جلسة العار وأكاذيب نتنياهو!
(1) خطاب موجه إلى النخبة السياسية الأمريكية
الخطاب المطول الذي ألقاه، أمس الأربعاء، رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام الكونغرس كان موجها في الأساس إلى النخبة السياسية الأمريكية المنخرطة في سباق الانتخابات الرئاسية، التي يتنافس فيها مرشحا الحزبين الديمقراطي والجمهوري على دعم إسرائيل للحصول على مساندة جماعات الضغط الصهيوني ذات التأثير والنفوذ.
كما خاطب المواطن الأمريكي البسيط بلغة المشاعر حين عرض أفلاما توثق ما تعرض له إسرائيليون في 7 أكتوبر وحكى تجارب عدد من أهالي المحتجزين والجنود الذين قتلوا أو أصيبوا في الحرب؛ لإثارة التعاطف مع الرواية الإسرائيلية للأحداث.
اقرأ أيضا
list of 4 items25 يناير.. الحرية والمرأة والفن
غزة الأمل بين المتشائمين ومحترفي الصفقات!
في غزة قادة حرب ورجال تفاوض
بدا نتنياهو مختالا واثقا من نفسه أمام أعضاء الكونغرس الذين شجعوه على المضي قدما في أكاذيبه بالتصفيق الحار، مزاعم نتنياهو عن انتصار الجيش الإسرائيلي على حماس لا يستطيع أن يواجه بها شعبه الذي يتظاهر أعداد كبيرة منه في قلب تل أبيب مطالبين بضرورة إتمام صفقة لاسترجاع المحتجزين وإنهاء الحرب في غزة.
تحدث نتنياهو عن ما يحدث في غزة بأنه حرب بين التحضر والوحشية والنور والظلام على اعتبار أنه يمثل الجانب الإنساني الخير!! مكذبا المنظمات الدولية ومؤسسات الإغاثة الإنسانية التي تدين ممارسات الجيش الإسرائيلي مع المدنيين في غزة واستهدافه للأطفال والنساء واستخدام التجويع سلاحًا لكسر كرامة سكان غزة وامتهان إنسانيتهم.
كما ادّعى أن المظاهرات المعادية لإسرائيل والمطالبة بوقف الحرب ممولة من إيران!! وهو بذلك يدين آلاف المواطنين الأحرار في أمريكا وأوروبا من المتعاطفين مع القضية الفلسطينية ويتهمهم بالعمالة لإيران، وكذلك يدين ضمنيا حكومات تلك الدول وهو أمر يجب أن تتصدى له هذه الحكومات دفاعًا عن مواطنيها وشرفهم أمام مجرم حرب مدان من المحكمة الجنائية الدولية.
خلط نتنياهو الأوراق حين تحدث عن نزع سلاح ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية وضرورة التعامل مع حماس والمقاومة الفلسطينية بنفس المفهوم، والدولتان اللتان ذكرهما دولتان اعتدتا على غيرهما واحتلتاه بغير حق وهو ما ينطبق على إسرائيل لا حماس، والأولى هي التي يجب نزع سلاحها العدواني الاستعماري.
حاول نتنياهو أن يقنع أعضاء الكونغرس بأن حربه ضد محور المقاومة المدعوم إيرانيا ليس فقط دفاعا عن بلده، ولكن أيضا دفاعا عن أمريكا وأمنها، وتحدث عن تأسيس حلف أمريكي إسرائيلي عربي لمواجهة إيران وضرورة استكمال اتفاقيات التطبيع الإبراهيمي مع الدول العربية، وكأن ذلك ممكن ومقبول بعد حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، فلا يوجد فلسطيني آمن على نفسه وأسرته ومسكنه وعمله في فلسطين المحتلة.
نتنياهو كذب على شعبه والعالم حين قال إنه وافق على بدء مفاوضات استرجاع الرهائن ووقف القتال في غزة، ونيته الحقيقة أعلنها في الكونغرس حين قال إنه لن يوقف الحرب إلا بعد أن تلقي حماس سلاحها وتستسلم ويسترجع الرهائن، وطالب الإدارة الأمريكية بالتعجيل بتسليم الأسلحة التي طلبها ليتم ما بدأه وهو يعرف أنه غير قادر على تحقيق هذه المهمة المستحيلة.
(2) انحياز أمريكا يفقدها نفوذها في الشرق الأوسط
الترحيب المبالغ فيه من أعضاء الكونغرس بنتنياهو، والوقوف تقديرا لما يسرده من أكاذيب وخاصة تلك الخاصة بحق اليهود التاريخي في فلسطين وضرورة تربية الأجيال الفلسطينية الجديدة على قبول الاحتلال الصهيوني والتعايش معه، والتصفيق الحار لهذا الهراء، أمور لا بد أن تدهشك من موقف النخبة السياسية الأمريكية.
وسيذكر التاريخ هذه الجلسة تحت عنوان “العار”، حيث فقدت فيها أمريكا بوصلتها الأخلاقية. أمريكا في خضم الانتخابات الرئاسية نسيت مكانتها ومسؤولياتها بوصفها دولة عظمى عليها أن تحترم القانون الدولي وقرارات المنظمات الدولية، وأن لا تدافع عن باطل أو تساند نظاما عنصريا استعماريا.
الحرب في غزة ليست حربا فلسطينية إسرائيلية فقط، بل حرب ضد الهيمنة الغربية وهي امتداد للحرب الأوكرانية وهذه الحروب المتفرقة تسعى لإقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب ومواجهة أمريكا التي نصبت نفسها “شرطي العالم” بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، فهي المهيمنة على النظام العالمي الحالي، تراقب تنفيذه بصرامة وتعاقب المخالفين له.
في السنوات الأخيرة تمرد عدد من الدول الكبرى على هذا الوضع وفي مقدمتها: الصين وروسيا وإيران، وكلّ يسعى بطريقته لكسر هذه الهيمنة، والصين تقدم نفسها على أنها صانعة سلام.
في مارس/آذار من العام الماضي تمت في بجين مفاوضات بين السعودية وإيران اتفق على أثرها البلدان على استئناف علاقاتهما الدبلوماسية المقطوعة منذ 2016، ومنذ أيام استضافت بجين 14 فصيلا فلسطينيا في مقدمتهم فتح وحماس لإنهاء الانقسام بينهم.
ولقد وقعت الفصائل الفلسطينية على اتفاقية للوحدة الوطنية وتطرق الاتفاق إلى إدارة غزة بعد الحرب وتأسيس حكومة مصالحة وطنية مؤقتة، والمفترض أن تدير هذه الحكومة التوافقية غزة بعد توقف القتال، وهو أمر ضروري لقطع الطريق أمام خطة نتنياهو التي تحدث عنها من قبل وأكدها في الكونغرس، وهي أن تحكم غزة إدارة مدنية حليفة لإسرائيل مع وجود أمني إسرائيلي في القطاع، ولم يتحدث عن حل الدولتين الذي رفضه الكنيست الإسرائيلي مؤخرا.
الصين تسعى لملء الفراغ الذي تركته أمريكا كوسيط في عملية السلام الفلسطيني الإسرائيلي، وهي تقف على مسافة واحدة من الصراع عكس أمريكا. مراهنة أمريكا على إسرائيل ومشاركتها في الحرب على قطاع غزة مقامرة خاسرة، ستفقدها تدريجيا مكانتها في الشرق الأوسط.
(3) طوفان الأقصى بدأ ولن يتوقف
7 أكتوبر ليس 11 سبتمبر كما حاول نتنياهو أن يصوره في خطابه أمام الكونغرس، 11 سبتمبر عام 2001 كان هجوما إرهابيا هدفه الانتقام من السياسات الأمريكية وبث الذعر في قلب أمريكا باستهداف رموزها، أما 7 أكتوبر فهو حرب تحرير قامت بها حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية ردًّا على الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والمعاملة المهينة والعنصرية من جانب الحكومة الإسرائيلية المتطرفة للمواطن الفلسطيني، وهذا الطوفان لن يتوقف قبل أن يتغير هذا الواقع الظالم وكسر الغطرسة الإسرائيلية والهيمنة الأمريكية الغربية على العالم. غزة كابوس يرافق نتنياهو ولعنة تطارد كل من ساهم في حرب الإبادة التي يتعرض لها أهلها.