خدعونا يا صديقي بأحلام الناصرية!

الرئيس جمال عبد الناصر

لم يكن عبد الحليم هو الوحيد الذي تلاعب بمشاعر الجماهير العربية وصدر لها الأحلام في أغانيه التي كتبها أغلب شعراء مصر ولحنها العديد الملحنين خاصة الثنائي صلاح جاهين وكمال الطويل -اللذين تعرضا لنقد شديد من قبل “مثقفين وإعلاميين- وساهما مع حليم في ترويج الأحلام الناصرية التي عاشها جمال عبد الناصر.

تصور يا صديقي أن هؤلاء ليسوا فقط المدانين بالتطبيل لناصر وأحلامه الكبرى التي قتلته، وبسببها عداه الكثيرون في الداخل (الإقطاعيون، والباشوات وأحفادهم)، والخارج!

اقرأ أيضا

list of 4 itemsend of list

هل تعتقد يا صديقي أن أبناء الفنون بكل أطيافه شارك هذا المتمرد الحالم جمال عبد الناصر تلك الأحلام (الأوهام بحسب بعضنا) وأغرقوا الشعب المصري والعربي فيها عبثا، ونفاقا!
تخيل حتى السيدة أم كلثوم اكتشفت أنها شاركت تلك الأحلام مع المصريين ولم تكتف، بل شارك معها الكثير من شعراء مصر والعرب وموسيقيوها أمثال: بيرم التونسي، ورياض السنباطي، وعبد الفتاح مصطفى، وعبد الوهاب محمد، ونزارقباني، صلاح جودت!

كل هؤلاء قدموا مع الست، وما أدراك ما الست أغاني لأجل جمال عبد الناصر وأحلامه.

أحلام التصنيع والعمل

ما علينا، عودة إلى خداع عبد الحليم حافظ للمصريين فقد اتهموه أنه بوق عبد الناصر وأوهامه،

يا مدورين المصانع وانتوا جوه الصهد

يا مخضرين المزارع بالعرق والجهد

 يا سهرانين عالحدود

ومسهرين الشوق لدير ياسين والفالوجة

 ويوم ما نوفى الوعد

عندما نتأمل الأغاني التي قدمها عبد الحليم حافظ سنجد أن كلمة التصنيع جاءت في معظمها، وخاصة التصنيع الثقيل مثل أغاني: يا أهلا بالمعارك مع صلاح جاهين وكمال الطويل، وبلدي يا بلدي مع مرسي جميل عزيز والطويل، وبستان الاشتراكية مع جاهين ومحمد الموجي.

المقطع السابق من أغنية بلدي يا بلدي تأمل هذا الربط بين العمال، والفلاحين، والجنود. ثلاثية متكاملة للتنمية، والتصنيع، والزراعة، والحماية.
يقول مرسي جميل عزيز في الشطر الأول:

يا مدورين المصانع وانتوا جوه الصهد: جملة مرتبطة بمصانع الحديد والصلب وأفران النار التي تصهر الحديد. أربعة أفران في مصنع حلوان ثم ستة أفران. والشد هنا من عزيمة هؤلاء الذين يقفون هناك كما في مجمع الألومنيوم، وكما في مصانع الكيماويات، والأسمدة، التغني بالعامل والصانع، جمل موجودة في أغاني عبد الحليم، ولكن بعضهم لا ينظرون إلا على اسم جمال فقط!

التصنيع مقدمة ودفة للتنمية. أهناك وطن في العالم يعيش بدون تصنيع.
هل يمكن أن نتقدم بدونه؟ إذا كانت الإجابة بلا، فلما التباكي اليومي على بيع مصانعنا حاليا؟ّ
تلك المصانع التي خطط وبناها أبناء مصر في تلك الفترة بقرار كان يستهدف استقلال الوطن واستقلال قراره. ثم يأتي هذا الربط بين هؤلاء العاملين في المصانع ومخضرين المزارع بالعرق والجهد، قيمة مضافة للزراعة، فالجهد والعرق في الأرض هما أساس النجاح للفلاح، وفي شطرة شعرية واحدة يضم هؤلاء إلى الجنود على الحدود الذين يحرقهم الشوق إلى أين؟

يا سهرانين على الحدود

ومسهرين الشوق لدير ياسين والفالوجا

أين دير ياسين والفالوجا؟ إنها في فلسطين ولها في حلم عبد الناصر، وحلم جيله الشوق. وهي القضية، فبدون فلسطين لا مصر ولا الأمة، وهنا يؤكد الثلاثي مرسي، وكمال، وحليم أن هناك وعدا للمصريين بالعودة لفلسطين وتحريرها، لقد ربط مقطع صغير في أغنية واحد بين ثلاث قطاعات هامة لأي دولة قوية، تصنيع، زراعة، وجيش قوي وجنود يحلمون بتحرير فلسطين.

للأفراح والرفاهية هنمد طريق ع النيل

اسمه ف الاشتراكية التصنيع التقيل

بس نضاعفإانتاجنا أضعاف أضعاف

وندبر مهما احتاجنا ونحارب الإسراف

وبقرش الادخار نتحدى الاستعمار

ونقيم جدار جبار يحمى حياة العاملين

أغنية أخرى هذه المرة للثلاثي جاهين، الطويل، وحليم. الأغنية اسمها يا أهلا بالمعارك، وفيها رسم للطريق، أترك الكلمات الكبيرة والضحمة التي جعلها الطويل تتغنى وتصل للناس مثل الاشتراكية، والتصنيع، والادخار. ولكن انظر للقيمة الكبرى التي أرسلها الثلاثي، وهل تلك القيمة كانت مخصصة لجمال عبد الناصر وزمنه، أم للأمة في كل مكان وزمان؟

للأفراح والرفاهية ها نمد طريق ع النيل، اسمه في الاشتراكية التصنيع الثقيل. أول خطوه للرفاهية ليس أحلام قارئة الفنجان، بل نشر مصانع على طول طريق النيل في كل مدنية مصرية: طريق اسمه التصنيع الثقيل. هل جربت أن تتأمل تلك المصانع على طول الطريق من أسوان حتى الإسكندرية، أنا تأملتها ورأيتها. أتحداك أن تجد مدينة مصرية ليس فيها مصنع كُتب عليه: افتتح في عهد جمال عبد الناصر. أوهام جميلة كما ترى ولكنك تتكاسل أن تفكر!

شروط النجاح والتنمية، مقطع بسيط جدا في أغنية لم تفكر أن تسمعها، وكيف تسمعها وهي تحتاج منك جهدا، وأن تنحي جانبا خصامك مع عبد الناصر وتتصالح مع الوطن. هناك شرط للتصنيع هل لفت نظرك: “بس نضاعف إنتاجنا، أضعاف أضعاف” نضاعف الإنتاج يعني جهدا أكثر، تعب أكثر، ساعات عمل أكثر، ويضاف لذلك التدبير مهما احتاجنا.

التدبير: شرط ثان ليس الاستدانه، ندبر من أموالنا ونحارب الاسراف الذي جعله جاهين معركة، ويريد أن نحاربه.

يا صديقي: المعنى واضح لكنك تريد استسهاله. هذه التدبير ومحاربة الإسراف يجعلنا نحصل على ادخار موجود لنتحدى الاستعمار.

لابد من التحدي للنجاح، وفي تلك الحالة يكون لدينا جدار جبار يحمي حياة العاملين.

الوحدة والراية الواحدة

– حــول

حـول، وافرش منديلك لخضــر ، ع الرملــه،

حولها جــداول ، ومعامــل ، وحيــاه كاملــه،

حولنا، وطـولنـا أملنــا بايـدنـا العاملــــه ..

حول علـى فوق، زى السـد ما طالـع على فـوق،

الخيـر بيجيب الخيــر ، والفرحـه دى كانت شوق

الشعـب العربى رمـى قيـوده ، وخـرج م الطـوق،

طالـع، طالـع للقمـة، وبيـزرع فيهـا الراية

لم يقل عبد الحليم حافظ كلمة مصر في أغلب أغانيه التي تغني فيها طوال سنوات امتدت من 1952 حتى وفاة عبد الناصر في 1970 إلا قليلا وخاصة في أغنية ثورتنا المصرية من تأليف مأمون الشناوي وألحان رؤوف ذهني. أما الكلمة الغالبة في المخاطبة كانت الشعب العربي كما في نهاية المقطع السابق من أغنية بستان الاشتراكية لصلاح جاهين، وألحان محمد الموجي.

الصورة هنا تتكامل أكثر: رسم جاهين الحلم الناصري وهو مباح ومتاح لكل الأجيال ليس حكرا لناصر ورفاقه. جداول مياه تتدفق، ومعامل تصنيع وتطوير، والمدن الجديدة حياة كاملة لا ينقصها مدرسة، ووحدة صحية، وقصر ثقافة، ومركز شباب. تلك الأمال تتحقق بالأيدي العاملة، لتصعد بنا إلى القمة كما السد العالي الصاعد للقمة. وللسد العالي أغنية أخرى لعبد الحليم بعنوان: حكاية شعب. لكن الأهم أن هناك حركة تحرر عربية تتمدد في الدول العربية، الشعب العربي رمى قيوده وخرج من طوقه، وطالع للقمة وبيزرع الراية العربية في القمة.

شـايفيـن رايتنا ف حضن النسمة

مـرفـرفــه بستـاشــــر نجـمـــة

على مـدينة عـربية

معرف مـن أى الأقـطـار

أغنية أخرى كانت الأحلام تسبق صانعها، وفيها يؤكد جاهين على أن الفكر يجسد الأحلام، ويكمل البناء أو خطوات تحقيق القوة والسيادة وتأكيد المعنى بالوحدة العربية والراية الواحدة التي تمثل نجومها الوحدة العربية الكاملة.

في هذا المقطع هناك: العلم، والفكر، والراية العربية الواحدة. وفي تكامل المقاطع أحلام حقيقية عاشها كل مبدعي مصر، لم يتخلف أحد، رسموها، وحاولوا تحقيقها مع آخرين، وليست ملكا لهم بل لأجيال عربية..

جاء منهم أناس ولم ينظروا لكن ستأتي أجيال -يوما ما- أوصافهم غير “بحسب تعبير الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، تحقق أحلام هؤلاء الذين آمنوا بالحلم وحاولوا، لم يبيعوا لنا أوهاما، ولم يخدعونا بل أناروا الطريق لمن يبحث عنه.

حليم وجاهين، والطويل مشاعل تنوير مع آخرين. هم بعض من عقلي ووجداني، وبعض من مستقبل هذا الوطن، تأملوا واجتهدوا. وكل عام وأبناء مشروع يوليو عبد الناصر بخير.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان