هل يتعلم اليسار العربي من نظيره الأوروبي؟!

حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي (اليساري) يحتفل هذا العام بمرور 48 سنة على تأسيسه (منصات التواصل)

الفوز المفاجئ لليسار الأوروبي في بعض البلدان مؤخرا وخاصة فرنسا وبريطانيا فتح الباب للحديث عن اليسار العربي، ووجه الشبه والخلاف بينه وبين نظيره الأوروبي، وهل يتعلم من تجاربه؟ وهل يراجع أخطاءه وخطاياه؟ وهل يمكن أن يقدّم بديلا سياسيا، وينافس بحق على السلطة في ظل انتخابات حرة؟!

خلال الأسابيع الماضية، حققت أحزاب اليسار في أوروبا ( شمالها وجنوبها) مكاسب مهمة سواء في الانتخابات الوطنية أو على مستوى البرلمان الأوروبي، بعد تراجعات كبيرة طيلة العقد الماضي. كانت المفاجأة الكبرى في فرنسا التي حقق اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان المركز الأول في الجولة الأولى للانتخابات الفرنسية المبكرة (9 من يونيو/حزيران) التي دعا إليها الرئيس ماكرون بعد شعوره بالخطر من تقدم اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي، لكن المفاجأة الأكبر حدثت في الجولة الثانية للانتخابات (7 من يوليو/تموز) بتقدم اليسار إلى المركز الأول، تاركا المركز الثاني لحزب الرئيس ماكرون، والمركز الثالث لليمين المتطرف، وذلك بعد تأسيس تحالف عاجل بين قوى اليسار مكنها من انتزاع الصدارة، وفي بريطانيا انتزع حزب العمال الأغلبية البرلمانية ليعود إلى الحكم بعد غياب استمر 14 عاما حكم خلالها حزب المحافظين.

أما أحزاب اليسار في دول الشمال، فقد حققت مكاسب في انتخابات البرلمان الأوروبي، ففي فنلندا تقدم تحالف اليسار أربع نقاط عن الانتخابات الماضية في 2019 (حصد 17.3% من الأصوات رفعت مقاعده إلى 3 مقاعد بدلا من مقعد واحد) في حين تراجع الحزب اليميني المتطرف إلى مقعد واحد فقط، وفي السويد تقدم حزب اليسار 4 نقاط إلى 10.7% وحافظ الاشتراكيون الديمقراطيون على موقعهم المتصدر بنسبة 23.1% بينما تراجع الحزب اليميني بمقدار 1.4 نقطة إلى 13.9%، وفي الدنمارك احتل الحزب الشعبي الاشتراكي الصدارة وحقق تقدما ملحوظا بحصوله على 18.4% من الأصوات، بزيادة قدرها 5.2% مقارنة بعام 2019.

اختبار الربيع العربي

كانت ثورات الربيع العربي اختبارا لحضور وجدّية قوى اليسار العربي، فانحاز بعضها إلى الثورات، في حين انحاز البعض الآخر إلى الحكومات التي قامت ضدها الثورات، لكن غالبية الأحزاب اليسارية العربية انحازت سريعا إلى الثورة المضادة التي كان أبرز محطاتها انقلاب الثالث من يوليو 2013 في مصر، وانقلاب قيس سعيّد في تونس، مع استثناءات قليلة ضمت حركة الاشتراكيين الثوريين في مصر، وحزب حراك تونس بقيادة الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، وبعض الشخصيات التي مثلت امتدادا لنبلاء اليسار سواء في مصر أو تونس (كتبت مقالا في هذا المكان من قبل عن “نبلاء اليسار المصري” في ذكرى نبيل الهلالي).

اليسار المصري ذو قدم راسخة في السياسة المصرية، فقد أُسّس الحزب الشيوعي المصري في عام 1921 ثم أعيد تأسيسه بعد حله في 1925، وقد تنوعت خارطته بين أحزاب يسارية راديكالية محظورة قانونا، وأحزاب يسارية قانونية، وقد منحت ثورة يناير اليسار المصري فرصة أكبر للنشاط العلني الرسمي، فوفقت الأحزاب التي كانت محظورة من قبل أوضاعها وحصلت على الرخصة الرسمية، وخرجت مظاهرات ضخمة في عيد العمال الأول بعد الثورة حاملة الأعلام الحمراء في ميدان التحرير والمواقع العمالية، لكن اليسار لم يستخدم هذه الفرصة الذهبية لتوسيع قاعدته الشعبية، بل إن حزبا يساريا ظل تحت التأسيس منذ 2011 حتى الآن وهو حزب العيش والحرية.

حضور انتخابي هزيل

في آخر انتخابات برلمانية مصرية جرت بعد 11 عاما على التخلص من الإخوان، لم يفز لليسار المصري في مجلس النواب سوى 6 نواب لحزب التجمع الوطني، وإذا اعتبرنا الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي منتميا إلى اليسار بحكم تاريخ قيادته (لأن الحزب لا يضع نفسه في هذه الخانة) فقد حصل أيضا على 6 مقاعد في مجلس النواب من مجموع 596 مقعدا، وفي مجلس الشيوخ حصل الأول (التجمع) على 4 مقاعد بينما حصل الثاني (المصري الديمقراطي) على 3 مقاعد من جملة 300 مقعد للمجلس، ولم يستطع رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فريد زهران (وهو يساري قديم) توفير العدد اللازم لترشحه لرئاسة الجمهورية من أحزاب معارضة سواء كانت يسارية أو حتى ليبرالية، فوفرت له السلطة العدد المطلوب للترشح، لا نتجاهل هنا أن هذا البرلمان بغرفتيه صُنع على أعين الأجهزة الأمنية وداخل مقراتها، ولذا لا يمكن اعتبار نتائج الانتخابات معبّرة بشكل أمين عن الخارطة الحزبية، لكن حتى لو رجعنا إلى الخلف وتحديدا في أول انتخابات برلمانية بعد ثورة يناير، سنجد أن النتيجة لم تختلف كثيرا، فحزب التجمع حصل على 5 مقاعد ضمن قائمة الكتلة المصرية، بينما حصل حزب الكرامة الناصري على 6 مقاعد ضمن قائمة حزب الإخوان (الحرية والعدالة).

الغريب أن أحزاب اليسار المصري لم تستطع في انتخابات البرلمان الحرة بعد الثورة أن تؤسس تحالفا انتخابيا يساريا، بل توزعت على تحالفات عدة، وكان الطريف أن بعضها ركب سفينة الإخوان بينما ركب بعضها الآخر سفينة الرأسمالية المصرية بقيادة نجيب ساويرس.

درس اليسار الأوروبي

ينبغي أن تكون تجربة اليسار الأوروبي خاصة في أحدث محطاتها الفرنسية ملهمة لليسار العربي في ضرورة التمسك بالخيار الديمقراطي، والتخلي عن دعم الأنظمة الاستبدادية مقابل بعض الامتيازات المحدودة، أو نكاية في تيارات سياسية أخرى تنافسها، لكن الدرس الأهم هو السعي لتشكيل جبهة يسارية سواء في مصر أو تونس أو غيرها من الدول العربية لخوض المنافسات الانتخابية وفق برنامج يساري واضح.

في هذه الحالة نستطيع أن نقول إن اليسار أصبح قادرا على تقديم بديل حتى لو لم يحصل على أغلبية نيابية تمكنه من تشكيل حكومات (في ظل حلة ديمقراطية مفترضة)، فعلى الأقل سيمثل معارضة واضحة المعالم.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان