الإرهاب المستورد في عُمان

أشخاص يفرون من مكان إطلاق النار في مسجد الإمام علي بمنطقة الوادي الكبير شرق العاصمة العمانية مسقط (الفرنسية)

عملتُ في سلطنة عمان عدة سنوات، في مجال الصحافة، وأعي حجم الأزمة التي تعتصر العمانيين، عند الربط بين اسم عمان والإرهاب، أو بين الشعب العماني وإطلاق النار، أو بين تاريخ عمان والتشدد، أو حاضر عمان والتطرف، بل على العكس تمامًا، يتصدر اسم السلطنة دول المنطقة، في التصنيفات الدولية حول الأمن والأمان، والهدوء، والاستقرار، وانعدام العنف والجريمة، إلى غير ذلك من كل العوامل والمعطيات، التي جعلت منها وجهة مفضلة للسائحين والمستثمرين، والباحثين عن العدالة والمساواة في الوقت نفسه.

بالتأكيد كان خبر الحادث الإرهابي الذي شهدته العاصمة مساء الاثنين الماضي واستمر حتى فجر الثلاثاء، بمثابة الصاعقة في أنحاء السلطنة، التي لم تألف مثل هذه الأخبار، كما كان الخبر غريبًا لدى المراقبين في كل مكان، خصوصًا المهتمين بالشأن العُماني، ذلك أنهم يدركون حجم الفاجعة التي سوف يسببها حادث كهذا على الذاكرة العمانية لسنوات طويلة، ذلك أننا أمام شعب مشهود له بالوداعة والتسامح والسلام، وهي الصفات التي انطلقت منها وتأسست عليها السياسة العمانية، طوال عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد، على مدى 50 عامًا (1970-2020)، وأكد عليها السلطان الحالي هيثم بن طارق، بمجرد أن اعتلى سدة الحكم، قبل أربعة أعوام.

الحادث الإرهابي استهدف تجمعًا لإحدى الطوائف الدينية، أثناء ممارسة طقوسهم، في مراسم إحياء ذكرى عاشوراء، بجوار مسجد الإمام علي، بمنطقة الوادي الكبير بالعاصمة، من خلال ثلاثة مسلحين قتلوا ستة أشخاص، بينهم أحد رجال الشرطة، وأصابوا نحو 30 آخرين، بينهم رجال شرطة وإسعاف وإنقاذ. وقد استمر إطلاق النار عدة ساعات، بما يشير إلى أن الجناة كانوا مسلحين بكمية كبيرة من الذخيرة، وقد أعلن تنظيم الدولة (داعش) المسؤولية عن الهجوم، وتم الكشف فيما بعد عن أن الجناة الثلاثة أشقاء من الجنسية العمانية، قالت عنهم الشرطة إنهم من المتأثرين بأفكار ضالة.

    الحادث ليس عمانيا

إعلان “داعش” المسؤولية، أكد كما كان متوقعًا، أن الحادث مستورد من الخارج، بمنأى عن الفكر العماني، والتوجه العماني، الذي دأب طوال السنوات الماضية، على القيام بأدوار وساطة سياسية في نزاعات المنطقة، أبرزها الخلافات الإيرانية الأمريكية حول الاتفاق النووي، ونزاعات الطوائف اليمنية المتناحرة، وأخيرًا بين الحوثيين باليمن وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا، حول أزمة مرور السفن بمضيق باب المندب والبحر الأحمر، فضلا عن أزمات عربية أخرى.

المعلوم أيضا، أن سلطنة عمان، من خلال دار الإفتاء هناك، تستضيف سنويًّا ما يعرف بندوة تطوير العلوم الفقهية، في إطار حوار بين المذاهب الفقهية، يشارك فيه علماء الإسلام من كل المذاهب حول العالم، تحت إشراف المفتي العام للسلطنة هناك، الشيخ أحمد الخليلي، الذي فرض نفسه على مجريات الأحداث والأخبار ومواقع التواصل بالعالم العربي، خلال الشهور الأخيرة، مع حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة بشكل خاص، من خلال مواقف وبيانات حاسمة، تناصر القضية الفلسطينية، وتدعم المقاومة دون مواربة.

وعلى الرغم من أن سلطنة عمان لا يقتصر فيها الانتماء المذهبي على مذهب بعينه، حيث تعدد المذاهب الإسلامية، فإنه لن يلحظ أحد هناك أي حساسيات من أي نوع، فيما يتعلق بهذه القضية، أو حتى غيرها من القضايا، ذلك أن المواطنة تفرض نفسها على كل أنواع المعاملات، وهو ما يجعل من الصعب على “داعش” أو غيرها، تجنيد شخص أو أشخاص عمانيين لتنفيذ مثل هذا الحادث الإرهابي، أما وقد حدث ذلك، فإنه بالتأكيد، سوف يكون له ما بعده، من تغييرات وإجراءات جذرية في الشأن العماني، سواء من حيث الإجراءات الأمنية، أو استقدام العمالة الوافدة، حتى لا تصبح البلاد مرتعًا لتصفية حسابات خارجية، خاصة إذا علمنا أن معظم الضحايا والمصابين أيضا من الجنسية الباكستانية، بما يشير إلى الهدف من العملية.

وإذا علمنا أن سواحل سلطنة عمان تمتد مسافة 3165 كيلومترًا، من مضيق هرمز في الشمال، حتى الحدود مع اليمن، إضافة إلى حدود برية مع السعودية تبلغ نحو 676 كلم، فضلا عن الحدود مع كل من اليمن 294 كلم، والإمارات 410 كلم، فلن نندهش إذن حينما تكتشف السلطنة عملية تهريب للسلاح من هنا أو هناك، لحساب هذا التنظيم أو ذاك، في الوقت الذي أصبح فيه سوق السلاح مشاعًا بالمنطقة، جراء إمداد التنظيمات المتطرفة طوال الوقت بكل أنواع الأسلحة من الولايات المتحدة ودول الغرب تحديدًا، وهو الأمر الذي يجب التوقف أمامه الآن بكل حسم.

    جرس إنذار للمنطقة

من المهم إذن التأكيد على أن حادث الإرهاب بسلطنة عمان، يمثل في الوقت نفسه، جرس إنذار لكل دول المنطقة، وهو ما يستدعي اتخاذ إجراءات جماعية، تكفل الأمن والأمان للجميع دون استثناء، ذلك أن الإرهاب في سوريا أو العراق أو مصر، أو حتى تركيا، ليس معناه أن بقية دول المنطقة بمعزل عن التهديد، وتطاير الشرر.

مما أكدت عليه أيضا العملية الإرهابية، التي شهدتها العاصمة العمانية مسقط، أن الإرهاب ليس بالضرورة محليًّا، وليس بالضرورة أن يكون هذا الوطن أو ذاك بعيدًا عن النزاعات الخارجية، أو خاليًا من القلاقل الداخلية حتى يسلم من الأذى، ذلك أننا أمام وباء أشبه بالطاعون، لا يعرف الحدود الجغرافية ولا الفواصل الحدودية، بما يحتم على الجميع التعاون لعلاج جذور المرض واجتثاثه من كل الوجوه، مع الوضع في الاعتبار أننا أمام تنظيمات، وجدت في السابق، وتجد حتى اليوم، دعمًا دوليًّا لا يخفى على أحد، بل وحماية من دول كبرى، تجاهر بأفعالها.

سلامات أهل عمان، ورحم الله الشهداء الضحايا، وألهم ذويهم الصبر والسلوان، وكتب الشفاء للمصابين، آملين أن يتجاوز الجميع المحنة، حتى تعاود السلطنة دورها في خدمة القضايا العربية والإسلامية، التي حققت فيها نتائج مبهرة باقتدار، رغم كل المؤامرات التي عانت منها خلال السنوات الماضية، بفعل نظام مارق بالمنطقة، لم يكف يوما عن إثارة القلاقل والأزمات، لحساب الصهيونية تارة، والماسونية تارة، أو هما معًا، وهو ما جعل أصابع الاتهام، من الداخل والخارج، تشير على الفور إلى هناك، بمجرد وقوع الحادث الإرهابي.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان