ماذا بعد قرار العدل الدولية أن الاحتلال الإسرائيلي غير شرعي؟

قضاة محكمة العدل الدولية (رويترز)

في إطار إبداء رأيها الاستشاري ردًّا على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن التبعات القانونية للاحتلال الإسرائيلي، كان من بين أبرز بنود القرار غير الملزم لمحكمة العدل الدولية، الذي استغرق صدوره ما يزيد على عام ونصف، ذلك البند المتعلق بأن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المتمثلة فقط في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة غير قانوني، في تأكيد للمؤكد وتعريف منقوص لحقيقة الاحتلال.

فهذا القرار الصادر من العدل الدولية بوضيعته هذه، إنما يعني إقرارا وتأكيدا لشرعية الاحتلال الإسرائيلي لباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948، وتغييبا للحقيقة واستسلاما للعدوان على الحق الفلسطيني في فلسطين التاريخية، باعتبار أن الاحتلال هو ما وقع على الأراضي الفلسطينية بعد عام 1967، وهو ما يعد تجاوزا سافرا لحقوق الشعب الفلسطيني، وهو تواطؤ غير مباشر تحت غطاء القانون الدولي، ولست أدري كيف يهلل له البعض ويعتبرونه أمرا غير مسبوق؟!

اقرأ أيضا

list of 4 itemsend of list

وبالرجوع إلى القرار الصادر، فقد حاولت محكمة العدل الدولية الإجابة عن نقطتين:

النقطة الأولى، تتعلق بالآثار القانونية المترتبة على انتهاك الاحتلال الإسرائيلي حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.

والنقطة الثانية، تتعلق بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967، واستيطانها وضمها إلى إسرائيل، بما في ذلك الإجراءات المؤدية إلى تغيير الوضع الديمغرافي لمدينة القدس وطابعها ووضعها، والتشريعات والإجراءات التمييزية للاحتلال في هذا الشأن.

إقرار غير مباشر بشرعية الاحتلال

من خلال كلمته المطولة التي ألقاها، حاول نواف سلام رئيس محكمة العدل الدولية وضع الإطار القانوني والزماني والمكاني والتاريخي للأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وقد خلصت المحكمة إلى وجود احتلال فعلي، ولكن النقطة التي يجب الوقوف عندها، والتي تؤكد عوار هذا النظام الدولي وقوانينه التي يُحتكم إليها؛ هي ما أشارت إليه المحكمة بأن الأراضي الفلسطينية المحتلة هي: الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة!

ووفقًا للبنود الأخرى لقرار العدل الدولية، فإنها تشمل حث إسرائيل على إنهاء الاحتلال في أقرب وقت ممكن، وإعادة الأراضي التي سيطرت عليها عام 1967، وتعويض الأفراد عن الأضرار.

كما طالب القرار إسرائيل بهدم الجدار العازل في جزء من الأراضي الفلسطينية، ووقف جميع الأنشطة الاستيطانية الجديدة والانسحاب من المستوطنات.

ورغم ما جاء في بنود قرار العدل الدولية من مطالبات للاحتلال، فإنها أقرَّت بطريقة غير مباشرة شرعية الوجود الإسرائيلي واحتلاله لأراضي فلسطين التاريخية منذ عام 1948.

تحصيل حاصل

يرى البعض قرار محكمة العدل الدولة الأخير ضد إسرائيل قرارا استشاريا تاريخيا: لأن المحكمة قالت فيه بشكل واضح إن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة هو غير قانوني!

كما وصف البعض القرار الاستشاري للعدل الدولية بأنه قوي للغاية؛ حيث أشارت المحكمة إلى الخروقات التي قام بها الاحتلال الإسرائيلي، وإلى أنه يمارس فصلا عنصريا، وذلك باعتبار أن هذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها رأي من هذا النوع على مستوى محكمة العدل الدولية!

الحقيقة هي أن هذا القرار الاستشاري للعدل الدولية يدعو إلى الأسى والسخرية في آن واحد، إذ صدر ليكون تحصيل حاصل، بعد أكثر من عام ونصف من طلب من الجمعية العمومية للأمم المتحدة، دعت فيه محكمة العدل الدولية باعتبارها أعلى محكمة وفقا للنظام القانوني الدولي، إلى أن تحكم فيما إذا كان الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية قانونيا أم غير قانوني!

ماذا بعد صدور قرار العدل الدولية؟

وبعد صدور الرأي الاستشاري من محكمة العدل الدولية، يبقى السؤال الدائم حول القرارات الدولية بحق إسرائيل، وهو: ما جدوى هذا القرار الاستشاري غير الملزم، وكيف يمكن البناء عليه لاتخاذ إجراءات عملية؟

يبادر البعض بالرد المثالي الدائم، الذي يتغافل عن العوار الصارخ للمنظومة الدولية، التي صار فيها مجلس الأمن معطلا بالفيتو، وهذا الرد، هو: إنه بناء على تلك الإجراءات الواضحة للرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، فإنها طلبت من كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تضع حدا لهذا الاحتلال، وكذلك دعت الأمم المتحدة إلى منع استمرار إسرائيل في احتلال الأراضي الفلسطينية.

على جانب آخر، فإن ردود إسرائيل وحلفائها معروفة مسبقا، فقبل صدور القرار بيوم واحد استبقته إسرائيل بتصويت الكنيست بأغلبية 68 نائبا من أصل 120، تشمل نوابًا معارضين، لصالح مشروع قرار يعارض إقامة دولة فلسطينية غرب نهر الأردن. كما رفض الكنيست مقترحات للقوائم العربية للاعتراف بالدولة الفلسطينية.

ومهما كانت التبعات التي تُذكَر في الإعلام، فإن إسرائيل مع الأسف لم تمتثل سابقا، ولن تمتثل حاليا لأي قرار صادر عن أي محكمة أو منظمة أو جهة دولية.

ختاما

إن الحقيقة التي يجب أن يقف عندها الجميع، هي أن قرار العدل الدولية الأخير ضد إسرائيل، وغيره من قرارات، جميعها أصبحت للاستهلاك الإعلامي.

إن كل قرار لا توجد قوة ملزمة لإنفاذه هو والعدم سواء، والقول بأنه يصب في الجانب المعنوي هو مجرد دغدغة لمشاعر الشعوب المقهورة، وخداع للنفس في ظل نظام دولي قوانينه ومؤسساته تخضع لإملاءات القوى الكبرى الداعمة لإسرائيل، ليصبح نظاما خادما لمصالح القوى الكبرى وإسرائيل، وليس نظاما عادلا قادرا على إنفاذ القانون.

إن الحق في حاجة إلى القوة، فإذا غابت القوة غاب معها تحصيل الحق.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان