رغم العدوان على اليمن.. هل تحمي إسرائيل يدها الطويلة حقًّا؟!

متظاهرون من جماعة أنصار الله الحوثية يحملون صورا لعبد الملك الحوثي في مسيرة تضامن مع غزة (رويترز)

يقول نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية إنه لا يوجد مكان لا تستطيع يد إسرائيل الطولى الوصول إليه.

ويتفاخر وزير الحرب قائلًا: إن الحريق المشتعل الآن في الحُدَّيِدَة يمكن رؤيته في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وهذا الأمر له آثار واضحة.

هذا الانتشاء والغرور الواضح بعد العدوان على ميناء الحُدَّيِدَة في اليمن بطائرات إف 15، هل هو قادر على توفير الأمن لهذا الكيان؟

المؤكد أن الأمن يستحيل تحقيقه لأي بلد أو كيان بالقوة العسكرية مهما امتلك من قدرات عسكرية وتسليحية هائلة حتى لو كانت نووية، الأمن قد يتوفر بعض الوقت، لكن ليس كل الوقت.

الاستقرار والأمان الفعلي أن يكون البلد طبيعيًّا يعيش بشكل اعتيادي ومقبول في محيطه الجغرافي ومع الدوائر الأبعد حتى يشمل ذلك العالم كله.

نفهم أن وصول سلاح الجو الإسرائيلي إلى نقطة بعيد في المنطقة وقصف الأهداف التي حددها مسبقًا ثم عودته إلى حظائره دون اعتراض أو إسقاط واحدة من مقاتلاته هو يد طويلة فعلًا، وهو قدرة عسكرية، لكن في اليوم نفسه، أو في الأيام التالية، هل حققت إسرائيل الردع بشكل نهائي وحاسم؟

هذا هو المستحيل بعينه، إذ بعد ساعات من ضرب الحُدَّيِدَة كانت صواريخ بالستية تنطلق من اليمن باتجاه ميناء إيلات فتصيبه بالارتباك وتمنعه من العمل.

لا أمن بأرض مغتصبة

الخصم مهما كانت قدراته محدودة، مقارنة بإسرائيل المتسلحة جيدًا والمدعومة من دون سقف من أمريكا وأوروبا، قادر على إلحاق الضرر بها، وأكبر وأخطر ضرر هو التذكير الدائم لكل صهيوني بأنه ليس آمنًا في أرض اغتصبها واحتلها بقوة السلاح والدعم الغربي.

ومهما مرت عليه السنوات في هذه الأرض فلن يشعر فيها بالأمان والاستقرار والثبات ما لم يتخلّ عن الاحتلال، ويتراجع عن عقيدة الاستقواء بالسلاح وحده والاستناد في الحماية على الخارج، ويعيد الحقوق إلى أصحابها.

نعم، يمتلك الصهيوني سلاح جوّ متطورًا وقويًّا، لكن هذا السلاح لم يجعله ينام ملء جفنيه يومًا، بدليل أنه مستمر في العدوان وسفك الدماء منذ احتلاله فلسطين وخوضه حروبًا عديدة بمواجهة دول عربية.

نعم يمتلك الصهيوني فرقًا وألوية وكتائب عسكرية متدربة ومسلحة جيدًا، لكن هل يساهم ذلك في جعله يعيش ويحيا بأرض فلسطين المحتلة بشكل مستقر ويجعله في مأمن من الاختراق والضربات الموجعة؟

اختراق القلعة الحصينة

أبدًا، وأحدث دليل على أن كيانه القلعة ليس عصيًا على النفاذ إليه وطعنه في القلب، مهما كانت القلعة حصينة وأسوارها مرتفعة، ومهما كانت صلابة ويقظة قبته الحديدية، هو عملية 7 أكتوبر التي زلزلته وأصابته بهستيريا لن يفيق منها؛ لأنه بعد 75 عاما من إعلان وجوده، ورغم الإمكانات العسكرية الخرافية والسخاء الأمريكي والغربي في الإسناد والتدليل يكتشف مجددًا أن وجوده هشّ، وأن زواله ممكن، وأن أسطورته لا تخيف أجيالًا حديثة من الفلسطينيين لم تعاصر قوافل هجراته الأولى لفلسطين، ولا تحركات عصاباته ومجرميه لترويع أهل فلسطين لطردهم من أراضيهم، ولا الحروب التي خاضها ضد العرب وحقق التقدم عليهم فيها ووسع من اغتصاب الوطن الفلسطيني، كما أن هذه الأجيال لم تعاصر مدريد وأوسلو حيث السلام الوهمي وشبه المستحيل مع العقلية الصهيونية الاستيطانية الإبادية.

الحياة للفلسطيني والفناء للصهيوني

الأجيال الفلسطينية الجديدة تُولد وتسري في دمائها جينات مقاومة المحتل والترصد له حيث يكون، والتصويب عليه من كل مكان وموقع ومن مسافة صفر، وجعله في حالة فزع دائم حتى لو كان مدججًا بأحدث ما في ترسانته وترسانة الغرب من سلاح فتاك، وحتى لو كانت قبابه الحديدية تغطي كل سماواته، وما هي له، إنما هي منتزعة كذلك من صاحبها الفلسطيني، والأداء البطولي للمقاومة وغزة بمواجهة الإبادة يشهد أن الحياة للفلسطيني والفناء للصهيوني.

يد إسرائيل الطويلة وصلت إلى العمق المصري بعد عدوان 1967، وبلغت بغداد وضربت المفاعل النووي العراقي عام 1981، وذهبت إلى أبعد من ذلك في المسافة حيث قصفت مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في منطقة حمام الشط بتونس عام 1985، ووصلت مؤخرًا إلى إيران، وهي تضرب في سوريا ولبنان كثيرًا، ومع هذا فليس بمقدور الصهيوني أن يُلقي السلاح، ويأخذ إجازة طويلة من الحرب، أو يتوقف عن التعبئة واستدعاء الاحتياط، أو الخروج من القلعة والعيش على الأرض من دون أسوار عالية وقباب حديدية وبطاريات صواريخ حديثة منصوبة في كل شبر حوله، إنه كيان مسخ مشوّه، وشعب كله جيش، وجيشه هو الدولة.

نعم، ليس هناك سلاح جو عربي بقدرات سلاح الجو الإسرائيلي، وهذا ليس لقدرات ذاتية للصهيوني، ولا لتفوق منه على العرب، وإنما لأن أمريكا وأوروبا تريدان هذا التفوق، فهو التزام من جانبهما كما تكرران دوما، وهما لا تسمحان لأي نظام عربي بامتلاك مقاتلات من الأجيال الحديثة الممنوحة لإسرائيل مهما كان سخاء العربي مع الأمريكي والتزامه بتنفيذ كل مطالب الأمريكي والدوران في فلكه والسير في ركابه.

المقاومة والعزة

وإذا كان هذا هو وضع الأنظمة الرسمية والجيوش النظامية التي خرجت عمليًّا من المواجهة مع إسرائيل بعد حرب 1973، واتجهت إلى السلام والتطبيع الذي لم يجلب أي سلام، أو قيام دولة للشعب الفلسطيني، فإن قوى المقاومة، بغض النظر على مسمياتها وأماكن وجودها وانتماءاتها السياسية أو العقائدية أو المذهبية، هي التي تواجه وتخوض حروبًا مع إسرائيل بقدرات بدائية، وهي التي ترفع راية العزة للشعوب العربية.

ساحة المواجهة اليوم طرفها الأول المعتدي إسرائيل وأمريكا وحلفاؤهما، والطرف الآخر المدافع عن الحق والأرض المُضحي بالروح أغلى ما يملك هو المقاومة التي تقضي على ما بقي من خرافة أن يعيش الصهيوني آمنًا واثقًا راسخًا هانئًا في أرض ليست أرضه حتى لو بقي فيها سنوات أخرى طالت أم قصرت.

المجد لفلسطين والمقاومة العربية.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان