية غير منطقية مع مقدماتها الابتدائية، فتخرج أحيانًا عن العادة وتغادر المألوف وتلقي بالقواعد جانبًا، فلا تنطبق الأمثلة السيارة عليها تمامًا كما في حياتنا العادية.

المتنبي حاضرًا

من ضمن آلاف الأبيات التي كتبها شاعر العرب الأشهر “أبو الطيب المتنبي” الذي عاش بين عامي (915-965م) هناك شطرات أو عبارات من نظمه أصبحت مضربًا للأمثال يتناولها العامة دون انتباه إلى أصلها الشعري، ومنها قوله:

بذا قضتْ الأيّامُ ما بينَ أهلِها .. مصائبُ قومٍ عندَ قومٍ فوائدُ

ويلفت المثل إلى أن المصائب التي يتعرض لها قوم قد تكون مفيدة لقوم آخرين مناهضين أو منافسين لهم، إذ تأتي المصائب بنقص في العدد أو العتاد، أو تراجع المكانة والنفوذ، أو انحدار أو اندثار، أو نفوق الدواب والخيل، أو فقد الأموال أو خسارتها، أو موت أو إصابة.. إلخ!

جمهوري ويكره ترامب

لا تنطبق مقولة “مصائب قوم عند قوم فوائد” على محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرّض لها المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية “دونالد ترامب” في تجمُّع انتخابي بولاية بنسلفانيا شمال شرقي الولايات المتحدة، وأسفرت عن جرح طفيف في أذنه اليمنى حيث طاشت الرصاصة القاتلة وحادت عن رأس الرئيس الأمريكي السابق الذي تولى الحكم بين عامي (2016-2020).

ورغم أن أفراد جهاز الشرطة السرية الذين تولوا تأمين التجمع الانتخابي للرئيس ترامب استطاعوا قتل شاب أشير إليه باعتباره مطلق النار فإن الدوافع الحقيقية لمحاولة الاغتيال لم تتضح مع تناقض بعض المعلومات عن الشاب الذي قال مكتب التحقيقات الاتحادي الأمريكي (FBI) إنه في العشرين من العمر، يدعى “توماس ماثيو كروكس”، كما كشف أنه منتمٍ ومسجَّل في الحزب الجمهوري الذي اختار ترامب مرشحًا له، ورغم ذلك فإن له مقطع فيديو يقول فيه “أنا أكره الجمهوريين.. أنا أكره ترامب”.

مرشح البنادق

حيازة السلاح الشخصي قضية مثيرة للجدل في الولايات المتحدة الأمريكية، ويُعَد دونالد ترامب من مؤيدي حرية شراء الأسلحة وحملها، وقد كشفت سلطات التحقيق أن مُنفذ الهجوم كان يرتدي منتجات ترويجية لقناة شهيرة على موقع “يوتيوب” مخصصة لبيع الأسلحة النارية.

في مايو/أيار الماضي، خطب ترامب أمام الآلاف من أعضاء “الرابطة الوطنية للبنادق”، وحثهم على التصويت له في الانتخابات الرئاسية المقررة في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وكانوا قد أيدوه رسميًّا قبل أن يتحدث إليهم في اجتماعهم السنوي بولاية تكساس.

كانت لغة ترامب زاعقة كالعادة، إذ قال “أعتقد أنكم مجموعة متمردة، دعونا نكون متمردين ونصوت هذه المرة”، لكنه حذرهم من أن الرئيس الحالي جون بايدن، وهو المرشح المحتمل حتى الآن للحزب الديمقراطي “إذا نجح في الانتخابات فإنهم سيأتون للحصول على أسلحتكم بنسبة 100%”، ووصف ترامب نفسه بأنه “أفضل صديق على الإطلاق لمالكي الأسلحة في البيت الأبيض” منتقدًا منافسه، إذ يُعَد بايدن من المعارضين لحرية حمل السلاح بين المواطنين ولديه سجل طويل بهذا الخصوص.

الأكثر دموية

شهدت الولايات المتحدة أرقامًا قياسية من القتلى على خلفية حوادث إطلاق النار العشوائي، حيث وقعت 42 جريمة قتل جماعي العام الماضي تسببت في مصرع 217 شخصًا، مما يجعله أحد أكثر الأعوام دموية في حوادث إطلاق النار على تجمعات في المدارس أو الجامعات، وفي الوقت الذي كان يُفترض أن يتسبب حادث إطلاق النار على ترامب في نقاش عن دوره هو نفسه في تعزيز حرية حمل السلاح وتصاعد وتيرة العنف، بينما كان لمنافسه بايدن جهود واضحة للحد من العنف المسلح حيث شجع الكونغرس على حظر ما تُسمى الأسلحة الهجومية، كما أنشأ مكتب البيت الأبيض لمنع العنف المسلح تشرف عليه نائبة الرئيس كامالا هاريس، إلا أن هذا النقاش لم يتصاعد بطريقة منطقية.

بطريقة قانونية

سلطات التحقيق كشفت أن البندقية المستخدَمة في محاولة الاغتيال تم شراؤها بطريقة قانونية وتخص والد المشتبه فيه، كما عثرت قوات الأمن على مواد متفجرة وأدوات لصنع قنابل في سيارته ومنزله، وبدلًا من أن يشكك حادث الاغتيال في أحكام ترامب واختياراته، وأن يعزز حظوظ بايدن لإسهاماته في مجال تقييد حمل السلاح واستخدامه بين المدنيين، فإن استطلاعات الرأي أظهرت موجة كبيرة من التعاطف مع الرئيس السابق المرشح الجمهوري الحالي دونالد ترامب رغم أنه ما زال متهمًا أمام القضاء بالتحريض على اقتحام مبنى الكونغرس.

تورُّط الرئيس

تورُّط ترامب ليس مجرد تخمينات أو اتهامات بلا دليل، إذ شهدت المساعدة السابقة في البيت الأبيض كاسيدي هاتشينسون أمام لجنة تحقيق برلمانية أن الرئيس الأمريكي السابق كان يعلم أن أسلحة كانت بحوزة أنصاره عندما حثهم على اقتحام مبنى الكونغرس في السادس من يناير/كانون الثاني 2020، في محاولة لإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية التي أدت إلى خسارته أمام المرشح الديمقراطي جو بايدن.

وشهدت المساعدة السابقة أن ترامب وكبار موظفيه كانوا على علم باحتمال اندلاع أعمال عنف، ولكن تم المضي في تنظيم المسيرة المقرَّرة، وطلب ترامب نفسه الانضمام إليها، وقال إن المسلحين “ليسوا هنا لإيذائي”.

نتائج غير متوقعة

سيرة المرشح الجمهوري ترامب تلمح إلى أنه أحد المحرضين على العنف وعلى حمل الأسلحة وحيازتها، لكن محاولة اغتياله أتت له بالفوائد على عكس المتوقع، فقد ارتفع سهم “مجموعة ترامب للإعلام والتكنولوجيا” بنسبة 34.77% ليبلغ 41.45 دولارًا، في أول يوم من بداية التعاملات بعد عطلة نهاية الأسبوع، ووصلت قيمة الشركة التي تملك منصة التواصل الاجتماعي (Truth Social) إلى نحو 7.8 مليارات دولار.

التأثير الإيجابي لمحاولة الاغتيال امتد إلى مؤشرات “وول ستريت” حيث صعدت المؤشرات الرئيسية للبورصة الأمريكية مع تقييم المستثمرين أن حظوظ ترامب وهو رجل أعمال في انتخابات الرئاسة المقبلة أصبحت هي الأكبر بعد اعتباره مستهدفًا ومتضررًا من التقصير الأمني.

مكاسب ترامب ليست مالية فقط وإنما امتدت إلى صورته لدى الرأي العام الأمريكي التي تشكلت بعد الحادث باعتباره الضحية بدلًا من المحرضين على العنف، كما علت أصوات ومطالبات للرئيس الأمريكي بايدن بوقف حملات الهجوم الشديد على ترامب، التي يمكن اعتبارها ذريعة للعنف ضده، وهو ما نفذته حملة بايدن بالفعل بعد وقت قليل من وقوع المحاولة.

تُعَد محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب المرشح الجمهوري الحالي خير مثال على أن المصائب قد تأتي بفوائد لأصحابها وليس بالضرورة أن تكون الفوائد حكرًا على خصومهم، ورغم أن نتائج كل هذا كانت ستنقلب كليًّا لو تحرك ترامب سنتيمترًا واحدًا إلى اليمين ليكون رأسه في مرمى النيران، ورغم أن السلاح المستخدَم تم شراؤه بطريقة قانونية ساعد فيها ترامب بشكل أو بآخر، فإن نجاة “مرشح البنادق” من رصاصة قاتلة وتلقيه إصابة طفيفة في أذنه يمكن أن تدفعه بقوة في طريق عودته إلى البيت الأبيض، ليصبح ثاني رئيس يخسر مقعده ثم يعود إليه ثانية، بعد جروفر كليفلاند الذي عاد إلى الرئاسة عام 1893 بعد دورة واحدة من خسارته مقعده أمام الجمهوري بنجامين هاريسون.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان